Mekkeli Fetihler: futuhat makkiyah

Gözat Başlıkları Bölüm I: Bilgi Üzerine (Maarif) Bölüm II: Etkileşimler (Muamalat) Bölüm IV: Meskenler (Manazil) Girişler Bölüm V: Tartışmalar (Munazalat) Bölüm III: Eyaletler (Ahwal) Bölüm VI: İstasyonlar (Kutup Makamı) Birinci Bölüm İkinci Bölüm Üçüncü Bölüm Dördüncü Bölüm

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل ترادف الأحوال على قلوب الرجال من الحضرة المحمدية

الله‏

[أرفع المنازل عند الله‏]

واعلم أن هذه الصفة التي نبهتك عليها أعطتنا حالا ومشاهدة من حضرة القدس فهي مقرها ولا يتصف بها إلا من له عند الله أرفع المنازل فإن كان رسولا فارفع المنازل في الرسالة وإن كان نبيا فارفع المنازل في النبوة وإن كان وليا فارفع المنازل في الولاية وإن كان مؤمنا فارفع المنازل في الايمان وإن كان نصرانيا أو مجوسيا أو يهوديا أو معطلا فهو في أرفع المنازل بها في صنفه وفي مقامه‏

أن الكبير من الرجال هو الذي *** لا يدعيه مقيدا ومسودا

ومهودا ومنصرا وممجسا *** ومعطلا ومشركا وموحدا

ومنزها ومشبها ومحيزا *** وممكنا ومروحنا ومجسدا

عمت صفات جلاله وجماله *** كل الأنام وكان حتى يقصدا

إن الغيور هو الذي لا ينثني *** عن نفسه حال الضلالة والهدى‏

وأن المحل الذي تقوم به هذه الصفة لا بد لصاحبها إن كان على أي ملة كان أو نحلة أن يرجع إلى دين الهدى ويسلم ويؤمن ويبادر إلى مكارم الأخلاق عن كشف محقق وعلم صحيح فيكون أكمل الناس إيمانا وأعظمهم منزلة عند الله عارفا بمنازل الرسل والأنبياء عليه السلام وفضل بعضهم على بعض والأولياء والمؤمنين فإن الصفة التي قادته إلى الإسلام أعظم الصفات عند الله قدرا في حق العبد فتنزله المنازل العلية وترفعه في عليين ويتلقاه من الملائكة كل ملك كريم على الله محسن في عبادة ربه هو الذي ينزل إلى هذا العبد من عند الله للمناسبة التي بين هذا الملك وبينه فيأخذ بيده فيرفعه إلى منزل هذه الصفة في عليين فلا يكون في صنفه أعلى منه منزلة إلا من عمل بعمله فإنه في درجته ومعه ويكفي هذا القدر من هذا المنزل وأما ما يحوي عليه من المسائل والعلوم فعلم كفران النعم وتفاصيل الكفر وأين ينتهي كل كفر بصاحبه مثل كفر الآبق وتارك الصلاة والكافر ببعض ما أنزل الله وعلم البدو وعلم وضع الشرائع وعلم البرازخ وعلم البعث وعلم أقوات الأرض وأمر السموات وما يتولد بين السماء والأرض وبين توجهات الحق والكون وبين كل زوجين وعلم الإنسان والحيوان وعلم الساعة ولم سميت ساعة وهل هي في كل لسان بهذا المعنى المفهوم من اسم الساعة أم لا وهل للساعة صورة لها إدراك سمع وبصر وتميز أم لا وعلم الصفات المقومة لكل مرتبة حتى يمتاز بها أهلها وعلم الكتابين اللذين خرج بهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في يديه على أصحابه‏

فقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن في الكتاب الواحد أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم وعشائرهم وفي الكتاب الآخر أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم وعشائرهم‏

مع صغر حجم الكتابين وكثرة الأسماء فيعلم من ذلك إيراد الكبير على الصغير من غير تصغير الكبير أو تكبير الصغير وإلا فأي ديوان يحصر أسماء هؤلاء ويعلم أن الأمر الذي يحيله العقل لا يستحيل نسبة إلهية فتعلم أن الله قادر على المحال العقلي كإدخال الجمل في سم الخياط مع بقاء هذا على صغره وهذا على كبره ويشاهد من هذا المنزل المقام الذي وراء طور العقل من حيث ما يستقل بإدراكه من كونه مفكرا وإلا فعقل الأنبياء عليه السلام والأولياء قبل هذا الأمر من كونه قابلا لا من كونه ما ذكرناه فللعقول حد تقف عنده وليس لله حد يقف عنده بل هو خالق الحدود فلا حد له سبحانه فهو القادر على الإطلاق والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الخامس وثلاثمائة في معرفة منزل ترادف الأحوال على قلوب الرجال من الحضرة المحمدية»

حقائق الحق بالأسماء والحال *** تقلب الكون من حال إلى حال‏

وليس يدري به إلا القلوب وما *** للعقل فيه مجال دون إملال‏

يخالف العقل تقليب الوجود فما *** للعقل شي‏ء سوى قيد وأغلال‏

فالعقل يشهد ذاتا لا انتقال لها *** عنها وقلبك في تقليب أحوال‏

إن المظاهر تقليب الإله لنا *** في نفسه وهو عندي عين إضلال‏

[علم القوة وهو الرمي بالقوس‏]

اعلم وفقك الله أن هذا المنزل يحوي على علوم كثيرة منها علم القوة وهو الرمي بالقوس والدخول فيه وعقد الأصابع على‏

الوتر والسهم وكيفية الإطلاق وسداد السهم والمناضلة فإن الله تعالى ما اعتنى بشي‏ء من آلة الحرب ما اعتنى بعلم الرمي بالقوس وأقامه في هذا المنزل مرتب المنازل بالاسم القوي وأمرنا في القرآن بالاستعداد به فقال وأَعِدُّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ من قُوَّةٍ

فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي‏

وجعله في هذا المنزل على أربع مراتب وأشهدها أصحاب الأذواق لهذه المنازل لحكمة علمها أهلها ليعلم الإنسان كيف يصيب الفعل ويؤثر من غير مباشرة من الاسم البعيد عن هذا الوصف ومن هذا العلم ينكشف لك سر القدر وكيف تحكم في الخلائق ولما ذا يرجع أصله ولا دليل عليه إلا الرمي بالقوس وهو روح كن للإيجاد وروح المشيئة للاعدام ويحوي هذا المنزل على علم الأرواح المدبرة للأجسام العلوية والسفلية وما حكمها في الأجسام النورية وأن حكمها فيها تشكلها في الصور خاصة كما إن حكمها في الأجسام الحيوانية الإنسانية التشكل في القوة الخيالية مع غير هذا من الأحكام فإن الأجسام النورية لا خيال لها بل هي عين الخيال والصور تقلباتها عن أرواحها المدبرة لها وهو علم شريف وكما لا يخلو خيال الإنسان عن صورة كذلك ذات الملك لا تخلو عن صورة وهو علم شريف يحوي على أسرار كثيرة وبيد هذه الأرواح تعيين الأمور التي يريدها الحق بهذه الأجسام كلها فالإنسان عالم بجميع الأمور الحقية فيه من حيث روحه المدبر وهو لا يعلم أنه يعلم فهو بمنزلة الساهي والناسي والأحوال تذكره والمقامات والمنازل وقد قالها الحكيم في التقسيم الرباعي وهو الرجل الذي يدري ولا يدري أنه يدري فذلك الناسي فذكروه وفي هذا المنزل علم الصيحتين اللتين بالواحدة منهما يصعق العالم أصحاب السماع وبالأخرى يفيقون فيفزعون إلى ربهم تسمى نفخة البعث ونفخة الفزع وفيه علم القلوب وسرعة تقليبها وفيه علم البصيرة والبصر وما يتجلى لكل واحد منهما وفيه علم الإعادة وكيفيته وما ذا يرد منه وما لا يرد وفيه علم الدور والكور وهل يكون ذلك في الصور أو في الأعيان الحاملة للصور وفيه علم اختصاص القيومية بالتبديل وفيه علم الكلام الإلهي المسموع بالأذن لا المسموع بالقلب في المواد الثواني وفيه علم الكبرياء الموجود في الثقلين خاصة ولما اختص بهما دون سائر الموجودات وما الحقيقة التي أعطتهما ذلك وهل هو في الجن كما هو في الإنس أو يختلف السبب فيكون سببه في الإنسان وجوده على الصورة الكاملة ويكون في الجن كونه من نار وعلى من تكبر الإنسان وعلى من تكبر الجان وفيه علم ما يزول به هذا الكبرياء من العالمين وفيه علم الإعجاز وتفاضل الأمر المعجز وما يبقى منه وما لا يبقى وهل له حد ينتهي إليه أم لا ولما ذا يرجع هل إلى الصرف أم لغير الصرف فإن كان إلى الصرف فهل إذا انقضى زمان الدعوى في عين ذلك الفعل وانفصل المجلس هل يقدر المنازع على الإتيان بذلك وإذا أتى هل يقدح في الدعوى الأولى من المتحدي أم لا يقدح وفيه ما السبب المانع من الرجوع إلى الحق بعد العلم به وهل ذلك علم أو ليس بعلم وفيه علم ما يفر إليه الفار مما يهوله وإلى أين يفر مع علمه بأن الذي يفر إليه منه يفر فما ذا يحركه ويدعوه إلى الفرار مع هذا العلم وفيه علم الاعتبار ومن أهله ولما ذا وضعه الله في العالم وأمر به وما المطلوب منه وفيه علم الخلق ولما ذا خلق هل من أجل الإنسان أو من أجل الحيوان أو من أجلهما وفيه علم الآخرة وما فيها في الموقف وعلم الجنة والنار وعلم الصفات التي تطلب كل واحدة منهما وفيه إباحة التشريع للإنسان بالأمر والنهي في نفسه لا في غيره وإنه إن خالف ما تأمر به نفسه أو تنهى عوقب أو غفر له مثل ما هو حكم الشارع ومن أي حضرة صح له ذلك وهل لها ذوق في النبوة أو هي نبوة خاصة لا نبوة الأنبياء المحجورة وفيه علم منتهى القيامة وفيه علم طي الزمان فهذا جميع ما يتضمنه هذا المنزل من أجناس العلوم وتحت كل جنس من العلوم وأنواعها على حسب ما تعطيها تقاسيم كل جنس ونوع منها فلنذكر منها مسألة واحدة أو ما تيسر كما عملنا في كل منزل والله المؤبد والعاصم لا رب غيره فمن الأحوال التي يتضمنها هذا المنزل حال الإنسان قبل أخذ الميثاق عليه وهو الحال الذي كان فيها صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حين عرف بنبوته قبل خلق آدم عليه السلام وقد ورد ذلك في الخبر عنه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فقال كنت نبيا وآدم بين الماء والطين‏

فكان له التعريف في تلك الحالة وذلك أن هذه النشأة الإنسانية كانت مبثوثة في العناصر ومراتبها إلى حين موتها التي يكون عليها في وجود أعيان أجسامها معلومة معينة في الأمر المودع في السموات لكل حالة من أحواله التي تتقلب فيها في الدنيا صورة في الفلك على تلك الحالة قد

أخذ الله بأبصار الملائكة عن شهودها مكتنفة عند الله في غيبة معينة له سبحانه لا تعلم السموات بها مع كونها فيها وقد جعل الله وجود عينها في عالم الدنيا في حركات تلك الأفلاك فمن الناس من أعطى في ذلك الموطن شهود نفسه ومرتبته إما على غاياتها بكمالها وإما يشهد صورة ما من صورة وهو عين تلك المرتبة له في الحياة الدنيا فيعلمها فيحكم على نفسه بها وهنا شاهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم نبوته ولا ندري هل شهد صورة جميع أحواله أم لا فالله أعلم قال تعالى وأَوْحى‏ في كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وهذا من أمرها وشأنها حفظ هذه الصورة إلى وصول وقتها فتعطيها مراتبها في الحياة الدنيا تلك الصورة الفلكية من غير أن تفقد منها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وهذه الصور كلها موجودة في الأفلاك التسعة وجود الصورة الواحدة في المرايا الكثيرة المختلفة الأشكال من طول وعرض واستقامة وتعويج واستدارة وتربيع وتثليث وصغر وكبر فتختلف صور الأشكال باختلاف المجلى والعين واحدة فتلك صور المراتب حكمت على تلك العين كما حكمت أشكال المرايا على الصورة فالعارف من عرف ذاته لذاته من غير مجلى وإن كان بهذه المثابة لم تؤثر فيه المراتب إذا نالها كما

قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وهو في المرتبة العليا أنا سيد ولد آدم ولا فخر

فلم تحكم فيه المرتبة وقال في كل وقت وهو في مرتبة الرسالة والخلافة إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ فلم تحجبه المرتبة عن معرفة نشأته وسبب ذلك أنه رأى لطيفته ناظرة إلى مركبها العنصري وهو متبدد فيها فشاهد ذاته العنصرية فعلم أنها تحت قوة الأفلاك العلوية ورأى المشاركة بينها وبين سائر الخلق الإنساني والحيوان والنبات والمعادن فلم ير لنفسه من حيث نشأته العنصرية فضلا على كل من تولد منها وأنه مثل لهم وهم أمثال له فقال إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ثم رأى افتقاره إلى ما تقوم به نشأته من الغذاء الطبيعي كسائر المخلوقات الطبيعية فعرف نفسه‏

فقال يا أبا بكر ما أخرجك قال الجوع قال وأنا أخرجني الجوع فكشف عن حجرين قد وضعهما على بطنه يشد بهما أمعاءه وكان يتعوذ من الجوع ويقول إنه بئس الضجيع‏

ص فقد عرفت أن‏

قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم كنت نبيا وآدم بين الماء والطين‏

إنما كان هذا القول بلسان تلك الصورة التي فيها من جملة صور المراتب فترجم لنا في هذه الدار عن تلك الصورة فهذا من أحوال الخلق ولنا صور أيضا فوق هذا لم نذكرها لأنه ليس لنا استرواح من قول شارع ولا من دليل عقلي نركن إليه في تعريفنا إياك بها فسكتنا عنها وإلا فلنا صورة في الكرسي وصورة في العرش وصورة في الهيولى وصورة في الطبيعة وصورة في النفس وصورة في العقل وهو المعبر عنهما باللوح والقلم وصورة في العماء وصورة في العدم وكل ذلك معلوم مرئي مبصر لله تعالى وهو الذي يتوجه عليه خطاب الله إذا أراد إيجاد مجموعنا في الدنيا بكن فنبادر ونجيب إلى الخروج من حضرة العدم إلى حضرة الوجود فينصبغ بالوجود وهو قوله تعالى صِبْغَةَ الله ومن أَحْسَنُ من الله صِبْغَةً ونَحْنُ لَهُ عابِدُونَ أي أذلاء خاضعون ونحن في كل ما ذكرنا لنا حال نتميز به في ذلك المقام وحالنا هو عين صورتنا فيه فما أوسع ملك الله وما أعظمه وكل ما ذكرناه في جنب الله كلا شي‏ء ومن الأحوال أيضا التي ترد على قلوبنا حال كوننا في الميثاق الذي أخذه ربنا علينا قال تعالى وإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ من بَنِي آدَمَ من ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وأَشْهَدَهُمْ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى‏ أنت ربنا فلولاك ما كان لنا وجود في صورة آدم العنصرية معينين مرئيين متميزين عند الله في علمه ورؤيته وعندنا ما قلنا بلى أنت ربنا فأخلصنا له التوجه وكيف لا نخلص ونحن في قبضته مشاهدة عين محصورين والله بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ مُحِيطٌ

[إن الله لما أوجد آدم عليه السلام جعل في صورته صورا مثل ما فعل فيما تقدم من المخلوقات‏]

فاعلم إن آدم عليه السلام لما أوجده الله وسواه كما سوى الأفلاك وجميع الحضرات التي ذكرنا جعل لنا في صورته صورا مثل ما فعل فيما تقدم من المخلوقات ثم قبض على تلك الصور المعينة في ظهر آدم وآدم لا يعرف ما يحوي عليه كما أنه كل صورة لنا في كل فلك ومقام لا يعرف بها ذلك الفلك ولا ذلك المقام وإنه للحق في كل صورة لنا وجه خاص إليه من ذلك الوجه يخاطبنا ومن ذلك الوجه نرد عليه ومن ذلك الوجه نقر بربوبيته فلو أخذنا من بين يدي آدم لعلمنا فكان الأخذ من ظهره إذ كان ظهره غيبا له وأخذه أيضا معنا في هذا الميثاق من ظهره فإن له معنا صورة في صورته فشهد كما شهدنا ولا يعلم أنه أخذ منه أو ربما علم فإنه ما نحن على يقين من أنه لم يعلم بأنه أخذ منه ولا بأنا أخذنا منه ولكن لما رأينا أن الحضرات التي تقدمته لا تعلم بصورنا فيها قلنا ربما يكون الأمر هنا كذلك فرحم الله عبدا وقف على علم ذلك أنه علم آدم أو لم يعلم‏

فيلحق ذلك في هذا الموضع من هذا الكتاب فإن بعد عن فهمك ما ذكرناه من تعداد الصور

فقد ورد في الخبر المشهور الحسن الغريب أن الله تجلى لآدم عليه السلام ويداه مقبوضتان فقال له يا آدم اختر أيتهما شئت فقال اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين مباركة قال فبسطها فإذا آدم وذريته فنظر إلى شخص من أضوئهم أو أضوئهم فقال من هذا يا رب فقال الله له هذا ابنك داود فقال يا رب كم كتبت له فقال أربعين سنة فقال يا رب وكم كتبت لي فقال الله ألف سنة فقال يا رب فقد أعطيته من عمري ستين سنة قال الله له أنت وذاك فما زال يعد لنفسه حتى بلغ تسعمائة وأربعين سنة فجاءه ملك الموت ليقبض روحه فقال له آدم إنه بقي لي ستون سنة فأوحى الله إلى آدم أي يا آدم إنك وهبتها لابنك داود فجحد آدم فجحدت ذريته ونسي آدم فنسيت ذريته قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فمن ذلك اليوم أمر بالكتاب والشهود

فهذا آدم وذريته صور قائمة في يمين الحق وهذا آدم خارج عن تلك اليد وهو يبصر صورته وصور ذريته في يد الحق فما لك تقربه في هذا الموضع وتنكره علينا فلو كان هذا محالا لنفسه لم يكن واقعا ولا جائزا بالنسبة إذ الحقائق لا تتبدل فاعلم ذلك وأكثر من هذا التأنيس ما أقدر لك عليه فلا تكن ممن قال الله فيهم صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ وأخذ الله الصور من ظهر آدم وآدم فيهم وأَشْهَدَهُمْ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ بمحضر من الملإ الأعلى والصور التي لهم في كل مجلى أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى‏ فشهد على نطقهم من حضر ممن ذكرنا بالإقرار بربوبيته عليهم وعبوديتهم له فلو كان له شريك فيهم لما أقروا بالملك له مطلقا فإن ذلك موضع حق من أجل الشهادة فنفس إطلاقهم بالملك له بأنه ربهم هو عين نفي الشريك وإنما قلنا ذلك لأنه لم يجر للتوحيد هنا لفظ أصلا ولكن المعنى يعطيه ولما كان الموت سببا لتفريق المجموع وفصل الاتصالات وشتات الشمل سمي التفريق الذي هو بهذه المثابة موتا فقال تعالى كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ أي كنتم متفرقين في كل جزء من عالم الطبيعة فجمعكم وأحياكم ثم يميتكم أي يردكم متفرقين أرواحكم مفارقة لصور أجسامكم ثم يحييكم الحياة الدنيا ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ بعد مفارقة الدنيا وإن الله سيذكر عباده يوم القيامة بما شهدوا به على أنفسهم في أخذ الميثاق فيقولون رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى‏ خُرُوجٍ من سَبِيلٍ أي كما قبلنا حياة بعد موت وموتا بعد حياة مرتين فليس بمحال أن نقبل ذلك مرارا فطلبوا من الله أن يمن عليهم بالرجوع إلى الدنيا ليعملوا ما يورثهم دار النعيم وحين قالوا هذا لم يكن الأمد المقدر لعذابهم قد انقضى ولما قدر الله أن يكونوا أهلا للنار وأنه ليس لهم في علم الله دار يعمرونها سوى النار قال تعالى ولَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ حتى يدخلوا النار باستحقاق المخالفة إلى أن يظهر سبق الرحمة الغضب فيمكثون في النار مخلدين لا يخرجون منها أبدا على الحالة التي قد شاءها الله أن يقيمهم عليها وفيها يرد الله الذرية إلى أصلاب الآباء إلى أن يخرجهم الله إلى الحياة الدنيا على تلك الفطرة فكانت الأصلاب قبورهم إلى يوم يبعثون من بطون أمهاتهم ومن ضلع آبائهم في الحياة الدنيا ثم يموت منهم من شاء الله أن يموت ثم يبعث يوم القيامة كما وعد واختلف أصحابنا في الإعادة هل تكون على صورة ما أوجدنا في الدنيا من التناسل شخصا عن شخص كما قال كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ بجماع وحمل وولادة في آن واحد للجميع وهو مذهب أبي القاسم بن قسي أو يعودون روحا إلى جسم وهو مذهب الجماعة والله أعلم‏

[أحوال الفطرة التي فطر الله الخلق عليها]

واعلم أن من الأحوال التي هي أمهات في هذا الباب فإن تفاصيل الأحوال لا تحصى كثرة ولكن نذكر منها الأحوال التي تجري مجرى الأمهات فمنها أحوال الفطرة التي فطر الله الخلق عليها وهو أن لا يعبدوا إلا الله فبقوا على تلك الفطرة في توحيد الله فما جعلوا مع الله مسمى آخر هو الله بل جعلوا آلهة على طريق القربة إلى الله ولهذا قال قُلْ سَمُّوهُمْ فإنهم إذا سموهم بان أنهم ما عبدوا إلا الله فما عبد كل عابد إلا الله في المحل الذي نسب الألوهية له فصح بقاء التوحيد لله الذي أقروا به في الميثاق وأن الفطرة مستصحبة والسبب في نسبة الألوهية لهذه الصور المعبودة هو أن الحق لما تجلى لهم في أخذ الميثاق تجلى لهم في مظهر من المظاهر الإلهية فذلك الذي أجرأهم على أن يعبدوه في الصور ومن قوة بقائهم على الفطرة إنهم ما عبدوه على الحقيقة في الصور وإنما عبدوا الصور لما تخيلوا فيها من رتبة التقريب كالشفعاء وهاتان الحقيقتان إليهما مال الخلق في الدار الآخرة

وهما الشفاعة والتجلي في الصور على طريق التحول فإذا تمكنت هذه الحالة في قلب الرجل وعرف من العلم الإلهي ما الذي دعا هؤلاء الذين صفتهم هذا وأنهم تحت قهر ما إليه يؤولون تضرعوا إلى الله في الدياجي وتملقوا له في حقهم وسألوه أن يدخلهم في رحمته إذا أخذت منهم النقمة حدها وإن كانوا عمار تلك الدار فليجعل لهم فيها نعيما به إذ كانوا من جملة الأشياء التي وسعتهم الرحمة العامة وحاشا الجناب الإلهي من التقييد وهو القائل بأن رحمته سبقت غضبه فلحق الغضب بالعدم وإن كان شيئا فهو تحت إحاطة الرحمة الإلهية الواسعة وقد قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن الأنبياء صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم تقول يوم القيامة إذا سألوا في الشفاعة إن الله قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله‏

وهذا من أرجى حديث يعتمد عليه في هذا الباب أيضا

[يوم القيامة هو يوم قيام الناس من قبورهم لرب العالمين‏]

فإن اليوم الذي أشار إليه الأنبياء هو يوم القيامة ويوم القيامة هو يوم قيام الناس من قبورهم لرب العالمين قال تعالى يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ وفي ذلك اليوم يكون الغضب من الله على أهل الغضب وأعطى حكم ذلك الغضب الأمر بدخول النار وحلول العذاب والانتقام من المشركين وغيرهم من القوم الذين يخرجون بالشفاعة والذين يخرجهم الرحمن كما

ورد في الصحيح ويدخلهم الجنة إذ لم يكونوا من أهل النار الذين هم أهلها ولم يبق في النار إلا أهلها الذين هم أهلها

فعم الأمر بدخول النار كل من دخلها من أهلها ومن غير أهلها لذلك الغضب الإلهي الذي لن يغضب بعده مثله فلو سرمد عليهم العذاب لكان ذلك عن غضب أعظم من غضب الأمر بدخولها وقد قالت الأنبياء إن الله لا يغضب بعد ذلك مثل ذلك الغضب ولم يكن حكمه مع عظم ذلك الغضب إلا الأمر بدخول النار فلا بد من حكم الرحمة على الجميع ويكفي من الشارع التعريف بقوله وأما أهل النار الذين هم أهلها ولم يقل أهل العذاب ولا يلزم من كان من أهل النار الذين يعمرونها أن يكونوا معذبين بها فإن أهلها وعمارها مالك وخزنتها وهم ملائكة وما فيها من الحشرات والحيات وغير ذلك من الحيوانات التي تبعث يوم القيامة ولا واحد منهم تكون النار عليه عذابا كذلك من يبقى فيها لا يموتون فيها ولا يحيون وكل من ألف موطنه كان به مسرورا وأشد العذاب مفارقة الوطن فلو فارق النار أهلها لتعذبوا باغترابهم عما أهلوا له وإن الله قد خلقهم على نشأة تألف ذلك الموطن فعمرت الداران وسبقت الرحمة الغضب ووسعت كل شي‏ء جهنم ومن فيها والله أرحم الراحمين كما قال عن نفسه وقد وجدنا في نفوسنا ممن جبلهم الله على الرحمة أنهم يرحمون جميع عباد الله حتى لو حكمهم الله في خلقه لأزالوا صفة العذاب من العالم بما تمكن حكم الرحمة من قلوبهم وصاحب هذه الصفة أنا وأمثالي ونحن مخلوقون أصحاب أهواء وأغراض وقد قال عن نفسه جل علاه أنه أرحم الراحمين فلا نشك أنه أرحم منا بخلقه ونحن قد عرفنا من نفوسنا هذه المبالغة في الرحمة فكيف يتسرمد عليهم العذاب وهو بهذه الصفة العامة من الرحمة إن الله أكرم من ذلك ولا سيما وقد قام الدليل العقلي على إن الباري لا تنفعه الطاعات ولا تضره المخالفات وأن كل شي‏ء جار بقضائه وقدره وحكمه وأن الخلق مجبورون في اختيارهم وقد قام الدليل السمعي إن الله يقول في الصحيح يا عبادي فأضافهم إلى نفسه وما أضاف الله قط العباد لنفسه إلا من سبقت له الرحمة أن لا يؤيد عليهم الشقاء وإن دخلوا النار

فقال يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا

فقد أخبر بما دل عليه العقل أن الطاعات والمعاصي ملكه وأنه على ما هو عليه لا يتغير ولا يزيد ولا ينقص ملكه مما طرأ عليه وفيه فإن الكل ملكه وملكه‏

ثم قال من تمام هذا الخبر الصحيح يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد وسألوني فأعطيت كل واحد منكم مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئا

الحديث ولا شك أنه ما من أحد إلا وهو يكره ما يؤلمه طبعا فما من أحد إلا وقد سأله أن لا يؤلمه وأن يعطيه اللذة في الأشياء ولا يقدح ما أومأنا إليه فيه قوله في الحديث إذا تعلق به المنازع في هذه المسألة إدخال لو في ذلك فإن السؤال من العالم في ذلك قد علم وقوعه بالضرورة من كل مخلوق فإن الطبع يقتضيه والسؤال قد يكون قولا وحالا كبكاء الصغير الرضيع وإن لم يعقل عند وجود الألم الحسي بالوجع أو الألم النفسي بمخالفة الغرض إذا منع من الثدي وقد أخذت المسألة حقها والأحوال التي ترد على قلوب الرجال لا تحصى كثرة وقد



Bazı içeriklerin Arapçadan Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!