الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
||
| الباب: | فى معرفة منزل تنزل الملائكة على المحمدى الموقف من الحضرة الموسوية والمحمدية | |
|
الميزان ينظر في الذي وقع عليه اليمين فيخرج من الكفارة المخير فيها ما يناسب ما حلف عليه ما لم يكن فيها فمن لم يجد وكذلك في الفداء وهذا كله مما يكون فيه النظر ويؤدي إلى التنازع فالظاهر من هذا الأمر أن الملائكة لهم نظر فكري يناسب خلقهم ولهذا من الحقائق الإلهية قوله تعالى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ ثم ختم الآية لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ أي تثبتون على موازين الحكم ومما يؤيد هذه الحالة قوله تعالى في الأخبار الإلهية ما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي الحديث فوصف نفسه بالتردد الذي يوصف به المحدث من القوة المفكرة وهو في الملائكة اختصامهم فيما ذكرنا فإن كنت ذا فهم فانظر فيما دللنا به من الخبر الإلهي الصحيح وأما قوله في خصامهم في نقل الاقدام أو السعي إلى الجماعات له من الحقائق الإلهية من تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يسعى أتيته هرولة وقوله تعالى ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وقوله ينزل ربنا إلى سماء الدنيا فافهم مناسبة هذه الصفة العملية من بنى آدم من الحقائق الإلهية فكلامهم في مثل هذه أي الحقائق الإلهية أقرب مناسبة لهذا الفعل فاختلفوا وكذلك قوله إسباغ الوضوء على المكاره له من الحقائق الإلهية قوله تعالى في الأخبار الإلهية في قبضه نسمة عبده المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته فوصف نفسه بأنه يكره وكذلك من هذه الحقيقة يسبغ المؤمن الوضوء على كره منه من أجل شدة البرد فله الأجر أجر الكراهة من هذه الحقيقة الإلهية وكذلك قوله فيما يختصمون فيه التعقيب وهو الجلوس في المسجد بعد الفراغ من الصلاة له من الحقائق الإلهية قوله تعالى سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ وما تفرغ لنا إلا منا قال تعالى يَسْئَلُهُ من في السَّماواتِ والْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ فالعبد إذا فرغ من الصلاة فقعد في المسجد يذكر ربه تعالى عقيب الصلاة فانتقل من مناجاته في حالة ما إلى مناجاته في حالة غيرها في بيت واحد فمن مقام سنفرغ لكم يكون له الميزان على هذا العمل فقد ارتبطت هذه الأعمال بالحقائق الإلهية التي وقعت فيها المناظرة بين الملإ الأعلى وفيها تفاصيل يطول ذكرها من المناسبات والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ «الباب السابع وثلاثمائة في معرفة منزل تنزل الملائكة على الموقف المحمدي من الحضرة الموسوية المحمدية»تنسمت أرواح العلى حين هبت *** ومرت سحبرا بالرياض فنمت أ في عالم الأنفاس من هو مثلنا *** وهل حبهم فيها كمثل محبتي فقال لسان الحق إن مسيركم *** على السنة المثلى دليل تتمتي فأظهرت عنكم سر جودي ونقمتي *** وأخفيت فيكم سر علمي وحكمتي فمن كان ذا عين يرى ما جلوته *** ومن كان أعمى فهو من أصل حيرتي فكل مقام فهو من عين جوده *** وكل كيان فهو من أصل نشأتي [أن الله جعل من السماء إلى الأرض معارج على عدد الخلائق]اعلم أيها الولي الحميم أن الله جعل من السماء إلى الأرض معارج على عدد الخلائق وما في السموات موضع قدم إلا وهو معمور بملك يسبح الله ويذكره بما قد حد له من الذكر ولله تعالى في الأرض من الملائكة مثل ذلك لا يصعدون إلى السماء أبدا وأهل السموات لا ينزلون إلى الأرض أبدا كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وتَسْبِيحَهُ وأن لله تعالى أرواحا من الملائكة الكرام مسخرة قد ولاهم الله تعالى وجعل بأيديهم ما أوحى الله في السموات من الأمور التي قد شاء سبحانه أن يجريها في عالم العناصر وجعل سبحانه معارج الملائكة من الكرسي إلى السموات ينزلون بالأوامر الإلهية المخصوصة بأهل السموات وهي أمور فرقانية وجعل من العرش إلى الكرسي معارج لملائكة ينزلون إلى الكرسي بالكلمة الواحدة غير منقسمة إلى الكرسي فإذا أوصلت الكلمة واحدة العين إلى الكرسي انفرقت فرقا على قدر ما أراد الرحمن أن يجري منها في عالم الخلق والأمر ومن النفس رقائق ممتدة إلى العرش منقسمة إلى فرقتين للقوتين اللتين النفس عليهما وهو اللوح المحفوظ وهو ذو وجهين وتلك الرقائق التي بين اللوح والعرش بمنزلة المعارج للملائكة والمعاني النازلة في تلك الرقائق كالملائكة ومن النفس التي هي اللوح إلى العقل الذي هو القلم توجهات استفادة ومن العقل إليها توجهات إفادة ذاتية لا اختيار له فيها يحصل عن تلك التوجهات من العلوم للنفس بما يكون في الكون ما لا يحصى كثرة ومن العقل إلى الله افتقار ذاتي ومن الله إلى العقل إمداد ذاتي عن تجل إرادي فيعلم من علوم التفصيل في ذلك التجلي الإجمالي ما يزيده فقرا إلى فقره وعجزا إلى عجزه لا ينفك ولا يبرح على هذه الحالة فينزل الأمر الإلهي في ذلك التجلي الإرادي بالإمداد الذاتي إلى العقل فيظهر في التوجهات العقلية إلى التوجهات النفسية ذلك الأمر الإلهي بصورة عقلية بعد ما كان في صورة أسمائية فاختلفت على ذلك الأمر الإلهي الصور بحسب الموطن الذي ينزل إليه فينصبغ في كل منزل صبغة ثم ينزل ذلك الأمر الإلهي في الرقائق النفسية بصورة نفسية لها ظاهر وباطن وغيب وشهادة فتتلقاه الرقائق الشوقية العرشية فتأخذه منها فينصبغ في العرش صورة عرشية فينزل في المعارج إلى الكرسي على أيدي الملائكة وهو واحد العين غير منقسم في عالم الخلق وقد كان نزل من النفس إلى العرش منقسما انقسام عالم الأمر فلما انصبغ بأول عالم الخلق وهو العرش ظهر في وحدانيته الخلق وهو أول وحدانية الخلق وهو أول وحدانية الخلق فهو من حيث الأمر منقسم ومن حيث الخلق واحد العين كالصوت الخارج من الصدر إلى خارج الفم عين واحدة لا يظهر فيه كمية أصلا فتقسمه المخارج إلى حروف متعددة تزيد على السبعين وهو عين ذلك الصوت الواحد فينصبغ ذلك الأمر الإلهي في الكرسي بصورة غير الصورة التي كان عليها وما من صورة ينصبغ فيها ويظهر بها إلا والأخرى التي كان عليها مبطونة فيه لا تزول عنه والأولى أبدا من كل صورة روح للصورة التي تظهر فيها من أول الأمر إلى آخر منزل تلك الروح تمد هذه الصورة الظاهرة فينزل الأمر الإلهي من الكرسي على معراجه إلى السدرة إن كان لعالم السموات القصد وإن كان لعالم الجنان لم ينزل من ذلك الموضع وظهر سلطانه في الجنان بحسب ما نزل إليه إما في حورها أو في أشجارها أو في ولدانها أو حيث عين له من الجنان فإذا نزل إلى السموات على معراجه نزلت معه ملائكة ذلك المقام النازل منه ومعه قوى أنوار الكواكب لا تفارقه فتتلقاه ملائكة السدرة فتأخذه من الملائكة النازلة به وترجع تلك الملائكة بما تعطيها ملائكة السدرة من الأمور الصاعدة من الأرض فتأخذها وترجع بها وتبقي أرواح الكواكب معه فإن كان فيه مما تحتاج الجنة إليه من جهة ما فيها من النبات أخذته من السدرة العلية وفروعها في كل دار في الجنة وهي شجرة النور وإليها تنتهي حقائق الأشجار العلوية الجنانية والسفلية الأرضية وأصولها شجرة الزقوم وفروع أصلها كل شجر مر وسموم في عالم العناصر كما إن كل نبات طيب حلو المذاق فمن ظاهر السدرة في الدنيا والجنة فهذه السدرة عمرت الدنيا والآخرة فهي أصل النبات والنمو في جميع الأجسام في الدنيا والجنة والنار وعليها من النور والبهاء بحيث أن يعجز عن وصفها كل لسان من كل عالم ثم إن الأمر الإلهي يتفرع في السدرة كما تتفرع أغصان الشجرة ويظهر فيه صور الثمرات بحسب ما يمده من العالم الذي ينزل إليه وقد انصبغ بصورة السدرة فينزل على المعراج إلى السماء الأولى فيتلقاه أهلها بالترحيب وحسن القبول والفرح ويتلقاه من أرواح الأنبياء والخلق الذين قبضت أرواحهم بالموت وكان مقرها هنالك وتتلقاهم الملائكة المخلوقة من همم العارفين في الأرض وتجد هنالك نهر الحياة يمشي إلى الجنة فإن كان له عنده أمانة ولا بد منها في كل أمر إلهي فإن الأمر الإلهي يعم جميع الموجودات فيلقيه في ذلك النهر مثل ما أعطى السدرة فيجري به النهر إلى الجنان وفي كل نهر يجده هنالك مما يمشي إلى الجنة وهنالك يجد النيل والفرات فيلقي إليهما ما أودع الله عنده من الأمانة التي ينبغي أن تكون لهما فتنزل تلك البركة في النهرين إلى الأرض فإنهما من أنهار الأرض ويأخذ أرواح الأنبياء وملائكة الهمم وعمار السماء الأولى منه ما بيده مما نزل به إليهم ويدخل البيت المعمور فيبتهج به وتسطع الأنوار في جوانبه وتأتي الملائكة السبعون ألفا الذين يدخلونه كل يوم ولا يعودون إليه أبدا وهم ملائكة قد خلقهم الله من قطرات ماء نهر الحياة فإن جبريل عليه السلام ينغمس في نهر الحياة كل يوم غمسته فيخرج فينتفض كما ينتفض الطائر فيقطر منه في ذلك الانتفاض سبعون ألف قطرة يخلق الله من كل قطرة ملكا كما يخلق الإنسان من الماء في الرحم فيخلق سبعين ألف ملك من تلك السبعين ألف قطرة بسبعين ألف ملك الذين يدخلون البيت المعمور كل يوم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الحديث الصحيح في البيت المعمور إنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبدا فانظر ما أوسع ملك الله ثم ينصب المعراج من السماء الأولى إلى السماء الثانية فينزل فيه الأمر الإلهي وهو على صورة السماء الأولى فينصبغ بصورة المعراج الذي ينزل فيه ومعه الملائكة الموكلون به من السماء الأولى ومعه أرواح البروج والكواكب الثابتة كلها وينزل معه ملك من قوة كيوان لا بد من ذلك فإذا وصل إلى السماء الثانية تلقته ملائكتها وما فيها من أرواح الخلائق المتوفين وملائكة الهمم وقوة بهرام الذي في السماء الثانية فيعطيهم ما بيده لهم وينزل إلى الثالثة وهو على صورة الثانية فينصبغ بصورة السلم الذي ينزل فيه والحال الحال مثل ما ذكرنا إلى أن ينتهي إلى السماء السابعة وهي السماء الدنيا فإذا أدى إليهم ما بيده لهم ومعه قوة صاحب كل سماء فتحت أبواب السماء لنزوله ونزلت معه قوى جميع الكواكب الثوابت والسيارة وقوى الأفلاك وقوى الحركات الفلكية كلها وكل صورة انتقل عنها مبطونة فيه فكل أمر إلهي ينزل فهو اسم إلهي عقلي نفسي عرشي كرسي فهو مجموع صور كل ما مر عليه في طريقه فيخترق الكور ويؤثر في كل كرة بحسب ما تقبله طبيعتها إلى أن ينتهي إلى الأرض فيتجلى لقلوب الخلق فتقبله بحسب استعداداتها وقبولها متنوع وذلك هو الخواطر التي تجدها الناس في قلوبهم فبها يسعون وبها يشتهون وبها يتحركون طاعة كانت تلك الحركة أو معصية أو مباحة فجميع حركات العالم من معدن ونبات وحيوان وإنسان وملك أرضي وسماوي فمن ذلك التجلي الذي يكون من هذا الأمر الإلهي النازل إلى الأرض فيجد الناس في قلوبهم خواطر لا يعرفون أصلها وهذا هو أصلها ورسله إلى جميع ما في العالم الذي نزل إليه ما نزل معه من قوى الكواكب وحركات الأفلاك فهؤلاء هم رسل هذا الأمر الإلهي إلى حقائق هؤلاء العالم فتنمو به الناميات وتحيي به أمور ويموت به أمور ويظهر التأثيرات العلوية والسفلية في كل عالم بتلك الرسل التي يرسلها في العالم هذا الأمر الإلهي فإنه كالملك فيهم ولا يزال يعقبه أمر آخر ويعقب الآخر آخر في كل نفس بتقدير العزيز العليم فإذا نفذ فيهم أمره وأراد الرجوع جاءته رسله من كل موجود بما ظهر من كل من بعثوا إليه صورا قائمة فيلبسها ذلك الأمر الإلهي من قبيح وحسن ويرجع على معراجه من حيث جاء إلى أن يقف بين يدي ربه اسما إلهيا ظاهرا بكل صورة فيقبل منها الحق ما شاء ويرد منها ما شاء على صاحبها في صور تناسبها فجعل مقر تلك الصور حيث شاء من علمه فلا يزال تتابع الرسل إلى الأرض على هذه المعارج كما ذكرنا فلنذكر من ذلك حال أهل الله مع هذا الأمر الإلهي إذا نزل إليهم وذلك أن المحقق من أهل الله يعاين نزوله وتخلفه في الجو في الكور إذا فارق السماء الدنيا نازلا ثلاث سنين وحينئذ يظهر في الأرض فكل شيء يظهر في كل شيء في الأرض فعند انقضاء ثلاث سنين من نزوله من السماء في كل زمان فرد ومن هنا ينطق أكثر أهل الكشف بالغيوب التي تظهر عنهم فإنهم يرونها قبل نزولها ويخبرون بما يكون منها في السنين المستقبلة وما تعطيهم أرواح الكواكب وحركات الأفلاك النازلة في خدمة الأمر الإلهي فإذا عرف المنجم كيف يأخذ من هذه الحركات ما فيها من الآثار أصاب الحكم وكذلك الكاهن والعرافون إذا صدقوا وعرفوا ما يكون قبل كونه أي قبل ظهور أثر عينه في الأرض وإلا فمن أين يكون في قوة الإنسان أن يعلم ما يحدث من حركات الأفلاك في مجاريها ولكن التناسب الروحاني الذي بيننا وبين أرواح الأفلاك العالمين بما تجري به في الخلق ينزل بصورتها التي اكتسبته من تلك الحركات والأنوار الكوكبية على أوزانها فإن لها مقادير ما تخطئ وهمة هذا المنجم التعالي وهمة هذا الكاهن قد انصبغت روحانيته بما توجهت إليه همته فوقعت المناسبة بينه وبين مطلوبه فأفاضت عليه روحانية المطلوب بما فيها في وقت نظره فحكم بالكوائن الطارئة في المستقبل وأما العارفون فإنهم عرفوا إن لله وجها خاصا في كل موجود فهم لا ينظرون أبدا إلى كل شيء من حيث أسبابه وإنما ينظرون فيه من الوجه الذي لهم من الحق فينظر بعين حق فلا يخطئ أبدا فإذا نزل الأمر الإلهي على قلب هذا العارف وقد لبس من الصور بحسب ما مر عليه من المنازل كما قررناه فأول صورة كان ظهر بها للعقل الأول صورة إلهية أسمائية وهي خلف هذه الصور كلها وهذا العارف همه أبدا مصروف إلى الوجه الخاص الإلهي الذي في كل موجود بعين الوجه الخاص الإلهي الذي لهذا العارف المحقق فينظر في ذلك الأمر من حيث |

