الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
||
| الباب: | فى معرفة المنازلات الخطابية وهو من سر قوله عز وجل (وما كان لبشر أن يكلمه اللّه إلا وحيا أو من وراء حجاب) | |
|
أخطئوا في تأويلهم فيما تلفظ به رسولهم إما فيما ترجمه عن الله وإما فيما شرع له أن يشرعه قولا وفعلا وليس في المنازل الإلهية كلها على كثرتها ما ذكرنا منها في هذا الكتاب وما لم نذكر من يعطي النصاف ويؤدي الحقوق ولا يترك عليه حجة لله ولا لخلقه فيوفي الربوبية حقها والعبودية حقها وما ثم إلا عبد ورب إلا هذا المنزل خاصة هكذا أعلمنا الله بما ألهمه أهل طريق الله الذي جرت به العادة أن يعلم الله منه ورثة أنبيائه وهو منزل غريب عجيب أوله يتضمن كله وكله يتضمن جميع المنازل كلها وما رأيت أحدا تحقق به سوى شخص واحد مكمل في ولايته لقيته بإشبيلية وصحبته وهو في هذا المنزل وما زال عليه إلى أن مات رحمه الله وغير هذا الشخص فما رأيته مع أني ما أعرف منزلا ولا نحلة ولا ملكة إلا رأيت قائلا بها ومعتقدا لها ومنصفا بها باعترافه من نفسه فما أحكي مذهبا ولا نحلة إلا عن أهلها القائلين بها وإن كنا قد علمناها من الله بطريق خاص ولكن لا بد أن يرينا الله قائلا بها لنعلم فضل الله علي وعنايته بي حتى أني أعلمت أن في العالم من يقول بانتهاء علم الله في خلقه وأن الممكنات متناهية وأن الأمر لا بد أن يلحق بالعدم والدثور ويبقي الحق حقا لنفسه ولا عالم فرأيت بمكة من يقول بهذا القول وصرح لي به معتقدا له من أهل السوس من بلاد الغرب الأقصى حج معنا وخدمنا وكان يصر على هذا المذهب حتى صرح به عندنا وما قدرت على رده عنه ولا أدري بعد فراقه إيانا هل رجع عن ذلك أو مات عليه وكان لديه علوم جمة وفضل إلا أنه لم يكن له دين وإنما كان يقيمه صورة عصمة لدمه هذا قوله لي ويعطيه مذهبه وليس في مراتب الجهل أعظم من هذا الجهل والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ انتهى السفر السابع والعشرون بانتهاء الباب الثالث والثمانين وثلاثمائة وحَسْبُنَا الله ونِعْمَ الْوَكِيلُ بسم الله الرحمن الرحيم «الباب الرابع والثمانون وثلاثمائة في معرفة المنازلات الخطابية»الفصل الخامس في المنازلات وهو من سر قوله عز وجل وما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ الله إِلَّا وَحْياً أَوْ من وَراءِ حِجابٍ وهو من الحضرة المحمدية منازلات العلوم تبدي *** حقائق الحق والعباد بلا تغال ولا مراء *** ولا جدال ولا عناد فقل لعقلي أقصر فنقلي *** يهدي إلى الغي والرشاد فكل ذكري إلى صلاح *** وبعض فكري إلى فساد فانفع العلم علم فقري *** للسيد الواهب الجواد [المنازلة فعل فاعلين وهي تنزل من اثنين كل واحد يطلب الآخر لينزل عليه]اعلم أيدك الله وإيانا وأن المنازلة فعل فاعلين هنا وهي تنزل من اثنين كل واحد يطلب الآخر لينزل عليه أو به كيف شئت فقل فيجتمعان في الطريق في موضع معين فتسمى تلك منازلة لهذا الطلب من كل واحد وهذا النزول على الحقيقة من العبد صعود وإنما سميناه نزولا لكونه يطلب بذلك الصعود النزول بالحق قال تعالى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ والْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ فهو براقه الذي يسرى به إليه وينزل به عليه ويقول تعالى في حق نفسه على ما ذكره رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عنه فقال ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة الحديث بطوله فوصفه بالنزول إلينا فهذا نزول حق لخلق ومنا نزول خلق لحق لأنه لا يتمكن لنا أن يكون لنا العلو والكبرياء والغني عنه فلنا صفة الصغار والفقر إليه وله صفة الغني والكبرياء فكلنا إليه فقير *** وكلنا لديه صغير وكلنا نراه سوانا *** وهو الغني عنا الكبير إلا أنا فإني أراه *** عيني وإنني لخبير وبعد أن علمت ذا قلت إني *** إلى غناه عبد فقير وعلى الحقيقة فبنا ننزل عليه وبنا ينزل علينا ولو لا ذلك ما علمنا ما يقول في خطابه لنا فإنه الغني الحميد وعلى حقيقة الحقيقة فبه ننزل عليه وبه ينزل علينا وسواء كانت منازلة أو نزولا تاما فيكون المتكلم والسامع فهو يعلم ما يقول فإنه سمع من كان هذا مقامه فما سمع كلامه غيره ولما كان هو الأصل لم نكن إلا به فإن الفرع بصورة الأصل يخرج وفيها يظهر الثمر أعني في الفروع وتحصل الفوائد كما هي محل الحوائج فما ثم إلا هو لو كان لي إليك سبيل *** ما كان لي عليك دليل لذاك أنت رب عزيز *** وإنني العبيد الذليل عجبت من إله وعبد *** وفي منزل علي يهول إضافة وحرفي شمول *** بأنه ونحن عديل الله قاله لم يقله *** كون فقلته إذ يقول ومن ذلك هذا هو الأمر الذي *** لا بد منه وكفى فاعمل على قولي إذا *** كنت به متصفا وكن إذا ناظرك ألحق *** عليه منصفا فأنت إن خالفته *** كنت بها على شفا [الحق لا يكلم عباده ولا يخاطبهم إلا من وراء حجاب]واعلم أن الحق لا يكلم عباده ولا يخاطبهم إلا من وَراءِ حِجابٍ صورة يتجلى لهم فيها تكون له تلك الصورة حجابا عنه ودليلا عليه كالصورة الظاهرة الجسدية من الإنسان إذا أرادت النفس الناطقة أن تكلم نفسا أخرى كلمتها من وراء حجاب صورة جسدها بلسان تلك الصورة ولغتها مع كون النفس مخلوقة وأمرها كما ذكرناه فكيف بالخالق فلا يشهد المنازل في المنازلات الخطابية إلا صور عنها تأخذ ما تترجم له عنه من الحقائق والأسرار وهي السنة الفهوانية وحد المنازلات من العماء إلى الأرض وما بينهما فمهما فارقت الصورة العماء وفارقت الصورة الإنسانية الباطنة الأرض ثم التقتا فتلك المنازلة فإن وصلت إلى العماء أو جاءها الأمر إلى الأرض فذلك نزول لا منازلة والمحل الذي وقع فيه الاجتماع منزل وتسمى هذه الحضرة التي منها يكون الخطاب الإلهي لمن شاء من عباده حضرة اللسن ومنها كلم الله تعالى موسى عليه السلام أ لا تراه تجلى له في صورة حاجته ومنها أعطى رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم جوامع الكلم فجمع له في هذه الحضرة صور العالم كلها فكان علم أسماء هذه الصور علم آدم عليه السلام وأعيانها لمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم مع أسمائها التي أعطيت لآدم عليه السلام فإن آدم من الأولين الذين أعطى الله محمدا صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم علمهم حين قال عن نفسه إنه أعطاه الله علم الأولين والآخرين ومنها آتي الله تعالى داود عليه السلام الْحِكْمَةَ وفَصْلَ الْخِطابِ وجميع الصحف والكتب المنزلة من هذه الحضرة صدرت ومنها أملى الحق على القلم الأعلى ما سطره في اللوح المحفوظ وكلام العالم كله غيبه وشهادته من هذه الحضرة والكل كلام الله فإنها الحضرة الأولى فإن الممكنات أول ما لها من الله تعالى في إيجادها قول كن ففتق الأسماع من الممكنات هذا الخطاب وآخِرُ دَعْواهُمْ في الجنة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ عند قول الله لأهل الجنة رضائي عنكم فلا أسخط عليكم أبدا ولو لا نفس الرحمن ما ظهرت أعيان الممكنات الكلمات [الحركة لا تكون إلا من متحرك في شيء عن قصد من المحرك]واعلم أن الحركات كانت ما كانت لا تكون إلا من متحرك في شيء عن قصد من المحرك كان المحرك نفسه أو غيره فتحدث الصور عن حركته لا بل عن تحركه فيما تحرك فيه بحسب قصده فتتشكل الصور بحسب الموطن وبالقصد الذي كان من المحرك كالحروف في النفس الخارج من الإنسان إذا قصد إظهار حرف معين لإيجاد عينه في موطنه الذي هو له انفتحت صورة الحرف في ذلك الموطن فعين لذلك الحرف اسما يخصه يتميز به عن غيره إذا ذكر كما تتميز صورته عن صورة غيره إذا حضر وذلك بحسب امتداد النفس ثم إذا قصد إظهار كلمة في عينها قصد عند إظهار أعيان الحروف في نفسه إظهار حروف معينة لا يظهر غيرها فينضم في السمع بعضها إلى بعض فتحدث في السمع الكلمة وهي نسبة ضم تلك الحروف ما هي أمر زائد على الحروف إلا أنها نسبة جمعها فتعطي تلك الجمعية صورة لم تكن الحروف مع عدم هذه النسبة الجمعية تعطيها فهذا تركيب أعيان العالم المركب من بسائطه فلا تشهد العين إلا مركبا من بسائط والمركب ليس بأمر زائد على بسائطه إلا نسبة جمع البسائط وإنما ذكرنا هذا حتى تعلم أن ما تشهده العين والتركيب في أعيان هذه الحروف لا يتناهى فلذلك لا تنفذ كلمات الله فصور الكلمات تحدث أي تظهر دائما فالوجود والإيجاد لا يزال دائما فاعلم أيها المركب من أنت وبما ذا تركبت وكيف لم تظهر لعينك في بسائطك وظهرت لعينك في تركيبك وما طرأ أمر وجودي إلا نسبة تركيب تحكم عليه بأمر لم تكن تحكم به قبل التركيب فافهم أنشأ صورة كن من النفس ثم الكائنات عن كن فما أظهرت إلا كلمات كلها عن كن وهي لفظة أمر وجودي فما ظهر عنها إلا ما يناسبها من حروف مركبة تجتمع مع كن في كونها كلمة فما أمره يعني إلا واحدة وهي قوله كن قال تعالى وما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ وقال إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ذلك الشيء في عينه فيتصف ذلك المكون بالوجود بعد ما كان يوصف بأنه غير موجود إلا أنه ثابت مدرج في النفس غير موجود الحرفية فالمنازلة الأصلية تحدث الأكوان وتظهر صور الممكنات في الأعيان فمن علم ما قلناه علم العالم ما هو ومن هو فسبحان من أخفى هذه الأسرار في ظهورها وأظهرها في خفائها فهي الظاهرة الباطنة والأولى والآخرة لقوم يعقلون والعين واحدة والحكم للنسب *** والعين ظاهرة والكون للسبب قال تعالى وما رَمَيْتَ فنفى إِذْ رَمَيْتَ فأثبت عين ما نفى ولكِنَّ الله رَمى فنفى عين ما أثبته فصار إثبات الرمي وسطا بين طرفي نفي فالنفي الأول عين النفي الآخر فمن المحال أن يثبت عين الوسط بين النفيين لأنه محصور فيحكم عليه الحصر ولا سيما والنفي الآخر قد زاد على النفي الأول بإثبات الرمي له لا للوسط فثبت الرمي في الشهود الحسي لمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بثبوت محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في كلمة الحق فكما هو رام لا رام كذلك هو في الكلمة الإلهية محمد لا محمد إذ لو كان محمدا كما تشهد صورته لكان راميا كما يشهد رميه فلما نفى الرمي عنه الخبر الإلهي انتفى عينه إذ لا فرق بين عينه ورميه وهكذا فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ولكِنَّ الله قَتَلَهُمْ وهذه هي البصيرة التي كان عليها الدعاة إلى الله يعلمون من يدعو إلى الله ومن يدعي إلى الله فالإدراك واحد فإذا أدرك به الأمر على ما هو عليه سمي بصيرة لأنه علم محقق وإذا أدرك به عين نسبة ما ظهر في الحس سمي بصرا فاختلفت الألقاب عليه باختلاف الموطن كما اختلف حكم عين الأداة وإن كانت بصورة واحدة حيث كانت تختلف باختلاف المواطن مثل أداة لفظة ما لا شك أنها عين واحدة ففي موطن تكون نافية مثل قوله وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا الله وفي موطن تكون تعجبا مثل قوله فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ وفي موطن تكون مهيئة مثل قوله رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وفي موطن تكون اسما مثل قوله إِلَّا ما أَمَرْتَنِي به إلى أمثال هذا وقد تكون مصدرية وتأتي للاستفهام وتأتي زائدة وغير ذلك من مواطنها فهذه عين واحدة حكمت عليها المواطن بأحكام مختلفة كذلك صور التجلي بمنزلة الأحكام لمن يعقل ما يرى فأبان الله لنا فيما ذكره في هذه الآية أن الذي كنا نظنه حقيقة محسوسة إنما هي متخيلة يراها رأى العين والأمر في نفسه على خلاف ما تشهده العين وهذا سار في جميع القوي الجسمانية والروحانية فالعالم كله في صور مثل منصوبة فالحضرة الوجودية إنما هي حضرة الخيال ثم تقسم ما تراه من الصور إلى محسوس ومتخيل والكل متخيل وهذا لا قائل به إلا من أشهد هذا المشهد فالفيلسوف يرمي به وأصحاب أدلة العقول كلهم يرمون به وأهل الظاهر لا يقولون به نعم ولا بالمعاني التي جاءت له هذه الصور ولا يقرب من هذا المشهد إلا السوفسطائية غير أن الفرق بيننا وبينهم إنهم يقولون إن هذا كله لا حقيقة له ونحن لا نقول بذلك بل نقول إنه حقيقة ففارقنا جميع الطوائف ووافقنا الله ورسوله بما أعلمناه مما هو وراء ما أشهدناه فعلمنا ما نشهد والشهود عناية من الله أعطاها إيانا نور الايمان الذي أنار الله به بصائرنا ومن علم ما قررناه علم علم الأرض المخلوقة من بقية خميرة طينة آدم عليه السلام وعلم إن العالم بأسره لا بل الموجودات هم عمار تلك الأرض وما خلص منها إلا الحق تعالى خالقها ومنشئها من حيث هويته إذ كان له الوجود ولا هي ولو لا ما هو الأمر على ما ذكرناه ما صحت المنازلة بيننا وبين الحق ولا صح نزول الحق إلى السماء الدنيا ولا الاستواء على العرش ولا العماء الذي كان فيه ربنا قبل إن يخلق خلقه فلو لا حكم الاسم الظاهر ما بدت هذه الحضرة ولا ظهر هذا العالم بالصورة ولو لا الاسم الباطن ما عرفنا إن الرامي هو الله في صورة محمدية فما فوق ذلك من الصور فقال وما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ الله وهو بشر إِلَّا وَحْياً مثل قوله ولكِنَّ الله رَمى فالرامي هو الله والبصر يشهد محمدا أَوْ من وَراءِ حِجابٍ صورة بشرية لتقع المناسبة بين الصورتين بالخطاب أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا وهو ترجمان الحق في قلب العبد نَزَلَ به الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ فإذا أوحى الله إلى الرسول البشري من الوجه الخاص بارتفاع الوسائط وألقاه الرسول علينا فهو كلام الحق لنا من وراء حجاب تلك الصورة المسماة رسولا إن كان مرسلا إلينا أو نبيا وقد تكون هذه الرتبة لبعض الأولياء فإذا انكشف الغطاء البشري عن عين القلب أدرك جميع صور الموجودات كلها بهذه المثابة في خطاب بعضهم بعضا وسماع بعضهم من بعض فأنجد المتكلم والسامع والباطش والساعي والمحس والمتخيل والمصور والحافظ وجميع القوي المنسوبة إلى البشر فالمنازلات كلها برزخية بين الأول والآخر والظاهر والباطن وصور العالم وصور التجلي فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ الله فالمترجم المتكلم وقد عرفنا إن الكلام المسموع هو كلام الله لا كلامه فتنظر ما جاء به في خطابه البرزخى وافتح عين الفهم لإدراكه وكن بحسب ما خاطبك به ولا يسمع كلام الله إلا بسمع الله ولا كلام الصورة إلا بسمع الصورة والسامع من وراء السمع والمتكلم من وراء الكلام والله من وَرائِهِمْ مُحِيطٌ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ في لَوْحٍ مَحْفُوظٍ من التبديل والتغيير فأما ما يدل على توحيد وإما صفة تنزيه وإما صفة فعل وإما ما يعطي الاشتراك وإما تشبيه وإما حكم وإما قصص وإما موعظة بترغيب أو ترهيب أو دلالة على مدلول عليه فهو محصور بين محكم ومتشابه كل خطاب في العالم فالطور الجسم لما فيه من الميل الطبيعي لكونه لا يستقل بنفسه في وجوده وكتاب مسطور عن إملاء إلهي ويمين كاتبة بقلم اقتداري في رق وهو عينك من باب الإشارة لا من باب التفسير منشور ظاهر غير مطوي فما هو مستور والبيت المعمور وهو القلب الذي وسع الحق فهو عامرة والسقف المرفوع ما في الرأس من القوي الحسية والمعنوية والبحر المسجور رأى الطبيعة الموقدة بما فيها من النار الحاكم الموجب للحركة إن عذاب ربك لواقع أي ما تستعذ به النفس الحيوانية والروح الامري والعقل العلوي من سيدها المربي لها المصلح من شأنها لواقع لساقط عليها إذ كانت لها المنازل السفلية من حيث إمكانها مطلقا ومن حيث طبعها مقيدا ما لَهُ من دافِعٍ لأنه ما ثم غير ما ذكرناه فمن عندنا التلقي لتدليه والترقي لتدانيه وبين هذين الحكمين ظهور البرازخ التي لها المجد الشامخ والعلم الراسخ وقد تكون المنازلة بين الأسماء الإلهية مثل المنازلة في الحرب على هذا الإنسان إذا خالف أمر الله فيطلبه التواب والغفور والرحمن ويطلبه المنتقم والضار والمذل وأمثالهم وقد ورد في الحديث من هذا الباب قوله تعالى ما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نسمة المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له من لقائي وهذا من المنازلة وقد ذقت هذا الكشف رأيته من الله في قتل الدجال بحضور رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم معي فيه ومن هنالك انفتح لي باب بسط الرحمة على عباد الله وعلمت إن رحمته وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فلا بد أن ينفذ حكمها في كل شيء وعلمت حكمة انعدام الأعراض لا نفسها في الزمان الثاني من زمان وجودها وخلق الله الأمثال في المحل أو الأضداد إذ لو ثبت عرض ثبوت محله إذا لم يكن محله معنى مثله أي عرض آخر مثله في العرضية لبقي كما يبقى الجوهر ولم تكن تتبدل حاله على الجوهر فيكون إما دائم الشقاء من أول خلقه أو دائم السعادة فتكون رحمة الله قاصرة على أعيان مخصوصين كما تكون بالوجوب في قوم منعوتين بنعت خاص وفيمن لا ينالها بصفة مقيدة وجوبا تناله الرحمة من باب الامتنان كما نالت هذا الذي استحقها ووجبت له بالصفة التي أعطته فاتصفت بها فوجبت الرحمة له فالكل على طريق الامتنان نالها ونالته فما ثم إلا منة إلهية أصلا وفرعا ثم تسري المنازلة بين الإصبعين من أصابع الرحمن في القلب في ميدان الإرادة فإن أزاغه أزاغه رحمان وإن أقامه أقامه رحمان فما ثم حكم إلا له لأنه المستوي على العرش فلا تنفذ الأحكام إلا من هذا الاسم ثم تظهر المنازلة بين الملك والشيطان على القلب باللمتين اللتين يجدهما المكلف في قلبه فإن لم يكن مكلفا ووجد التردد في قلبه فلا يخلو إما أن يكون في دار تكليف أو لا يكون فإن كان في دار تكليف فالتردد إنما هو من اللمة الملكية واللمة الشيطانية بطلب كل واحد منهما لما نفذت فيه لمته أن يكون للمكلف في ذلك دخول بإعانة في فساد فيجوز الإثم عليه كصبيين لم يبلغا حد التكليف فيتضاربان عن لمة الشيطان التي غلبت على كل واحد منهما فيجيء والداهما أو شخصان من قرابتهما أو جيرانهما أو من |


