«وكم» خبرية مفعول «من قرية» أريد أهلها «أهلكناها» أردنا إهلاكها «فجاءها بأسنا» عذابا «بياتا» ليلا «أو هم قائلون» نائمون بالظهيرة والقيلولة استراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم أي مرة جاءها ليلا ومرَّة جاءها نهارا.
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)
«إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ» وهم الملائكة المقربون «لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ» يقول : يذلون ويخضعون له «وَيُسَبِّحُونَهُ» أي ينزهونه عن الصفات التي لا تليق به وهي التي تقربوا بها إليه من الذل والخضوع وصدقهم اللّه في هذه الآية في قولهم : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) فأخبر اللّه عنهم بما أخبروه عن نفوسهم «وَلَهُ يَسْجُدُونَ» وصفهم بالسجود له عزّ وجل مع هذه الأحوال المذكورة ، وهنا يسجد التالي للقرآن في هذه السجدة اقتداء بسجود الملأ الأعلى وبهديهم ، قال اللّه تعالى لما ذكر النبيين عليهم السلام لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم ، وذكر أنه تعالى آتاهم الكتاب والحكمة والنبوة قال له : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) وهم بشر مثله ، فما ظنك بالملائكة الذين لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وأي هدي
أعظم مما هدى اللّه تعالى به الملائكة ، فمن سجد فيها ولم يحصل له نفحة مما حصل للملائكة في سجودها من حيث ملكيته الخاصة به فما سجدها ، وهكذا في كل سجدة ترد .
(8) سورة الأنفال مدنيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(206) الفتوحات ج 1 /
509
يقول تعالى : ( وكم من قرية أهلكناها ) أي : بمخالفة رسلنا وتكذيبهم ، فأعقبهم ذلك خزي الدنيا موصولا بذل الآخرة ، كما قال تعالى : ( ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون ) [ الأنعام : 10 ] . وقال تعالى : ( فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد ) [ الحج : 45 ] . وقال تعالى : ( وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين ) [ القصص : 58 ] .
وقوله : ( فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون ) أي : فكان منهم من جاءه أمر الله وبأسه ونقمته ) بياتا ) أي : ليلا ( أو هم قائلون ) من القيلولة ، وهي : الاستراحة وسط النهار . وكلا الوقتين وقت غفلة ولهو كما قال تعالى ( أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون ) [ الأعراف : 97 ، 98 ] . وقال : ( أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم ) [ النحل : 45 - 47 ] .
قوله تعالى: {وكم من قرية أهلكناها} {كم} للتكثير؛ كما أن {رب} للتقليل. وهي في موضع رفع بالابتداء، و{أهلكنا} الخبر. أي وكثير من القرى - وهي مواضع اجتماع الناس - أهلكناها. ويجوز النصب بإضمار فعل بعدها، ولا يقدر قبلها؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله. ويقوي الأول قوله {وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح} ولو لا اشتغال {أهلكنا} بالضمير لانتصب به موضع {كم}. ويجوز أن يكون {أهلكنا} صفة للقرية، و{كم} في المعنى هي القرية؛ فإذا وصفت القرية فكأنك قد وصفت كم. يدل على ذلك قوله تعالى {وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا} [
النجم : 26] فعاد الضمير على {كم}. على المعنى؛ إذ كانت الملائكة في المعنى. فلا يصح على هذا التقدير أن يكون {كم} في موضع نصب بإضمار فعل بعدها. {فجاءها بأسنا} فيه إشكال للعطف بالفاء. فقال الفراء : الفاء بمعنى الواو، فلا يلزم الترتيب. وقيل : أي وكم من قرية أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا؛ كقوله {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}[
النحل : 98]. وقيل : إن الهلاك. واقع ببعض القوم؛ فيكون التقدير : وكم من قرية أهلكنا بعضها فجاءها بأسنا فأهلكنا الجميع. وقيل : المعنى وكم من قرية أهلكناها في حكمنا فجاءها بأسنا. وقيل : أهلكناها بإرسالنا ملائكة العذاب إليها، فجاءها بأسنا وهو الاستئصال. والبأس، العذاب الآتي على النفس. وقيل : المعنى أهلكناها فكان إهلاكنا إياهم في وقت كذا؛ فمجيء البأس على هذا هو الإهلاك. وقيل : البأس غير الإهلاك؛ كما ذكرنا. وحكى الفراء أيضا أنه إذا كان معنى الفعلين واحدا أو كالواحد قدمت أيهما شئت؛ فيكون المعنى وكم من قرية جاءها بأسنا فأهلكناها؛ مثل دنا فقرب، وقرب فدنا، وشتمني فأساء، وأساء فشتمني؛ لأن الإساءة والشتم شيء واحد. وكذلك قوله {اقتربت الساعة وانشق القمر} [
القمر : 1]. المعنى - والله أعلم - انشق القمر فاقتربت الساعة. والمعنى واحد. {بياتا} أي ليلا؛ ومنه البيت، لأنه يبات فيه. يقال : بات يبيت بيتا وبياتا. {أو هم قائلون} أي أو وهم قائلون، فاستثقلوا فحذفوا الواو؛ قاله الفراء. وقال الزجاج : هذا خطأ، إذا عاد الذكر استغني عن الواو، تقول : جاءني زيد راكبا أو هو ماش، ولا يحتاج إلى الواو. قال المهدوي : ولم يقل بياتا أو وهم قائلون لأن في الجملة ضميرا يرجع إلى الأول فاستغني عن الواو. وهو معنى قول الزجاج سواء، وليس أو للشك بل للتفصيل؛ كقولك : لأكرمنك منصفا لي أو ظالما. وهذه الواو تسمى عند النحويين واو الوقت. و{قائلون} من القائلة وهي القيلولة؛ وهي نوم نصف النهار. وقيل : الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحر وإن لم يكن معها نوم. والمعنى جاءهم عذابنا وهم غافلون إما ليلا وإما نهارا. والدعوى الدعاء؛ ومنه قوله {وآخر دعواهم}[
يونس : 10]. وحكى النحويون : اللهم أشركنا في صالح دعوى من دعاك. وقد تكون الدعوى بمعنى الادعاء. والمعنى : أنهم لم يخلصوا عند الإهلاك إلا على الإقرار بأنهم كانوا ظالمين. و{دعواهم} في موضع نصب خبر كان، واسمها {إلا أن قالوا}. نظيره {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا} [
النمل : 56] ويجوز أن تكون الدعوى رفعا، و{أن قالوا} نصبا؛ كقوله تعالى {ليس البر أن تولوا} [
البقرة : 177] برفع {البر} وقوله {ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى أن كذبوا} [
الروم : 10] برفع {عاقبة}.
وكثير من القرى أهلكنا أهلها بسبب مخالفة رسلنا وتكذيبهم، فأعقبهم ذلك خزي الدنيا موصولا بذلِّ الآخرة، فجاءهم عذابنا مرة وهم نائمون ليلا ومرة وهم نائمون نهارًا. وخَصَّ الله هذين الوقتين؛ لأنهما وقتان للسكون والاستراحة، فمجيء العذاب فيهما أفظع وأشد.
ثم حذرهم عقوباته للأمم الذين كذبوا ما جاءتهم به رسلهم، لئلا يشابهوهم فقال: { وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا } أي: عذابنا الشديد { بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ } أي: في حين غفلتهم، وعلى غرتهم غافلون، لم يخطر الهلاك على قلوبهم. فحين جاءهم العذاب لم يدفعوه عن أنفسهم، ولا أغنت عنهم آلهتهم التي كانوا يرجونهم، ولا أنكروا ما كانوا يفعلونه من الظلم والمعاصي.
( وكم من قرية أهلكناها ) بالعذاب ، ( وكم ) للتكثير و " رب " للتقليل ، ( فجاءها بأسنا ) عذابنا ، ( بياتا ) ليلا ( أو هم قائلون ) من القيلولة ، تقديره : فجاءها بأسنا ليلا وهم نائمون ، أو نهارا وهم قائلون ، أي نائمون ظهيرة . والقيلولة الاستراحة نصف النهار ، وإن لم يكن معها نوم . ومعنى الآية : أنهم جاءهم بأسنا وهم غير متوقعين له إما ليلا أو نهارا . قال الزجاج : و " أو " لتصريف العذاب مرة ليلا ومرة نهارا . وقيل : معناه من أهل القرى من أهلكناهم ليلا ومنهم من أهلكناهم نهارا .
فإن قيل : ما معنى أهلكناها فجاءها بأسنا فكيف يكون مجيء البأس بعد الهلاك ؟ قيل : معنى قوله : " أهلكنا " أي : حكمنا بإهلاكها فجاءها بأسنا . وقيل : فجاءها بأسنا هو بيان قوله " أهلكناها " مثل قول القائل : أعطيتني فأحسنت إلي ، لا فرق بينه وبين قوله : أحسنت إلي فأعطيتني ، فيكون أحدهما بدلا من الآخر .
(وَكَمْ) كم خبرية مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ.
(مِنْ) حرف جر زائد (قَرْيَةٍ) اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه تمييز.
(أَهْلَكْناها) فعل ماض وفاعله ومفعوله والجملة في محل رفع خبر.
(فَجاءَها بَأْسُنا) فعل ماض ومفعوله وفاعله والجملة معطوفة.
(بَياتاً) ظرف أو حال منصوبة.
(أَوْ) حرف عطف.
(هُمْ قائِلُونَ) مبتدأ وخبر والجملة معطوفة على بياتا فهي في محل نصب حال.
Traslation and Transliteration:
Wakam min qaryatin ahlaknaha fajaaha basuna bayatan aw hum qailoona
How many a township have We destroyed! As a raid by night, or while they slept at noon, Our terror came unto them.
Biz nice şehirler helak etmişiz ki azabımız gelip çattığı zaman ya geceydi; halk, uykuya dalmıştı, yahut da gündüzdü, öğle uykusundaydı, dinlenmedeydi.
Que de cités Nous avons détruites! Or, Notre rigueur les atteignit au cours du repos nocturne ou durant leur sieste.
Und wie viele Ortschaften haben WIR doch zugrunde gehen lassen, so überraschte Unsere Peinigung sie entweder nachts, oder als sie sich bei der Mittagsruhe befanden.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الأعراف (Al-A'raf - The Heights) |
ترتيبها |
7 |
عدد آياتها |
206 |
عدد كلماتها |
3344 |
عدد حروفها |
14071 |
معنى اسمها |
(الأَعْرَافُ) جَمْعُ (عُرْفٍ)، وَهُوَ كُلُّ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ، وَالمُرَادُ بِـ(الأَعْرَافِ): السُّورُ الَّذِي بَينَ الجَنَّةِ والنَّارِ، يُحْبَسُ فِيهِ مَن تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُم وسَيِّئَاتُهُم |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الأَعْرَافِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (الْمِيقَاتِ)، وَسُورَةَ (الْمِيثَاقِ) |
مقاصدها |
بَيَانُ السُّنَنِ الإِلَهِيَّةِ فِي التَّدَافُعِ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الأَعْرَافِ) بِآخِرِهَا:
الإِشَارَةُ إلَى أنَّ القُرْآنَ ذِكْرَى وَرَحْمَةٌ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿كِتَٰبٌ أُنزِلَ إِلَيۡكَ فَلَا يَكُن فِي صَدۡرِكَ حَرَجٞ مِّنۡهُ لِتُنذِرَ بِهِۦ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ ٢﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ٢٠٤﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْأَعْرَافِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْأَنْعَامِ):
قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي خِتَامِ (الْأَنْعَامِ): ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَٰٓئِفَ ٱلۡأَرۡضِ ...١٦٥﴾، وَقَالَ فِي أَوَّلِ (الْأَعْرَافِ): ﴿وَلَقَدۡ مَكَّنَّٰكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ ...١٠﴾. |