Mekkeli Fetihler: futuhat makkiyah

Gözat Başlıkları Bölüm I: Bilgi Üzerine (Maarif) Bölüm II: Etkileşimler (Muamalat) Bölüm IV: Meskenler (Manazil) Girişler Bölüm V: Tartışmalar (Munazalat) Bölüm III: Eyaletler (Ahwal) Bölüm VI: İstasyonlar (Kutup Makamı) Birinci Bölüm İkinci Bölüm Üçüncü Bölüm Dördüncü Bölüm

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل أسرار اتصلت فى حضرة الرحمة بمن خفى مقامه وحاله على الأكوان

إجابته بالحال فيكون الجواب مطابقا للسؤال وفيه علم وضع من ارتفع بنفسه وانحطاط من تطاول فوق قدره وفيه علم فائدة الموعظة ولو كفر بها فإن لها أثرا في الباطن عند السامع وإن لم يظهر ذلك فإنه يحس به من نفسه وفيه علم من أراد كيدا فصادف حقا فهو عنده كذب ثم أسفرت العاقبة إنه صدق في نفس الأمر ولكن لا علم له بذلك وفيه علم الأوقات وما تعامل به عقلا وشرعا عند السليم الفكر وفيه علم تعيين مكارم الأخلاق وفيه علم أن العلم بما لا يعلم أنه لا يعلم علم والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الخامس والستون وثلاثمائة في معرفة منزل أسرار اتصلت في حضرة الرحمة بمن خفي مقامه وحاله على الأكوان وهو من الحضرة المحمدية»

مرتبة الخمسة معروفة *** تحفظ ما جاوزها من عدد

تحفظ ذكر الله من رحمة *** قامت بها ليس لها مستند

سوى الذي يحفظ أعياننا *** وهو الإله المتعالي الصمد

جميع ما في الكون من خلقه *** له إذا يدعوه عبدي سجد

لولاه لم نوجد بأعياننا *** مع كونه سبحانه لم يلد

فهو مع الكثرة في حكمه *** لم تنتف عنه صفات الأحد

لو لا وجود الكثر في حكمه *** لما بدا منه وجود العدد

فهو وحيد العين في ملكه *** وحكمه في كونه مستند

لما حملناه على كوننا *** من نفسنا من فضله ما عبد

عز فما يدركه غيره *** وجل أن يبقى بحكم المدد

سبحانه من ملك قاهر *** قد قهر الكل وأهل العدد

ليس على غير من أكوانه *** لكل من يعرفه معتمد

من أزل صح له حكمنا *** كذاك أيضا حكمه في الأبد

[إن الظاهر والباطن اقتضى أن يكون الأمر الوجودي بالنسبة إلينا بين جلي وخفي‏]

اعلم أيدنا الله وإياك بروح منه أن الله لما سمي نفسه بالظاهر والباطن اقتضى ذلك أن يكون الأمر الوجودي بالنسبة إلينا بين جلي وخفي فما جلاه لنا فهو الجلي وما ستره عنا فهو الخفي وكل ذلك له تعالى جلي‏

قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في دعائه اللهم إني أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك‏

وهو الجلي عند من علمه الله إياه والخفي عمن لم يعلمه‏

ثم قال أو استأثرت به في علم غيبك‏

فهذا خفي عما سوى الله فلا يعلمه إلا الله فإنه تعالى يَعْلَمُ السِّرَّ وهو ما بينه وبين خلقه وأَخْفى‏ وهو ما لا يعلمه إلا هو مثل مفاتح الغيب التي عنده لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ فهو عالِمُ الْغَيْبِ وهو الخفي والشَّهادَةِ وهو الجلي وما أوجده من الممكنات وهو الجلي أيضا وما لم يوجده منها وهو الخفي أيضا ولا يخلو العالم من هاتين النسبتين دنيا ولا آخرة فالمزيد الواقع من العالم في العالم فهو من الخفي والمزيد لا يزال فالعالم مزيد خارج من الخفاء إلى الجلاء لا يزال فالجلي من سؤال السائلين إنما يسمعه الحق من الاسم الظاهر والخفي منه يسمعه من الاسم الباطن فإذا أعطاه ما سأل فالاسم الباطن يعطيه للظاهر والظاهر يعطيه للسائل فالظاهر حاجب الباطن والجلي حاجب الخفي كما إن الشعور حاجب العلم واعلم أن الله عز وجل يعامل عباده بما يعاملونه به فكأنه تعالى بحكم التبعية لهم وإن كان ابتداء الأمر منه ولكن هكذا علمنا وقرر لدينا فإنا لا ننسب إليه إلا ما نسبه إلى نفسه ولا يتمكن لنا إلا ذلك فمن حكم تبعية الحق تعالى للمخلوق قوله تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله وقوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الصحيح إن الله لا يمل حتى تملوا

وقوله تعالى فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وقوله سبحانه من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه‏

فلا يكون العبد في حالة *** إلا يكون الحق في مثلها

وكلها منه ولكنه *** كذا أتانا الحكم في شكلها

فكل مخالف أمر الحق فإنه يستدعي بهذه المخالفة من الحق مخالفة غرضه ولذلك لا يكون العفو والتجاوز والمغفرة من الحق جزاء لمخالفة العبد في بعض العبيد وإنما يكون ذلك امتنانا من الله عليه فإن كان جزاء فهو جزاء لمن عفا عن عبد مثله وتجاوز وغفر لمن أساء إليه في دنياه فقام له الحق في تلك الصفة من العفو والصفح والتجاوز والمغفرة مثلا بمثل يدا بيدها وها

ورد في الخبر الصحيح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما كان الله لينهاكم عن الربا ويأخذه منكم‏

فما نهى الله عباده عن شي‏ء إلا كان منه أبعد ولا أمركم بكريم خلق إلا كان الحق به أحق‏

[منزل الميراث المعنوي هو منزل الشريعة]

واعلم أن هذا المنزل هو منزل الميراث المعنوي وهو منزل الشريعة وكون الحياة شرطا في جميع وجود النسب المنسوبة إلى الله وهذه النسبة أوجبت له سبحانه أن يكون له اسمه الحي فجميع الأسماء الإلهية موقوفة عليه ومشروطة به حتى الاسم الله فالاسم الله هو المهيمن على جميع الأسماء التي من جملتها الحي ونسبة الاسم الحي لها المهيمنية على جميع النسب الأسمائية حتى نسبة الألوهة التي بها تسمى الله الله‏

قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم العلماء ورثة الأنبياء وما ورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر

وقال نحن معاشر الأنبياء لا نرث ولا نورث ما تركنا صدقة

يعني الورث أي ما يورث من الميت من المال فلم يبق الميراث إلا في العلم والحال والعبارة عما وجدوه من الله في كشفهم وأهل النظر في نظرهم وهؤلاء هم العلماء الذين يخشون الله لعلمهم بأنه يعلم حركاتهم وسكناتهم على التعيين والتفصيل فإنه الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ وفي جميع أحوالك فأبان صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن الأنبياء لهم التقدم فإنهم لا يورثون حتى ينقلبوا إلى الله من هذه الدار فكل ما يناله المتبع لنبي خاص في حياته فإنه إنعام من ذلك النبي لا ميراث وكل ما ناله من نبي قد مات فذلك علم موروث فكل وارث علم في زمان فإنما يرث من تقدمه من الأنبياء عليه السلام لا من تأخر عنه فوراثة عالم كل أمة كانت لنبي قبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فوراثة جزئية وهذه الأمة المحمدية لما كان نبيها محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم آخر الأنبياء وكانت أمته خير الأمم صح للوارث منهم أن يرثه ويرث جميع الأنبياء عليه السلام ولا يكون هذا أبدا في عالم أمة متقدمة قبل هذه الأمة فلهذا كانت أفضل أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ لأنها زادت على الوارثين بأمر لم ينله إلا هذه الأمة فكل وارث نبي فعلمه من فيض نور من ورثه من الله ونظره سبحانه إلى أنبيائه أتم النظر فعلم الورثة أتم العلوم وكل علم لا يكون عن ورث فإنه ليس بعلم اختصاص كعلم أصحاب الفترات فإن علمهم ليس بعلم وراثة وإن كانوا علماء ولكنهم لم يكونوا متبعين لنبي لأنه لم يبعث إليهم وليسوا بأنبياء فما كان لهم من الله نظرة الأنبياء فنزلوا عن درجة الورثة في العلم وعلموا إن لله أنبياء وأما الذين لا يقرون بالأنبياء ولا بالنبوة على ما هي عليه في نفسها ويرون أن مسمى الأنبياء إنما هو لمن صفى جوهرة نفسه من كدورات الشهوات الطبيعية والتزم مكارم الأخلاق العرفية وإنه إذا كان بهذه المثابة انتقش في نفسه ما في العالم العلوي من الصور بالقوة فنطق بعلم الغيوب وليست النبوة عندنا ولا هي في نفسها كذلك ولا بد وقد تكون في بعض الأشخاص على ما قالوه ولكن مع جواز ما ذكروه من نقش ما في العالم من الصور بالقوة في نفس هذا الشخص مما وقع في الوجود ولا يقع في جزئيات الأمور فإن الذي في حركات الأفلاك وسباحة الكواكب وفي السموات من العلوم التي تكون من آثارها لا علم لها بذلك من كوكب وسماء وفلك وملك فيعرف هذا الشخص منها ما لا تعرف من نفسها وما ذكر عن أحد من نبي ولا حكيم أنه أحاط علما بما يحوي عليه حاله في كل نفس نفس إلى حين موته بل يعلم بعضا ولا يعلم بعضا مع علمنا إن الله عز وجل أَوْحى‏ في كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وأن الله قد أودع اللوح المحفوظ علمه في خلقه بما يكون منهم إلى يوم القيامة ولو سئل اللوح ما فيك أو ما خط القلم فيك من علم الله عز وجل ما علم فإن الله أودع ذلك كله في نظره لمن هو دونه ولا يعلم ما يكون عن ذلك النظر من الأثر إلا الله فإن الأثر ما بظهر عن النظر بل عن استعداد القابل ولهذا قال وما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ فانظر في لمحة البصر الواحد ما تدرك من المنظورات وهذا الأمر وإن كان واحدة فإنه بالوجود مختلف لاختلاف القوابل في الاستعداد فلا يعلم الأمور على التفصيل إلا الله وحده ولا يُحِيطُونَ بِشَيْ‏ءٍ من عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وكل صاحب مجاهدة وخلوة وتصفية نفس على غير شريعة ولا مؤمن بها على ما هي عليه في‏

نفسها فإن العلم الذي يكون عليه ويجده عند هذا الاستعداد ليس بعلم ميراث ولا للحق إليه نظر نبوي بل غايته إن يتلقى من الأرواح الملكية بقدر ما هو عليه من المناسبة ومن الله على قدر ما أعطاه نظره الفكري لأنه لا كشف له البتة من الله لأن ذلك من خصائص الأنبياء عليه السلام ومتبعيهم لا من قال بهم ولم يتبع واحدا منهم على التعيين من أصحاب التعريف ولا عمل عملا في زمان الفترة لقول نبي وإن وافق بعمله عمل نبي لكنه غير مقصود

له الاتباع فإن الإلقاء إليه دون الإلقاء إلى الوارث العامل على ذلك لقول ذلك النبي وبين العلمين بون عظيم وتمييز ذوقي مشهود جعلنا الله وإياكم من الوارثين وكل من أظهر اعتقاد النبوة وصرف ما جاءت به من الأحكام الظاهرة إلى معان نفسية لم تكن من قصد النبي بما ظهر عنه ما اعتقدته العامة من ذلك فإنه لا يحصل على طائل من العلم ومن اعتقد فيما جاء به هذا النبي أنه في الظاهر والعموم على ما هو عليه حق كله وله زيادة مصرف آخر مع ثبوت هذه المعاني فجمع بين الحس والمعنى في نظره فذلك الوارث العالم الذي شاهد الحق على ما هو عليه وهذا لا يحصل إلا بالتعمل وليس معنى التعمل أن يقول هذا الذي ليس له هذا الاعتقاد ثم يسمع به مني أو من غيري فيقول أنا أعتقده وأربط نفسي به فإن كان ما قاله حقا فإنا له وإن لم يكن فما يضرني فمثل هذا لا ينفعه ولا يفتج له فيه لأنه غير مصدق به على القطع بل هو صاحب تجربة وأين الايمان من الشك والتجربة فهذا أعمى البصيرة ناقص النظر فإنه لو صح منه النظر الفكري في الأدلة لعثر على وجه الدلالة فانقدح له المطلوب وأسفر له عن الأمر على ما هو عليه كما أسفر لغيره ممن وفى النظر حقه فإنه إذا وفى الناظر نظره حقه لزمه الايمان ملازمة الظل للشخص لأنهما مزدوجان فإنه يطلع بعين الدليل على رتبة هذا المسمى بالنبي والشارع عند الله فمن المحال أن يشهده ذوقا ولا يتبعه حالا هذا ما لا يتصور ولقد آمنا بالله وبرسوله وما جاء به مجملا ومفصلا مما وصل إلينا من تفصيله وما لم يصل إلينا أو لم يثبت عندنا فنحن مؤمنون بكل ما جاء به في نفس الأمر أخذت ذلك عن أبوي أخذ تقليد ولم يخطر لي ما حكم النظر العقلي فيه من جواز وإحالة ووجوب فعملت على إيماني بذلك حتى علمت من أين آمنت وبما ذا آمنت وكشف الله عن بصري وبصيرتي وخيالي فرأيت بعين البصر ما لا يدرك إلا به ورأيت بعين الخيال ما لا يدرك إلا به ورأيت بعين البصيرة ما لا يدرك إلا بها فصار الأمر لي مشهودا والحكم المتخيل المتوهم بالتقليد موجودا فعلمت قدر من اتبعته وهو الرسول المبعوث إلى محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وشاهدت جميع الأنبياء كلهم من آدم إلى محمد عليه السلام وأشهدني الله تعالى المؤمنين بهم كلهم حتى ما بقي منهم من أحد ممن كان ويكون إلى يوم القيامة خاصهم وعامهم ورأيت مراتب الجماعة كلها فعلمت أقدارهم واطلعت على جميع ما آمنت به مجملا مما هو في العالم العلوي وشهدت ذلك كله فما زحزحني علم ما رأيته وعاينته عن إيماني فلم أزل أقول وأعمل ما أقوله وأعمله لقول النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لا لعلمي ولا لعيني ولا لشهودي فواخيت بين الايمان والعيان وهذا عزيز الوجود في الاتباع فإن مزلة الاقدام للأكابر إنما تكون هنا إذا وقعت المعاينة لما وقع به الايمان فتعمل على عين لا على إيمان فلم يجمع بينهما ففاته من الكمال أن يعرف قدره ومنزلته فهو وإن كان من أهل الكشف فما كشف الله له عن قدره ومنزلته فجهل نفسه فعمل على المشاهدة والكامل من عمل على الايمان مع ذوق العيان وما انتقل ولا أثر فيه العيان وما رأيت لهذا المقام ذائقا بالحال وإن كنت اعلم أن له رجالا في العالم لكن ما جمع الله بيني وبينهم في رؤية أعيانهم وأشخاصهم وأسمائهم فقد يمكن أن أكون رأيت منهم وما جمعت بين عينه واسمه وكان سبب ذلك أني ما علقت نفسي قط إلى جانب الحق أن يطلعني على كون من الأكوان ولا حادثة من الحوادث وإنما علقت نفسي مع الله أن يستعملني فيما يرضيه ولا يستعملني فيما يباعدني عنه وأن يخصني بمقام لا يكون لمتبع أعلى منه ولو أشركني فيه جميع من في العالم لم أتأثر لذلك فإني عبد محض لا أطلب التفوق على عباده بل جعل الله في نفسي من الفرح أني أتمني أن يكون العالم كله على قدم واحدة في أعلى المراتب فخصني الله بخاتمة أمر لم يخطر لي ببال فشكرت الله تعالى بالعجز عن شكره مع توفيتي في الشكر حقه وما ذكرت ما ذكرته من حالي للفخر لا والله وإنما ذكرته لأمرين الأمر الواحد لقوله تعالى وأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ وأية نعمة أعظم من هذه والأمر الآخر ليسمع صاحب همة فتحدث فيه همة لاستعمال نفسه فيما استعملتها فينال مثل هذا فيكون معي وفي درجتي فإنه‏

لا ضيق ولا حرج إلا في المحسوس والألوهية خاصة ولهذا لا يتعلق حكم الغيرة إلا بهذين المقامين فأما المحسوس فلحصره فإنه إذا كان عندك لم يكن عين ما هو عندك عند غيرك وأما في الألوهية فإن المدعي فيها كاذب ومن هي له صادق فمتعلق الغيرة كون من ليست فيه الألوهية ويدعيها كاذبا فالغيرة على المقام فإنها لا تكون إلا لواحد ليس لغيره فيها قدم والغيرة مشتقة من الغير فهذا قد أبنت لك عن سواء السبيل‏

[أن أطيب ما يورث من العلم ما يرثه العالم‏]

واعلم أن أطيب ما يورث من العلم ما يرثه العالم من الأسماء الإلهية فإن قلت وكيف تورث الأسماء الإلهية ولا يكون الورث إلا بعد موت قلنا وكذلك أقول فاعلم أني أريد بهذا النوع من العلم كون الحق سبحانه قادرا على إن يفعل ابتداء ما لا يفعله ولا وقع إلا منك كما قد بينا إنك آلة له تعالى فلما كان منك ولا بد ما يمكن أن يكون له دونك ومن المحال أن يكون لما هو منك كونان فإن الكائن لا يقبل كونين بل هو وجود واحد فينزل هذا القدر من الكون الظاهر منك مما كان له منزلة المال الموروث ممن كان له إذ يستحيل أن يكون له مع موته كما استحال أن يكون هذا الكائن عن غير من كان عنه فتحقق هذه النكتة فإنها عجيبة في أصحاب الأذواق لا في أحكام العقل‏

[الاسم الإلهي الحي‏]

واعلم أنه لما لم يتمكن أن يتقدم الاسم الحي الإلهي اسم من الأسماء الإلهية كانت له رتبة السبق فهو المنعوت على الحقيقة بالأول فكل حي في العالم وما في العالم إلا حي فهو فرع عن هذا الأصل وكما لا يشبه الفرع الأصل بما يحمله من الثمر وما يظهر منه من تصريف الأهواء له على اختلافها عليه وما يقبل من حال التعرية واللباس إذا أورق وتجرد عن ورقه والأصل ليس كذلك بل هو الممد له بكل ما يظهر فيه وبه إذ ليس له بقاء في فرعيته وأحكامها إلا بالأصل كذلك الاسم الحي مع سائر الأسماء الإلهية فكل اسم هو له إذا حققت الأمر فيسري سره في جميع العالم فخرج على صورته فيما نسب إليه من التسبيح بحمده والتسبيح تنزيه والتنزيه تعرية وكذلك الأصل معرى عن ملابس الفروع وزينتها من ورق وثمر وكل ذلك منه وهو منزه في ذاته عن أن تقوم به فقد أعطى ما لا يقوم به ولا يكون صفة له وهذا علم لا يمكن أن يحصل إلا لصاحب كشف وإذا حصل له لا يمكن أن يقسم العالم إلى حي وإلى غير حي بل هو عنده كله حي ولكن تنسب عندنا الحياة لكل حي بحسب حقيقة المنعوت بها المسمى عند أهل الكشف والشهود لا عند من لا يرى الحياة إلا في غير الجماد والنامي في نظره ليس كلامنا إلا مع أهل الكشف الذين أشهدهم الله الأمر على ما هو عليه في نفسه فاعلم ذلك واعلم أنه لما كان الاسم الحي اسما ذاتيا للحق سبحانه لم يتمكن أن يصدر عنه إلا حي فالعالم كله حي إذ عدم الحياة أو وجود موجود من العالم غير حي لم يكن له مستند إلهي في وجوده البتة ولا بد لكل حادث من مستند فالجماد في نظرك هو حي في نفس الأمر وأما الموت فهو مفارقة حي مدبر لحي مدبر فالمدبر والمدبر حي والمفارقة نسبة عدمية لا وجودية إنما هو عزل عن ولاية ثم إنه ما من شرط الحي أن يحس فإن الإحساس والحواس أمر معقول زائد على كونه حيا وإنما من شرطه العلم وقد يحس وقد لا يحس ولو أحس فليس من شرط الإحساس وجود الآلام واللذات فإن العلم يغني عن ذلك مع كون العالم لا يحس بما جرت العادة أنه لا يدرك إلا بالحس وأنت تعلم وجميع العقلاء أن الله عالم بكل شي‏ء مع تنزيهه عن الإحساس والحواس فلحصول العلم طرق كثيرة عند من يستفيد علما والحس طريق موصلة إلى العلم بالمحسوس فقد يوصل إلى العلم به من غير طريق الحس فيكون معلوما في الحالتين لكنه لا يكون محسوسا لمن علمه من غير طريق الحس لكنه هو له مشهود ومعلوم كما لا نشك أنا نرى ربنا بالأبصار عيانا على ما يليق بجلاله وهو مرئي لنا ولا نقول فيه إنه محسوس لما يطلبه الحس من الحصر والتقييد فهذه رؤية غير مكيفة وكلامنا في هذا مع من يقول بالرؤية بالبصر ولا نقول بالكيف ولا الحصر والتقييد بل نراه منزها كما علمناه منزها وقد قدمنا في غير موضع من هذا الكتاب تصويب كل اعتقاد وصحة كل مقالة عقلية في الله وأما المقالات الشرعية المنزلة من الله فيه فالإيمان بها واجب وما جاءت لتخالف العقل فإنها قد جاءت بموافقة العقل في لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وقد جاءت بما لا يقبله دليل العقل من حيث نظره فزاد علما به لم يكن ليستقل به قبله بإيمانه إن كان عن خبر أو بذوقه إن كان عن شهود وسلمنا له ما وصف به نفسه من كل ما لا يستقل به العقل من حيث انفراده بذلك في نظره لكوننا لا نحيط علما بذاته لا بل لا نعلمها رأسا ولما كانت الأعيان في الوجود لها اتصال بعضها ببعض ولها انفصال بعضها عن بعض جعل‏

الله ذلك علامة لمن لا كشف له على إن للعالم بالله اتصالا معنويا من وجه وفصلا من وجه فهو من حقيقة ذاته وألوهته وفاعليته متصل منفصل من وجه واحد ذلك الوجه عينه لأنه لا يتكثر وإن كثرت أحكامه وأسماؤه ومعقولات أسمائه فاتصاله خلقه إيانا بيديه ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ وانفصاله انفصال ألوهة من عبودة لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ بانفصاله الْحَكِيمُ باتصاله ولكن لا يكون التكوين من العالم إلا باتصاله لا بانفصاله والعالم يكون ما كلفه الله به من العبادات ولهذا أضاف أعمالها إلى العبد وأمره أن يطلب الإعانة من الله في ذلك كما أنه آلة للحق في بعض الأفعال والآلات معينة للصانع فيما لا يصنع إلا بآلة والعالم منفصل عن الحق بحده وحقيقته فهو منفصل متصل من عين واحدة فإنه لا يتكثر في عينه وإن تكثرت أحكامه فإنها نسب وإضافات عدمية معلومة فخرج على صورة حق فما صدر عن الواحد إلا واحد وهو عين الممكن وما صدرت الكثرة أعني أحكامه إلا من الكثرة وهي الأحكام المنسوبة إلى الحق المعبر عنها بالأسماء والصفات فمن نظر العالم من حيث عينه قال بأحديته ومن نظره من حيث أحكامه ونسبه قال بالكثرة في عين واحدة وكذلك نظره في الحق فهو الواحد الكثير كما أنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وأين التنزيه من التشبيه والآية واحدة وهي كلامه عن نفسه على جهة التعريف لنا بما هو عليه في‏

ذاته ففصل بليس وأثبت بهو وأما نداؤه تعالى للعالم ونداء العالم إياه فمن حيث الانفصال فهو ينادي يا أَيُّهَا النَّاسُ ونحن ننادي يا ربنا ففصل نفسه عنا كما فصلنا أيضا أنفسنا عنه فتميزنا وأين هذا المقام من مقام الاتصال إذا أحبنا وكان سمعنا وبصرنا وجميع قوانا وجعل ذلك حين أخبرنا اتصال محب بمحبوب فنسب الحب إليه ونحن المحبوبون ولا خفاء بالفرق بين أحكام المحب ومنزلته وبين أحكام المحبوب ومنزلته فارتفعنا به ونزل سبحانه بنا وذلك حتى لا يكون الوجود على السواء فإنه محال التسوية فيه فلا بد من نزول ورفعة فيه وما ثم إلا نحن وهو فإذا كان حكم واحد النزول كان حكم الآخر الرفعة والعلو وكل محب نازل وكل محبوب عال وما منا إلا محب ومحبوب ف ما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وما منا إلا نازل علي فهذه أحكام مختلفة في عين واحدة

فيا أيها المؤمنون اتقوا *** ويا ربنا ما الذي نتقي‏

فنادى فناديت مستفهما *** فلم أدر من راح أو من بقي‏

وقسم حكمي على حكمه *** فأما سعيد وإما شقي‏

فيرضى ويغضب في حكمه *** ويشقى ويسعد إذا نتقي‏

فأين الإكاليل من رجله *** وأين النعال من المفرق‏

فيظهر في ذا وذا مثله *** ليلقى العبيد الذي قد لقي‏

إذا كان ما قلته كائنا *** فقد علم العبد ما يتقى‏

[القرب المفرط حجاب‏]

واعلم أيدك الله أن في هذا المنزل من العلوم علم الحجب المتصلة بالمحجوب فإن القرب المفرط حجاب مثل البعد المفرط وفيه علم مجالسة العبد ربه إذا ذكره وانقسام أهل الذكر فيه إلى من يعلم أنه جليس الحق في حين ذكره الحق وإلى من لا يعلم ذلك وسبب جهله بمجالسته ربه كونه لا يعلم ربه فلا يميزه أو كونه لا يعلم أن ربه ذكره لصمم قام به وغشاوة على بصره فإن الذاكر الصحيح يعلم متى يذكره ربه وإن لم يعلم شهودا مجالسة ربه وغيره يعلم ذلك ويشهد جليسه فكما هو الحق جليس من ذكره كذلك العبد جليس الحق إذا ذكره ربه ولا يجالسه إلا عبد في الحالتين ولو جالسة به فعبوديته لم تزل فإن عينه لم تزل لأن غاية القرب أن يكون الحق سمعه وبصره فقد أثبت عينه وليس عينه سوى عبودته وفيه علم ما الفرق بين مجالسة الحق تعالى في الخلوة والجلوة هل الصورة في ذلك واحدة أم تتنوع بتنوع المجالس وفيه علم ما يتحدث به جليس الحق مع الحق وفي أي صورة يكون ذلك فإن المشاهدة للبهت فهل كل مشاهدة للبهت أو لا يكون البهت إلا في بعض المشاهدات ولا بد من العلم بأن المتجلي هو الله تعالى وفيه علم كل من دعا الله كائنا من كان إنه لا يشقى ولا أحاشي أحدا وإن شقي الداعي لعارض فالمال إلى السعادة الأبدية وفيه علم من خاف غير الله بالله ما حكمه عند الله‏

وهو مقام عزيز لكونه خاف بالله ومن هذه حالته لا يرى غير الله فكيف يخاف غير الله يقول الله تعالى فَلا تَخافُوهُمْ وخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وفيه علم من طلب الأمان من الله بالغير هل هو مصيب صاحب علم أو مخطئ صاحب جهل وهل يخاف الله لعينه أو يخاف لما يكون منه فمتعلق الخوف إن كان لما يكون منه فمتعلقه ما يكون منه وهو ما يقوم بك وفيه علم أثر العادات في الأكابر أهل الشهود لما ذا يرجع مع علمهم بأنه عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ فما مشهودهم هل مشهودهم فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ وهم جاهلون بما في إرادة الحق بهم فتؤثر العادات فيهم بوساطة حالهم في هذا المقام الذي تعطيه الإرادة الإلهية وفيه علم هل الأمور كلها بالنسبة إلى الله على السواء أو ليست على السواء فإن لم تكن على السواء فما السبب الذي أخرجها أن تكون على السواء قال تعالى وهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وقوله ولَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى‏ في السَّماواتِ والْأَرْضِ فهو قوله لَخَلْقُ السَّماواتِ والْأَرْضِ أَكْبَرُ من خَلْقِ النَّاسِ ابتداء وإعادتهم أهون من ابتدائهم وابتداؤهم أهون من خلق السموات والأرض فخلق السموات والأرض أكبر قدرا من خلق الناس فإن الناس لهما عليهم حق ولادة فالناس منفعلون عنهما فإن الجرمية غير معتبرة هنا فإنه قال ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ وما من أحد إلا وهو يعلم حسا أن خلق السموات والأرض أكبر في الجرم من خلق الناس وما ثم إلا انفعال الجسم الطبيعي عنهما لا غير وفيه علم ابتداء كل عين في كونها فليس لها مثال سبق وفيه علم الفرد الأول الذي هو أول الأفراد وفيه علم ما يسمى كلاما فإن ذلك مسألة خلاف طال فيها الكلام بين أهل النظر وقول الله لزكريا عليه السلام إن جعل الله له آية على وجود يحيى عليه السلام أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً فاستثني وما استثنى إلا الكلام والأثر موجود من الإشارة والرمز كما هو موجود من نظم الحروف في النطق وفيه علم النيابة عن الله ونيابة الحق عن العبد ومن أتم فإنه أمر أن يتخذ وكيلا وجعل بعضنا خلفاء في الأرض وأخبر أنا ننطق بكلامه وهو القائل منا إذا قلنا بعض أقوالنا وفيه علم المناسبة التي تشمل العالم كله وإنه جنس واحد فتصح المفاضلة فيما تحته من الأنواع والأشخاص فإن الإمام أبا القاسم بن قسي صاحب خلع النعلين منع من ذلك فاعتبر خلاف ما اعتبرناه فهو مصيب فيما اعتبره مخطئ باعتبارنا إذ ما ثم إلا حق وأحق وكامل وأكمل فالمفاضلة سارية في أنواع الجنس للمفاضلة التي في الأسماء بالإحاطة وما يزيد به هذا الاسم على غيره كالعالم والقادر وكالقادر والقاهر وفيه علم التأثيرات في العالم وفيه علم ما حكم من رأى لنفسه قدرا وهل إذا أتى بما يدل عليه وهو كامل هل إتيانه بذلك شفقة على الغير أو تعظيما لنفسه وهل يؤثر مثل ذلك في الرضاء أم لا يؤثر فيه ومن أعلى من يحتج عن نفسه ويذب عنها أو من لا يحتج عنها بل يكون مع الناس عليها ومتى يصلح أن يكون للإنسان هذا الحكم ومتى يصلح أن لا يكون له هذا الحكم وقوله ولَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ ... فَاصْبِرْ ولم يقل تعالى فارض بحكم ربك وفيه علم سعى الإنسان في عدالته عند الحكام لقبول شهادته فهو من باب السعي في حق الغير لا في حق نفسه لأمور تطرأ إن لم يكن عدلا لا يقبل الحاكم شهادته فربما ظهر الباطل على الحق فوجب السعي في العدالة لهذا كما

قال أنا سيد الناس يوم القيامة

وما قصد الفخر وإنما قصد الإعلام وإراحة أمته من التعب حتى لا تمشي في ذلك اليوم كما تمشي الأمم إلى نبي بعد نبي للشفاعة فتقتصر على محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بما أعلمها من ذلك وأن الرجوع إليه في آخر الأمر

رأى الأمر يفضي إلى آخر *** فصير آخره أولا

فتميزت الأمة المحمدية عن سائر الأمم في ذلك الموطن بهذا القدر إلى غير هذا وفيه علم موطن بيان الأمور لجميع الخلق وارتفاع التلبيس ورجوع الناس وغيرهم إلى الحق وهل ذلك نافعهم أم لا وفيه علم ما لا يصح إلا لله الاتصاف به وفيه علم ما يجب لله وما يستحيل وفيه علم حكم من يبتغي نصرة من خذله الله تعالى عند الله تعالى وفيه علم من يريد شرفا بتشريف من ينسب إليه وفيه علم الفرق بين المهدي والهادي وفيه علم النبوة العامة والنبوة الخاصة وما يبقى منها وما يزول وفيه علم هل يكون للولي الذي ليس بنبي مقام في الولاية لا يكون ذوقا لنبي أم لا وفيه علم ما هي النعم الظاهرة والباطنة ومن يتنعم بكل نعمة منهما من الإنسان وفيه علم علامات المقربين عند الله وبما ذا يعرفون وفيه علم‏



Bazı içeriklerin Arapçadan Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!