المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة العصر: [الآية 3]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة العصر | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
[ «. . . وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ» الآية ]
فينبغي للمؤمن أن يقبل من أخيه النصح والوصية ، فإن المؤمنين أهل إنصاف ، مطلبهم واحد ، مأمورون بذلك بقوله تعالى : «وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ» وقد أمرنا بالتعاون على البر والتقوى ، ونهانا عن التعاون على الإثم والعدوان ، بقوله «وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ» لذلك عليك بالنصيحة على الإطلاق ، فإنها الدين ، خرج مسلم في الصحيح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال [ الدين النصيحة ، قالوا : لمن يا رسول اللّه ؟
قال : للّه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ] واعلم أن النصاح الخيط ، والمنصحة الإبرة ، والناصح الخائط . والخائط هو الذي يؤلف أجزاء الثوب حتى يصير قميصا أو ما كان ، فينتفع به بتأليفه إياها ، وما ألفه إلا بنصحه .
والناصح في دين اللّه ، هو الذي يؤلف بين عباد اللّه وبين ما فيه سعادتهم عند اللّه ، ويؤلف بين اللّه وبين خلقه ، وهو قوله : النصيحة للّه ،
وفيه تنبيه في الشفاعة عند اللّه إذا رأى العبد الناصح أن اللّه يريد مؤاخذة العبد على جريمته ،
فيقول للّه : يا رب إنك ندبت إلى العفو عن عبادك ، وجعلت ذلك من مكارم الأخلاق ، وهو أولى من جزاء المسئ بما يسوءه ؛ وذكرت للعبد أن أجر العافين عن الناس فيما أساءوا إليهم فيه ، مما توجهت عليهم به الحقوق ، على اللّه ؛
فأنت أحق بهذه الصفة لما أنت عليه من الجود ، والكرم ، والامتنان ، ولا مكره لك ؛ فأنت أهل العفو والتكرم والتجاوز عن هذا العبد المسئ المتعدي حدودك عن إساءته ،
وإسبال ذيل الكرم عليه ؛ وأما النصيحة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، ففي زمانه إذا رأى منه الصاحب أمرا قد قرر خلافه - والإنسان صاحب غفلات - فينبّه الصاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على ذلك ، مثل سهوه صلّى اللّه عليه وسلّم في الصلاة ، ولهذا أمر اللّه عزّ وجل نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم
بمشاورة أصحابه فيما لم يوح إليه فيه ، فإذا شاورهم تعين عليهم أن ينصحوه فيما شاورهم فيه على قدر علمهم ، وما يقتضيه نظرهم في ذلك أنه مصلحة ، كنزوله يوم بدر على غير ماء ، فنصحوه وأمروه أن يكون الماء في حيّزه صلّى اللّه عليه وسلّم ففعل ، ونصحه عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في قتل أسارى بدر حين أشار بذلك ، وكحديث تأبير النخل .
وأما بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم تبق له نصيحة ، ولكن إذا كانت هذه اللام لام الأجلية بقيت النصيحة ، وأما النصيحة لأئمة المسلمين وهم ولاة الأمور منا ، القائمون بمصالح عباد اللّه الدينية ، والحكام وأهل الفتاوى في الدين من العلماء يدخلون في أئمة المسلمين أيضا ، فإن كان الحاكم عالما كان ،
وإن لم يكن من العلماء بالمسألة سأل من يعلم عن الحكم فيها ، فيتعين على المفتي أن ينصح ويفتيه بما يراه أنه حق عنده ، ويذكر له دليله على ما أفتاه به ، فيخلصه عند اللّه ، فهذه النصيحة لأئمة المسلمين ،
ولما لم تفرض العصمة لأئمة المسلمين ، وعلم أنهم قد يخطئون ويتبعون أهواءهم ، تعين على أهل الدين من العلماء بالدين أن ينصحوا أئمة المسلمين ، ويردوهم عن اتباع أهوائهم في الناس ، فيؤلفون بين ما هو الدين عليه وبينهم ،
فيعود على الناس نفع ذلك ؛ وأما النصيحة لعامتهم فمعلومة ، وهي أن يشير عليهم بما لهم فيه المصلحة التي لا تضرهم في دينهم ولا دنياهم ، فإن كان ولا بد من ضرر يقوم من ذلك إما في الدين أو في الدنيا ، فيرجحوا في النصيحة ضرر الدنيا على ضرر الدين ، فيشيرون عليهم بما يسلم لهم فيه دينهم ؛ ومهما قدروا على دفع الضرر في الدين والدنيا معا بوجه من الوجوه وعرفوه تعين عليهم في الدين أن ينصحوه في ذلك ويبينوه ،
والمستفتي بالخيار في ذلك ، بحسب ما يوفقه اللّه إليه ، فالنصيحة تعم إذ هي عين الدين ، وهي صفة الناصح ، فتسري منفعتها في جميع العالم كله من الناصح الذي يستبرئ لدينه ، ويطلب معالي الأمور ، فيرى حيوانا قد أضر به العطش ، وقد حاد ذلك الحيوان عن طريق الماء ، فيتعين عليه أن يرده إلى طريق الماء ويسقيه إن قدر على ذلك ،
وكذلك لو رأى من ليس على ملة الإسلام يفعل فعلا من سفساف الأخلاق تعين على الناصح أن يرده عن ذلك مهما قدر إلى مكارم الأخلاق ، وإن لم يقدر عليه تعين عليه أن يبين له عيب ذلك ، فربما انتفع بتلك النصيحة الشخص ، بما له في ذلك من الثناء الحسن ،
وينتفع بتلك النصيحة من اندفع عنه ضرر هذا الذي أراد أن يضره ، وإن لم يكن مسلما ، ويحتاج الناصح إلى علم كثير من علم الشريعة ،
لأنه العلم العام الذي يعم جميع أحوال الناس ، وعلم زمانه ومكانه ، وما ثمّ إلا الحال والزمان والمكان ، وبقي للناصح علم الترجيح إذا تقابلت هذه الأمور ، فيكون ما يصلح الزمان يفسد الحال أو المكان ؛
وكذلك كل واحد منها ، فينظر في الترجيح فيفعل بحسب ما يترجح عنده ، وذلك على قدر إيمانه ، فإن الناصح في دين اللّه يحتاج إلى علم كثير ، وعقل وفكر صحيح ، وروية حسنة ، واعتدال مزاج وتؤدة ، وإن لم تكن فيه هذه الخصال كان الخطأ أسرع إليه من الإصابة. وما في مكارم الأخلاق أدق ولا أخفى ولا أعظم من النصيحة ، وكل إنسان يقبل النصح من غيره لا من نفسه ، والمؤمن مرآة أخيه ، لأن النفس عمياء عن عيوبها ، بصيرة بعيوب غيرها ، ولذلك يحتاج المؤمن إلى الإخوان لتبيين آفات نفسه ، فلسان حال الأخ في عقد الأخوة ، كل واحد منا بصير في عيوب أخيه لعماه عن عيوب نفسه ، واستيلاء رمسه ، فأخوك من صدقك لا من صدّقك ، ومن جرحك لا من مدحك ،
وإليه ننظر قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : [ من أرضى الناس بسخط اللّه صار مادحه منهم ذاما ، ومن أرضى اللّه بسخط الناس أرضى اللّه عنه الناس ويهبه العين الصحيحة ] يرى الطالب معاديه بالعرف العام وليا ، والمسئ إليه محسنا ، إذ هو إنما يعادي عدوه ، فهو وليه من حيث لا يدري ، قال الشاعر :
ذهب الرجال المقتدى بفعالهم *** والمنكرون لكل أمر منكر
وبقيت في خلف يزكي بعضهم *** بعضا ليدفع معور
عن معورفمادحك إنما يتولى عدوك ، فاحذره ولا تأنس إليه ، فتميل في كل أحوالك إليه ،
واعلم أنه من التزم النصح قل أولياؤه ، فإن الغالب على الناس اتباع الأهواء ، ولذلك يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : [ ما ترك الحق لعمر من صديق ] وكذلك قال أويس القرني : إن الموت وذكره لم يتركا لمؤمن فرحا ،
وإن علم المؤمن بحقوق اللّه لم يترك في ماله فضة ولا ذهبا ، وإن قيامه للّه بالحق لم يترك له صديقا ولنا في ذلك :
لما لزمت النصح والتحقيقا *** لم يتركا لي في الوجود صديق
أما من استشهد بقول القائل :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** كما أن عين السخط تبدي المساوي
فذلك مقام من أحبك لنفسه ، وأما من أحبك لك فلا سبيل ، ولما كان حب اللّه إيانا لنا لا لنفسه نبهنا على معايبنا ، وأظهر لنا نقائصنا ، ودلنا على مكارم الأخلاق ، ومحامد الأفعال ، وأوضح لنا مناهجها ، ورفع لنا معارجها ، ولما أحببناه لأنفسنا ولم يتمكن في الحقيقة أن نحبه له تعالى عن ذلك ، رضينا بما يصدر منه مما لا يوافق أغراضنا ، وتمجه نفوسنا ، وتكرهه طباعنا ، والسعيد هو الذي رضي بذلك منه تعالى ، ومن سواه يضجر ويسخط ، فنسأل اللّه تعالى العفو والعافية في ذلك لنا وللمسلمين :
قسما بسورة العصر *** إن الإنسان في خسر
غير من أوصوا نفوسهمو *** بينهم بالحق والصبر
فهمو القوم الذين نجوا *** من عذاب اللّه في القبر
ثم في يوم النشور إذا *** جمعوا للعرض في الحشر
(104) سورة الهمزة مكيّة
------------
(3) الفتوحات ج 1 / 522 - كتاب روح القدس - كتاب تلقيح الأذهان - الفتوحات ج 1 / 470 - كتاب روح القدس - الديوان / 440تفسير ابن كثير:
فاستثنى من جنس الإنسان عن الخسران الذين آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم " وتواصوا بالحق " وهو أداء الطاعات وترك المحرمات.
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
وقد يكون خاسرًا من بعض الوجوه دون بعض، ولهذا عمم الله الخسار لكل إنسان، إلا من اتصف بأربع صفات:
الإيمان بما أمر الله بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرع عنه لا يتم إلا به.
والعمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده ، الواجبة والمستحبة.
والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي: يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه.
والتواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة.
فبالأمرين الأولين، يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة، يكون الإنسان قد سلم من الخسار، وفاز بالربح [العظيم].
تفسير البغوي
( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) فإنهم ليسوا في خسر ، ( وتواصوا ) أوصى بعضهم بعضا ، ( بالحق ) بالقرآن ، قاله الحسن وقتادة ، وقال مقاتل : بالإيمان والتوحيد . ( وتواصوا بالصبر ) على أداء الفرائض وإقامة أمر الله . وروى ابن عون عن إبراهيم قال : أراد أن الإنسان إذا عمر في الدنيا وهرم ، لفي نقص وتراجع إلا المؤمنين ، فإنهم يكتب لهم أجورهم ومحاسن أعمالهم التي كانوا يعملونها في شبابهم وصحتهم ، وهي مثل قوله : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات
الإعراب:
(إِلَّا) حرف استثناء (الَّذِينَ) في محل نصب على الاستثناء من الإنسان (آمَنُوا) ماض وفاعله والجملة صلة (وَعَمِلُوا) معطوف على آمنوا (الصَّالِحاتِ) مفعول به (وَتَواصَوْا) معطوف على آمنوا (بِالْحَقِّ) متعلقان بالفعل (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) معطوفة على ما قبلها.