﴿وَ اللّٰهُ لاٰ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [المائدة:64] و قال ﴿وَ اللّٰهُ لاٰ يُحِبُّ الْفَسٰادَ﴾ [البقرة:205] فكرهوا ما كره اللّٰه و أحبوا ما أحب اللّٰه و جرى حكم اللّٰه في الخلق بما قدره العزيز العليم فما ظهر من عالم التركيب من الشرور فمن طبيعته التي ذكرتها الملائكة و ما ظهر منه من خير فمن روحه الإلهي الذي هو النور المولد فصدقت الملائكة و لذلك قال ﴿وَ مٰا أَصٰابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء:79] و إذا كان عالم الخلق بهذه المثابة فواجب على كل عاقل أن يعتصم بهذا النور المذكور في هذا المنزل فالشرور كلها مضافة إلى عالم الخلق و الخير كله مضاف إلى عالم الأمر
[أن الطبيعة تألفت لظهور عالم الخلق ليكون مظهرا لذلك النور]
و اعلم أن الطبيعة لما تألفت و اجتمعت لظهور عالم الخلق بعد أن كانت متنافرة ليظهر بذلك شرف هذا النور بما يكون فيه من الخير مع تولده من هذا التركيب لقوته و غلبة عالم الأمر على نشأته دخلت في الوجود الحسي فسميت جسما و حيوانا و نباتا و جمادا و ما من شيء من هذا كله إلا و الفساد و التغيير موجود فيه في كل حال و لو لا هذا النور الاعتصامي لهلك عالم الخلق جملة واحدة فأمر اللّٰه سبحانه أن يلجأ إليه بالدعاء في دفع هذه المكاره كلها فيؤيد اللّٰه هذا الروح بما يعطيه من هذا النور من الاسم الرب ليدفع به ما تقع له به المضرة من جانب ظلمة الطبع
[مسمى الشر و الخير]
و اعلم أن مسمى الشر على الحقيقة و مسمى الخير إنما هو راجع إما لوضع إلهي جاءت به ألسن الشرائع و إما لملاءمة مزاج فيكون خيرا في حقه أو منافرة مزاج فيكون شرا في حقه و إما لكمال مقرر اقتضاه الدليل فيكون خيرا أو نقص عن تلك الدرجة فيكون شرا و إما لحصول غرض فيكون خيرا في نظره أو عدم حصوله فيكون شرا في نظره فإذا رفع الناظر نظره عن هذه الأشياء كلها لم تبق إلا أعيان موجودات لا تتصف بالخير و لا بالشر هذا هو المرجوع إليه عند الإنصاف و التحقيق و لكن ما فعل اللّٰه سبحانه إلا ما قد حصل في الوجود من كمال و نقص و ملاءمة و منافرة و شرائع موضوعة بتحسين و تقبيح و أغراض موجودة في نفوس تنال وقتا و لا تنال وقتا و ما خلا الوجود من هذه المراتب و كلام المتكلم إنما هو بما حصل في الوجود لا بالنظر الآخر المنسوب إلى جانب الحق ثم أصل هذا الأمر كله إنما هو من جانب وجود واجب الوجود لذاته و هو الخير المحض الذي لا شر فيه و من جانب العدم المطلق الذي في مقابلة الوجود المطلق و هذا العدم هو الشر المحض الذي لا خير فيه فما ظهر من شر في العالم فهذا أصله لأنه عدم الكمال أو عدم الملاءمة أو عدم حصول الغرض فهي نسب و ما ظهر من خير فالوجود المطلق فاعله و لذلك قال
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية