«ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا» أكلوا من الخمر والميسر قبل التحريم «إذا ما اتقوا» المحرمات «وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا» ثبتوا على التقوى والإيمان «ثم اتقوا وأحسنوا» العمل «والله يحب المحسنين» بمعني أنه يثيبهم.
قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119 « (
قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ» فلا يؤثر فيهم عوارض يوم القيامة ، بل تخاف الناس ولا يخافون ، وتحزن الناس ولا يحزنون . . .
[ «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» ] «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» فالرضى منا ومنه - الوجه الأول - رضي اللّه عنهم : بما أعطوه من بذل المجهود ، وغير بذل المجهود «وَرَضُوا عَنْهُ» بما أعطاهم مما يقتضي الوجود الجود أكثر من ذلك ، لكن العلم والحكمة غالبة - الوجه الثاني - «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ» : بما أعطاه العبد من نفسه رضي اللّه به ، ورضي عنه فيه وإن لم يبذل استطاعته ، فرضي اللّه منك إذا أعطيت ما كلفك حد الاستطاعة التي لا حرج عليك فيها «وَرَضُوا عَنْهُ» رضي العبد من اللّه بالذي أعطاه من حال الدنيا ورضي عن اللّه في ذلك ، فإن متعلق الرضى القليل ، فإن الإنعام لا يتناهى بالبرهان الواضح والدليل ، فلا بد من الرضى ، بذا حكم الدليل وقضى ، وبهذا المعنى رضاه سبحانه عنك ، بما أعطيته منك ، وهو يعلم أن الاستطاعة فوق ما أعطيته - الوجه الثالث - «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ» في يسير العمل «وَرَضُوا عَنْهُ» في يسير الثواب ، لأنه لا يتمكن تحصيل ما لا يتناهى في الوجود ، لأنه لا يتناهى ، فإن كل ما أعطاك الحق في الدنيا والآخرة من الخير والنعم فهو قليل بالنسبة إلى ما عنده ، فإن الذي عنده لا نهاية له ، وكل ما حصل لك من ذلك فهو قليل بالنسبة إلى ما عنده ، فإن الذي عنده لا نهاية له ، وكل ما حصل لك من ذلك فهو متناه بحصوله ، وما قدم اللّه رضاه عن عبيده ، بما قبله من اليسير من أعمالهم التي كلفهم إلا ليرضوا عنه في يسير الثواب ، لما علموا أن عنده ما هو أكثر من الذي وصل إليهم . - الوجه الرابع - أخبرهم في التوقيع أنه عنهم راض تعالى وتقدس جلاله ، ثم أنه ناب عنهم في الخطاب بأنهم عنه راضون ، فقال تعالى : «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» .
وهنا نكتة لمن فهم ما تدل عليه ألفاظ القرآن من الرضى فقطع عليهم بذلك لعلمه بأنه واقع
منهم[ تحقيق الرضا ]
- تحقيق الرضا - اعلم أن اللّه تعالى قد أمرنا بالرضا قبل القضاء مطلقا ، فعلمنا أنه يريد الإجمال ، فإنه إذا فصّله حال المقضي عليه بالمقضى به انقسم إلى ما يجوز الرضا به وإلى ما لا يجوز ، فلما أطلق الرضا علمنا أنه أراد الإجمال ، والقدر توقيت الحكم ، فكل شيء بقضاء وقدر ، أي بحكم مؤقت ، فمن حيث التوقيت المطلق يجب الإيمان بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، ومن حيث التعيين يجب الإيمان به لا الرضا ببعضه ، وإنما قلنا : يجب الإيمان به أنه شر كما يجب الإيمان بالخير أنه خير ، فنقول : إنه يجب علي الإيمان بالشر أنه شر ، وأنه ليس إلى اللّه من كونه شرا ، لا من كونه عين وجود إن كان الشر أمرا وجوديا ، فمن حيث وجوده أي وجود عينه هو إلى اللّه ، ومن كونه شرا ليس إلى اللّه ، قال صلّى اللّه عليه وسلم في دعائه : والشر ليس إليك ، فالمؤمن ينفي عن الحق ما نفاه عن نفسه .
------------
(119) الفتوحات ج 2 /
222 - ج 4 /
351 ، 432 - ج 2 /
212 - ج 4 /
351 - ج 2 /
212 - ج 4 /
27 ، 18 - ج 2 /
212
قال أحمد بن حنبل حدثنا أسود بن عامر حدثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عياش قال لما حرمت الخمر قال ناس يا رسول الله أصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها فأنزل الله" ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" إلى آخر الآية ولما حولت القبلة قال ناس: يا رسول الله إخواننا الذين ما توا وهم يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله" وما كان الله ليضيع إيمانكم" وقال الإمام أحمد حدثنا داود بن مهران الدباغ حدثنا داود يعني العطار عن أبي خيثم عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" من شرب الخمر لم يرض الله عنه أربعين ليلة إن مات مات كافرا وإن تاب تاب الله عليه وإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال" قالت: قلت يا رسول الله وما طينة الخبال ؟ قال:" صديد أهل النار " وقال الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما نزلت" ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا" فقال النبي صلى الله عليه وسلم قيل لي أنت منهم وهكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي من طريقه وقال عبد الله ابن الإمام أحمد قرأت على أبي حدثنا علي بن عاصم حدثنا إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إياكم وهاتان الكعبتان الموسومتان اللتان تزجران زجرا فإنهما ميسر العجم.
فيه تسع مسائل: الأولى: قال ابن عباس والبراء بن عازب وأنس بن مالك إنه لما نزل تحريم الخمر قال قوم من الصحابة : كيف بمن مات منا وهو يشربها ويأكل الميسر؟ - ونحو هذا - فنزلت الآية. روى البخاري عن أنس قال : كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة فنزل تحريم الخمر، فأمر مناديا ينادي، فقال أبو طلحة : اخرج فانظر ما هذا الصوت قال : فخرجت فقلت : هذا مناد ينادي ألا إن الخمر قد حرمت؛ فقال : اذهب فاهرقها - وكان الخمر من الفضيخ - قال : فجرت في سكك المدينة؛ فقال بعض القوم : قتل قوم وهي في بطونهم فأنزل الله عز وجل {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} الآية. الثانية: هذه الآية وهذا الحديث نظير سؤالهم عمن مات إلى القبلة الأولى فنزلت {وما كان الله ليضيع إيمانكم} [
البقرة : 143] ومن فعل ما أبيح له حتى مات على فعله لم يكن له ولا عليه شيء؛ لا إثم ولا مؤاخذة ولا ذم ولا أجر ولا مدح؛ لأن المباح مستوي الطرفين بالنسبة إلى الشرع؛ وعلى هذا فما كان ينبغي أن يتخوف ولا يسأل عن حال من مات والخمر في بطنه وقت إباحتها، فإما أن يكون ذلك القائل غفل عن دليل الإباحة فلم يخطر له، أو يكون لغلبة خوفه من الله تعالى، وشفقته على إخوانه المؤمنين توهم مؤاخذة ومعاقبة لأجل شرب الخمر المتقدم؛ فرفع الله ذلك التوهم بقوله {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} الآية. الثالثة: هذا الحديث في نزول الآية فيه دليل واضح على أن نبيذ التمر إذا أسكر خمر؛ وهو نص ولا يجوز الاعتراض عليه؛ لأن الصحابة رحمهم الله هم أهل اللسان، وقد عقلوا أن شرابهم ذلك خمر إذ لم يكن لهم شراب ذلك الوقت بالمدينة غيره؛ وقد قال الحكمي : لنا خمر وليست خمر كرم ** ولكن من نتاج الباسقات كرام في السماء ذهبن طولا ** وفات ثمارها أيدي الجناة ومن الدليل الواضح على ذلك ما رواه النسائي : أخبرنا القاسم بن زكريا، أخبرنا عبيدالله عن شيبان عن الأعمش عن محارب بن دثار عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الزبيب والتمر هو الخمر). وثبت بالنقل الصحيح أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه - وحسبك به عالما باللسان والشرع - خطب على منبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا أيها الناس؛ ألا إنه قد نزل تحريم الخمر يوم نزل، وهي من خمسة : من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير؛ والخمر ما خامر العقل. وهذا أبين ما يكون في معنى الخمر؛ يخطب به عمر بالمدينة على المنبر بمحضر جماعة الصحابة، وهم أهل اللسان ولم يفهموا من الخمر إلا ما ذكرناه. وإذا ثبت هذا بطل مذهب أبي حنيفة والكوفيين القائلين بأن الخمر لا تكون إلا من العنب، وما كان من غيره لا يسمى خمرا ولا يتناوله اسم الخمر، وإنما يسمى نبيذا؛ وقال الشاعر : تركت النبيذ لأهل النبيذ ** وصرت حليفا لمن عابه شراب يدنس عرض الفتى ** ويفتح للشر أبوابه الرابعة: قال الإمام أبو عبدالله المازري : ذهب جمهور العلماء من السلف وغيرهم إلى أن كل ما يسكر نوعه حرم شربه، قليلا كان أو كثيرا، نيئا كان أو مطبوخا، ولا فرق بين المستخرج من العنب أو غيره، وأن من شرب شيئا من ذلك حُدّ؛ فأما المستخرج من العنب المسكر النيئ فهو الذي انعقد الإجماع على تحريم قليله وكثيره ولو نقطة منه. وأما ما عدا ذلك فالجمهور على تحريمه. وخالف الكوفيون في القليل مما عدا ما ذكر، وهو الذي لا يبلغ الإسكار؛ وفي المطبوخ المستخرج من العنب؛ فذهب قوم من أهل البصرة إلى قصر التحريم على عصير العنب، ونقيع الزبيب النيئ؛ فأما المطبوخ منهما، والنيئ والمطبوخ مما سواهما فحلال ما لم يقع الإسكار. وذهب أبو حنيفة إلى قصر التحريم على المعتصر من ثمرات النخيل والأعناب على تفصيل؛ فيرى أن سلافة العنب يحرم قليلها وكثيرها إلا أن تطبخ حتى ينقص ثلثاها، وأما نقيع الزبيب والتمر فيحل مطبوخهما وإن مسته النار مسا قليلا من غير اعتبار بحد؛ وأما النيئ منه فحرام، ولكنه مع تحريمه إياه لا يوجب الحد فيه؛ وهذا كله ما لم يقع الإسكار، فإن وقع الإسكار استوى الجميع. قال شيخنا الفقيه الإمام أبو العباس أحمد رضي الله عنه : العجب من المخالفين في هذه المسألة؛ فإنهم قالوا : إن القليل من الخمر المعتصر من العنب حرام ككثيره، وهو مجمع عليه؛ فإذا قيل لهم : فلم حرم القليل من الخمر وليس مذهبا للعقل؟ فلا بد أن يقال : لأنه داعية إلى الكثير، أو للتعبد؛ فحينئذ يقال لهم : كل ما قدرتموه في قليل الخمر هو بعينه موجود في قليل النبيذ فيحرم أيضا، إذ لا فارق بينهما إلا مجرد الاسم إذا سلم ذلك. وهذا القياس هو أرفع أنواع القياس؛ لأن الفرع فيه مساو للأصل في جميع أوصافه؛ وهذا كما يقول في قياس الأمة على العبد في سراية العتق. ثم العجب، من أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله! فإنهم يتوغلون في القياس ويرجحونه على أخبار الآحاد، ومع ذلك فقد تركوا هذا القياس الجلي المعضود بالكتاب والسنة وإجماع صدور الأمة، لأحاديث لا يصح شيء منها على ما قد بين عللها المحدثون في كتبهم، وليس في الصحيح شيء منها. وسيأتي في سورة النحل تمام هذه المسألة إن شاء الله تعالى. الخامسة: قوله تعالى {طعموا} أصل هذه اللفظة في الأكل؛ يقال : طعم الطعام وشرب الشراب، لكن قد تجوز في ذلك فيقال : لم أطعم خبزا ولا ماء ولا نوما؛ قال الشاعر : نعاما بوجرة صعر الخدو ** د لا تطعم النوم إلا صياما وقد تقدم القول في البقرة في قوله تعالى {ومن لم يطعمه} [
البقرة : 249] بما فيه الكفاية. السادسة: قال ابن خويز منداد : تضمنت هذه الآية تناول المباح والشهوات، والانتفاع بكل لذيذ من مطعم ومشرب ومنكح وإن بولغ فيه وتنوهي في ثمنه. وهذه الآية نظير قوله تعالى {لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} [
المائدة : 87] ونظير قوله {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} [
الأعراف : 32]. السابعة: قوله تعالى {إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين} فيه أربعة أقوال : الأول : أنه ليس في ذكر التقوى تكرار؛ والمعنى اتقوا شربها وآمنوا بتحريمها؛ والمعنى الثاني دام اتقاؤهم وإيمانهم؛ والثالث على معنى الإحسان إلى الاتقاء. والثاني : اتقوا قبل التحريم في غيرها من المحرمات، ثم اتقوا بعد تحريمها شربها، ثم اتقوا فيما بقي من أعمالهم، وأحسنوا العمل. الثالث : اتقوا الشرك وآمنوا بالله ورسوله، والمعنى الثاني ثم اتقوا الكبائر، وازدادوا إيمانا، ومعنى الثالث ثم اتقوا الصغائر وأحسنوا أي تنفلوا. وقال محمد بن جرير : الاتقاء الأول هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول، والتصديق والدينونة به والعمل، والاتقاء الثاني، الاتقاء بالثبات على التصديق، والثالث الاتقاء بالإحسان، والتقرب بالنوافل. الثامنة: قوله تعالى : {ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين} دليل على أن المتقي المحسن أفضل من المتقي المؤمن الذي عمل الصالحات؛ فضله بأجر الإحسان. التاسعة: قد تأول هذه الآية قدامة بن مظعون الجمحي من الصحابة رضى الله عنهم، وهو ممن هاجر إلى أرض الحبشة مع أخويه عثمان وعبدالله، ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدرا وعُمِّر. وكان ختن عمر بن الخطاب، خال عبدالله وحفصة، وولاه عمر بن الخطاب على البحرين، ثم عزله بشهادة الجارود - سيد عبدالقيس - عليه بشرب الخمر. روى الدارقطني قال : حدثنا أبو الحسن علي بن محمد المصري، حدثنا يحيى بن أيوب العلاف، حدثني سعيد بن عفير، حدثني يحيى بن فليح بن سليمان، قال : حدثني ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس : أن الشُرّاب كانوا يضربون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدي والنعال والعصي حتى توفي، رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أبو بكر يجلدهم أربعين حتى توفي، ثم كان عمر من بعده يجلدهم كذلك أربعين حتى أتي برجل من المهاجرين الأولين وقد شرب فأمر به أن يجلد؛ قال : لم تجلدني؟ بيني وبينك كتاب الله! فقال عمر : وفي أي كتاب الله تجد ألا أجلدك؟ فقال له : إن الله تعالى يقول في كتابه {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} الآية. فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا؛ شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها؛ فقال عمر : ألا تردون عليه ما يقول؛ فقال ابن عباس : إن هؤلاء الآيات أنزلت عذرا لمن غبر وحجة على الناس؛ لأن الله تعالى يقول {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر} الآية؛ ثم قرأ حتى أنفذ الآية الأخرى؛ فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، الآية؛ فإن الله قد نهاه أن يشرب الخمر؛ فقال عمر : صدقت ماذا ترون؟ فقال علي رضي الله عنه : إنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون جلدة؛ فأمر به عمر فجلد ثمانين جلدة. وذكر الحميدي عن أبي بكر البرقاني عن ابن عباس قال : لما قدم الجارود من البحرين قال : يا أمير المؤمنين إن قدامة بن مظعون قد شرب مسكرا، وإني إذا رأيت حقا من حقوق الله حق علي أن أرفعه إليك؛ فقال عمر : من يشهد على ما تقول؟ فقال : أبو هريرة؛ فدعا عمر أبا هريرة فقال : علام تشهد يا أبا هريرة؟ فقال : لم أره حين شرب، ورأيته سكران يقيء، فقال عمر : لقد تنطعت في الشهادة؛ ثم كتب عمر إلى قدامة وهو بالبحرين يأمره بالقدوم عليه، فلما قدم قدامة والجارود بالمدينة كلم الجارود عمر؛ فقال : أقم على هذا كتاب الله؛ فقال عمر للجارود : أشهيد أنت أم خصم؟ فقال الجارود : أنا شهيد؛ قال : قد كنت أديت الشهادة؛ ثم قال لعمر : إني أنشدك الله! فقال عمر : أما والله لتملكن لسانك أو لأسوءنك؛ فقال الجارود : أما والله ما ذلك بالحق، أن يشرب ابن عمك وتسوءني! فأوعده عمر؛ فقال أبو هريرة وهو جالس : يا أمير المؤمنين إن كنت في شك من شهادتنا فسل بنت الوليد امرأة ابن مظعون، فأرسل عمر إلى هند ينشدها بالله، فأقامت هند على زوجها الشهادة؛ فقال عمر : يا قدامة إني جالدك؛ فقال قدامة : والله لو شربت - كما يقولون - ما كان لك أن تجلدني يا عمر. قال : ولم يا قدامة؟ قال : لأن الله سبحانه يقول {ليس على آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} الآية إلى {المحسنين}. فقال عمر : أخطأت التأويل يا قدامة؛ إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرم الله، ثم أقبل عمر على القوم فقال : ما ترون في جلد قدامة؟ فقال القوم : لا نرى أن تجلده ما دام وجعا؛ فسكت عمر عن جلده ثم أصبح يوما فقال لأصحابه : ما ترون في جلد قدامة؟ فقال القوم : لا نرى أن تجلده ما دام وجعا، فقال عمر : إنه والله لأن يلقى الله تحت السوط، أحب إلي أن ألقى الله وهو في عنقي! والله لأجلدنه؛ ائتوني بسوط، فجاءه مولاه أسلم بسوط رقيق صغير، فأخذه عمر فمسحه بيده ثم قال لأسلم : أخذتك دقرارة أهلك؛ ائتوني بسوط غير هذا. قال : فجاءه أسلم بسوط تام؛ فأمر عمر بقدامة فجلد؛ فغاضب قدامة عمر وهجره؛ فحجّا وقدامة مهاجر لعمر حتى قفلوا عن حجهم ونزل عمر بالسقيا ونام بها فلما استيقظ عمر قال : عجلوا علي بقدامة، انطلقوا فأتوني به، فوالله لأرى في النوم أنه جاءني آت فقال : سالم قدامة فإنه أخوك، فلما جاءوا قدامة أبى أن يأتيه، فأمر عمر بقدامة أن يجر إليه جرا حتى كلمه عمر واستغفر له، فكان أول صلحهما. قال أيوب بن أبي تميمة : لم يحد أحد من أهل بدر في الخمر غيره. قال ابن العربي : فهذا يدلك على تأويل الآية، وما ذكر فيه عن ابن عباس من حديث الدارقطني، وعمر في حديث البرقاني وهو صحيح؛ وبسطه أنه لو كان من شرب الخمر واتقى الله في غيره ما حد على الخمر أحد، فكان هذا من أفسد تأويل؛ وقد خفي على قدامة؛ وعرفه من وفقه الله كعمر وابن عباس رضي الله عنهما؛ قال الشاعر : وإن حراما لا أرى الدهر باكيا ** على شجوه إلا بكيت على عمر وروي عن علي رضي الله عنه أن قوما شربوا بالشام وقالوا : هي لنا حلال وتأولوا هذه الآية، فأجمع علي وعمر على أن يستتابوا، فإن تابوا وإلا قتلوا؛ ذكره الكيا الطبري.
ليس على المؤمنين الذين شربوا الخمر قبل تحريمها إثم في ذلك، إذا تركوها واتقوا سخط الله وآمنوا به، وقدَّموا الأعمال الصالحة التي تدل على إيمانهم ورغبتهم في رضوان الله تعالى عنهم، ثم ازدادوا بذلك مراقبة لله عز وجل وإيمانا به، حتى أصبحوا مِن يقينهم يعبدونه، وكأنهم يرونه. وإن الله تعالى يحب الذين بلغوا درجة الإحسان حتى أصبح إيمانهم بالغيب كالمشاهدة.
لما نزل تحريم الخمر والنهي الأكيد والتشديد فيه، تمنى أناس من المؤمنين أن يعلموا حال إخوانهم الذين ماتوا على الإسلام قبل تحريم الخمر وهم يشربونها. فأنزل الله هذه الآية، وأخبر تعالى أنه { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ } أي: حرج وإثم { فِيمَا طَعِمُوا } من الخمر والميسر قبل تحريمهما. ولما كان نفي الجناح يشمل المذكورات وغيرها، قيد ذلك بقوله: { إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } أي: بشرط أنهم تاركون للمعاصي، مؤمنون بالله إيمانا صحيحا، موجبا لهم عمل الصالحات، ثم استمروا على ذلك. وإلا فقد يتصف العبد بذلك في وقت دون آخر. فلا يكفي حتى يكون كذلك حتى يأتيه أجله، ويدوم على إحسانه، فإن الله يحب المحسنين في عبادة الخالق، المحسنين في نفع العبيد، ويدخل في هذه الآية الكريمة، من طعم المحرم، أو فعل غيره بعد التحريم، ثم اعترف بذنبه وتاب إلى الله، واتقى وآمن وعمل صالحا، فإن الله يغفر له، ويرتفع عنه الإثم في ذلك.
قوله عز وجل : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) سبب نزول هذه الآية أن الصحابة رضوان الله عليهم قالوا لما نزل تحريم الخمر : يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر [ ويأكلون ] من مال الميسر؟ فأنزل الله تعالى : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) وشربوا من الخمر وأكلوا من مال الميسر ، ( إذا ما اتقوا ) الشرك ، ) ( وآمنوا ) وصدقوا ، ( وعملوا الصالحات ثم اتقوا ) الخمر والميسر بعد تحريمهما ، ( وآمنوا ثم اتقوا ) ما حرم الله عليهم أكله وشربه ، ( وأحسنوا والله يحب المحسنين ) وقيل : معنى الأول إذ ما اتقوا الشرك ، وآمنوا وصدقوا ثم اتقوا ، أي : داوموا على ذلك التقوى ، ) ( وآمنوا ) ازدادوا إيمانا ، ثم اتقوا المعاصي كلها وأحسنوا ، وقيل : أي : اتقوا بالإحسان ، وكل محسن متق ، ( والله يحب المحسنين ) .
(لَيْسَ) فعل ماض ناقص (عَلَى الَّذِينَ) متعلقان بمحذوف خبر الفعل الناقص قبلهما وجملة (آمَنُوا) صلة الموصول لا محل لها من الإعراب وجملة (عَمِلُوا الصَّالِحاتِ) معطوفة عليها، والصالحات مفعول به منصوب بالكسرة جمع مؤنث سالم.
(جُناحٌ) اسم ليس (فِيما) متعلقان بجناح وجملة (طَعِمُوا) صلة الموصول لا محل لها.
(إِذا) ظرفية شرطية غير جازمة.
(مَا) زائدة وجملة (اتَّقَوْا) في محل جر بالإضافة وما بعدها من جمل معطوفة عليها وجواب الشرط محذوف التقدير إذا ما اتقوا وآمنوا، فليس عليهم جناح.
(وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) الواو استئنافية، اللّه لفظ الجلالة مبتدأ خبره جملة يحب المحسنين والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها.
Traslation and Transliteration:
Laysa AAala allatheena amanoo waAAamiloo alssalihati junahun feema taAAimoo itha ma ittaqaw waamanoo waAAamiloo alssalihati thumma ittaqaw waamanoo thumma ittaqaw waahsanoo waAllahu yuhibbu almuhsineena
There shall be no sin (imputed) unto those who believe and do good works for what they may have eaten (in the past). So be mindful of your duty (to Allah), and believe, and do good works; and again: be mindful of your duty, and believe; and once again: be mindful of your duty, and do right. Allah loveth the good.
İman edip iyi işlerde bulunanlara; çekindikleri, inandıkları ve iyi işlerde bulundukları, sonra gene çekinmede devam ettikleri, inançlarını güttükleri, sonra da gene çekinip durdukları ve iyilik ettikleri takdirde haram edilmeden önce yedikleri şeyler yüzünden bir vebal yok ve Allah iyilik edenleri sever.
Ce n'est pas un péché pour ceux qui ont la foi et font de bonnes œuvres en ce qu'ils ont consommé (du vin et des gains des jeux de hasard avant leur prohibition) pourvu qu'ils soient pieux (en évitant les choses interdites après en avoir eu connaissance) et qu'ils croient (en acceptant leur prohibition) et qu'ils fassent de bonnes œuvres; puis qui (continuent) d'être pieux et de croire et qui (demeurent) pieux et bienfaisants. Car Allah aime les bienfaisants.
Es trifft diejenigen, die den Iman verinnerlicht und gottgefällig Gutes getan haben, keine Verfehlung für das, was sie (vor dem Verbot) zu sich genommen haben, wenn sie Taqwa gemäß handelten, den Iman verinnerlichten und gottgefällig Gutes taten, dann Taqwa gemäß handelten und Iman verinnerlichten, dann Taqwa und Ihsan gemäß handelten. Und ALLAH liebt die Muhsin.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة المائدة (Al-Maidah - The Table Spread) |
ترتيبها |
5 |
عدد آياتها |
120 |
عدد كلماتها |
2837 |
عدد حروفها |
11892 |
معنى اسمها |
(المَائِدَةُ): الخِوانُ - أَو الطَّاوِلَةُ - يُوضَعُ عَلَيهَا الطَّعامُ وَالشَّرَابُ، وَتُطْلَقُ المَائِدَةُ عَلَى الطَّعَامِ نَفْسِهِ |
سبب تسميتها |
انفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ قِصَّةِ نُزُولِ المَائِدَةِ التِي طَلَبَهَا الحَوَارِيُّونَ مِنْ عِيسَى عليه السلام، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلى المَقْصِدِ العَامِّ للسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (المَائِدَةِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (العُقُودِ)، وَسُورَةَ (المُنقِذَةِ)، وَسُورَةَ (الأَحْبَارِ) |
مقاصدها |
الرِّضَا وَالتَّسْلِيمُ بِالأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي فَرَضَهَا اللهُ تَعَالَى فِي السُّورَةِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
نَزَلَتْ بِكَيْفِيَّةٍ فَرِيدَةٍ لِأَهَمِيَّتِهَا، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنه قال: «أُنزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سُورَةُ الْمَائِدَةِ وهو رَاكِبٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَحْمِلَهُ فَنَزَلَ عَنْهَا». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَحمَدُ).
هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (المَائدةِ) بِآخِرِهَا:
الحَدِيثُ عَنْ الصِّدقِ فِي الوَفَاءِ بِالعُقُودِ وَعَاقِبَةِ الصِّدْقِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ ...١﴾ ...الآيَاتِ، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿هَٰذَا يَوۡمُ يَنفَعُ ٱلصَّٰدِقِينَ صِدۡقُهُمۡۚ ...١١٩﴾ ...الآيَاتِ.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْمَائِدَةِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (النِّسَاءِ):
اخْتُتِمَتِ (النِّسَاءُ) بِأَحْكَامِ المَوَارِيثِ وافْتُتِحَتِ (المَائِدَةُ) بِأحْكَامِ العُقُودِ، وكِلَاهُمَا مِنْ أَحْكَامِ العَلَاقَاتِ الاجْتِمَاعِيَّةِ فِي الإِسْلَامِ. |