فقال لي إن له خمسين سنة ما أخطر اللّٰه له في قلبه خاطر سوء فهذا من أكبر العنايات الإلهية بالعبد قال تعالى ﴿وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحٰادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذٰابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج:25] فنكر الظلم فخاف مثل ابن عباس و غيره و الإلحاد الميل عن الحق هنا و أما الميزان الموضوع الذي يظهر لكل عين يوم القيامة يظهر على صورة ما كان في الدنيا بين العامة من الاعتدال و ترجيح إحدى الكفتين فيعامل الحق صاحب ذلك الميزان بحسب ما يحكم به من الخفة و الثقل فجعل السعادة في الثقل و الإنس و الجن ما سميا بالثقلين إلا لما في نشأتهما من حكم الطبيعة فهي التي تعطي الثقل و لما كان الحشر يوم القيامة و النشور في الأجسام الطبيعية ظهر الميزان بصورة نشأتهم من الثقل فإذا ثقلت موازينهم و هم الذين أسعدهم اللّٰه فأرادوا حسنا و فعلوا في ظاهر أبدانهم حسنا فثقلت موازينهم فإن الحسنة بعشر أمثالها إلى مائة ألف مما دون ذلك و ما فوقه و أما القبيح السيئ فواحدة بواحدة فيخف ميزانه أعني ميزان الشقي بالنسبة إلى ثقل السعيد
[أن الحق تعالى ما اعتبر في الوزن إلا كفة الخير لا كفة الشر]
و اعلم أن الحق تعالى ما اعتبر في الوزن إلا كفة الخير لا كفة الشر فهي الثقيلة في حق السعيد الخفيفة في حق الشقي مع كون السيئة غير مضاعفة و مع هذا فقد خفت كفة خيره فانظر ما أشقاه فالكفة الثقيلة للسعيد هي بعينها الخفيفة للشقي لقلة ما فيها من الخير أو لعدمه بالجملة مثل الذي يخرجه سبحانه من النار و ما عمل خيرا قط فميزان مثل هذا ما في كفة اليمين منه شيء أصلا و ليس عنده إلا ما في قلبه من العلم الضروري بتوحيد اللّٰه و ليس له في ذلك تعمل مثل سائر الضروريات فلو اعتبر الحق بالثقل و الخفة الكفتين كفة الخير و الشر لكان يزيد بيانا في ذلك فإن إحدى الكفتين إذا ثقلت خفت الأخرى بلا شك خيرا كان أو شر أو أما إذا وقع الوزن به فيكون هو في إحدى الكفتين و عمله في الأخرى فذلك وزن آخر فمن ثقل ميزانه نزل عمله إلى أسفل فإن الأعمال في الدنيا من مشاق النفوس و المشاق محلها النار فتنزل كفة عمله تطلب النار و ترتفع الكفة التي هو فيها لخفتها فيدخل الجنة لأن لها العلو و الشقي تثقل كفة الميزان التي هو فيها و تخف كفة عمله فيهوي في النار و هو قوله ﴿فَأُمُّهُ هٰاوِيَةٌ﴾ [القارعة:9]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية