«يومئذ» بدل من إذا وجوابها «تُحدث أخبارها» تخبر بما عمل عليها من خير وشر.
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
وأقله العتاب الإلهي والتقرير عند السؤال على ما وقع منه ، فلا بد أن يقف على ما عمل ، فالمؤمن يرهب من هذا التوبيخ برؤية العمل القبيح الذي لا بد له من رؤيته ، ولم يتعرض الحق في هذه الآية للمؤاخذة به ، فالرؤية لا بد منها ،
فإن كان ممن غفر له يرى عظيم ما جنى وعظيم نعمة اللّه عليه بالمغفرة ، هذا يعطيه الخبر الإلهي الصدق الذي لا يدخله الكذب ، فإنه محال على الجناب الإلهي ، فإن نظر العالم إلى أن خطاب الحق لعباده إنما يكون بحسب ما تواطئوا عليه ،
وهذا خطاب عربي لسائر العرب بلسان ما اصطلحوا عليه ، من الأمور التي يتمدحون بها في عرفهم ومن الأمور التي يذمونها في عرفهم ، فعند العرب من مكارم الأخلاق أن الكريم إذا وعد وفا وإذا أوعد تجاوز وعفا ، وهي من مكارم أخلاقهم ومما يمدحون بها الكريم ،
ونزول الوعيد عليهم بما هو في عرفهم ، لم يتعرض في ذلك لما تعطيه الأدلة العقلية من عدم النسخ لبعض الأخبار ولاستحالة الكذب ، بل المقصود إتيان مكارم الأخلاق ، قال شاعرهم:
وإني إذا أوعدته أو وعدته *** لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
مدح نفسه بالعفو والتجاوز عمن جنى عليه ، بما أوعد على ذلك من العقوبة بالعفو والصفح ، ومدح نفسه بإنجاز ما وعد به من الخير ،
يقال في اللسان : وعدته في الخير والشر ، ولا يقال : أوعدته بالهمز إلا في الشر خاصة ، واللّه يقول (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ)
أي بما تواطئوا عليه ، والتجاوز والعفو عند العرب مما تواطئوا على الثناء به على من ظهر منه ، فاللّه أولى بهذه الصفة ، وقد عرفنا اللّه أن وعيده ينفذه فيمن شاء ويغفر لمن شاء .
[ إشارة : إذا زلزلت أرض الجسوم زلزاله: ]
-إشارة -إذا بلغت النفس التراق ، وقيل : من راق ، والتفت الساق بالساق ، وزلزلت أرض الجسوم زلزالها ، وبان للنفس ما عليها وما لها ، وزلت بها القدم ، حينئذ تندم ولا ينفعها الندم.
(100) سورة العاديات مكيّة
------------
(8) الفتوحات ج 2 /
533 - كتاب تاج الرسائل
وقوله : ( يومئذ تحدث أخبارها ) أي : تحدث بما عمل العاملون على ظهرها .
قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم ، حدثنا ابن المبارك - وقال الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي ، واللفظ له : حدثنا سويد بن نصر ، أخبرنا عبد الله - هو ابن المبارك - ، عن سعيد بن أبي أيوب ، عن يحيى بن أبي سليمان ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( يومئذ تحدث أخبارها ) قال : " أتدرون ما أخبارها ؟ " . قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها ، أن تقول : عمل كذا وكذا ، يوم كذا وكذا ، فهذه أخبارها " .
ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب .
وفي معجم الطبراني من حديث ابن لهيعة : حدثني الحارث بن يزيد - سمع ربيعة الجرشي - : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تحفظوا من الأرض ، فإنها أمكم ، وإنه ليس من أحد عامل عليها خيرا أو شرا ، إلا وهي مخبرة " .
قوله تعالى {يومئذ تحدث أخبارها} {يومئذ} منصوب بقوله {إذا زلزلت}. وقيل : بقوله {تحدث أخبارها}؛ أي تخبر الأرض بما عمل عليها من خير أو شر يومئذ. ثم قيل : هو من قول اللّه تعالى. وقيل : من قول الإنسان؛ أي يقول الإنسان ما لها تحدث أخبارها؛ متعجبا. وفي الترمذي عن أبي هريرة قال : قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية {يومئذ تحدث أخبارها} قال : (أتدرون ما أخبارها - قالوا اللّه ورسوله أعلم، قال : فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، تقول عمل يوم كذا، كذا وكذا. قال : فهذه أخبارها). قال : هذا حديث حسن صحيح. قال الماوردي، قوله {يومئذ تحدث أخبارها} : فيه ثلاثة أقاويل : أحدها {تحدث أخبارها} بأعمال العباد على ظهرها؛ قال أبو هريرة، ورواه مرفوعا. وهو قول من زعم أنها زلزلة القيامة. الثاني : تحدث أخبارها بما أخرجت من أثقالها؛ قاله يحيى بن سلام. وهو قول من زعم أنها زلزلة أشراط الساعة. قلت : وفي هذا المعنى حديث رواه ابن مسعود عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أنه قال : (إذا كان أجل العبد بأرض أوثبته الحاجة إليها، حتى إذا بلغ أقصى أثره قبضه اللّه، فتقول الأرض يوم القيامة : رب هذا ما استودعتني). أخرجه ابن ماجه في سننه. وقد تقدم. الثالث : أنها تحدث بقيام الساعة إذا قال الإنسان ما لها؟ قال ابن مسعود. فتخبر أن أمر الدنيا قد انقضى، وأمر الآخرة قد أتى. فيكون ذلك منها جوابا لهم عند سؤالهم، ووعيدا للكافر، وإنذارا للمؤمن. وفي حديثها بأخبارها ثلاثة أقاويل : أحدها : أن اللّه تعالى يقلبها حيوانا ناطقا؛ فتتكلم بذلك. الثاني : أن اللّه تعالى يحدث فيها الكلام. الثالث : أنه يكون منها بيان يقوم مقام الكلام. قال الطبري : تبين أخبارها بالرجة والزلزلة وإخراج الموتى. قوله تعالى {بأن ربك أوحى لها} أي إنها تحدث أخبارها أوحي اللّه {لها}، أي إليها. والعرب تضع لام الصفة موضع {إلى}. قال العجاج يصف الأرض : وحى لها القرار فاستقرت ** وشدها بالراسيات الثبت وهذا قول أبي عبيدة {أوحى لها} أي إليها. وقيل {أوحى لها} أي أمرها؛ قال مجاهد. وقال السدي {أوحى لها} أي قال لها. وقال : سخرها. وقيل : المعنى يوم تكون الزلزلة، وإخراج الأرض أثقالها، تحدث الأرض أخبارها؛ ما كان عليها من الطاعات والمعاصي، وما عمل على ظهرها من خير وشر. وروي ذلك عن الثوري وغيره. قوله تعالى {يومئذ يصدر الناس أشتاتا} أي فرقا؛ جمع شت. قيل : عن موقف الحساب؛ فريق يأخذ جهة اليمين إلى الجنة، وفريق آخر يأخذ جهة الشمال إلى النار؛ كما قال تعالى {يومئذ يتفرقون}[
الروم : 14] {يومئذ يصدعون}[
الروم : 43]. وقيل : يرجعون عن الحساب بعد فراغهم من الحساب. {أشتاتا} يعني فرقا فرقا. { ليروا أعمالهم} يعني ثواب أعمالهم. وهذا كما روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : (ما من أحد يوم القيامة إلا ويلوم نفسه، فإن كان محسنا فيقول : لم لا ازددت إحسانا؟ وإن كان غير ذلك يقول : لم لا نزعت عن المعاصي)؟ وهذا عند معاينة الثواب والعقاب. وكان ابن عباس يقول {أشتاتا} متفرقين على قدر أعمالهم أهل الإيمان على حدة، وأهل كل دين على حدة. وقيل : هذا الصدور، إنما هو عند النشور؛ يصدرون أشتاتا من القبور، فيصار بهم إلى موقف الحساب، ليروا أعمالهم في كتبهم، أو ليروا جزاء أعمالهم؛ فكأنهم وردوا القبور فدفنوا فيها، ثم صدروا عنها. والوارد : الجائي. والصادر : المنصرف. {أشتاتا} أي يبعثون من أقطار الأرض. وعلى القول الأول فيه تقديم وتأخير، مجازه : تحدث أخبارها، بأن ربك أوحى لها، ليروا أعمالهم. واعترض قوله {يومئذ يصدر الناس أشتاتا} متفرقين عن موقف الحساب. وقراءة العامة {ليروا} بضم الياء؛ أي ليريهم اللّه أعمالهم. وقرأ الحسن والزهري وقتادة والأعرج ونصر بن عاصم وطلحة بفتحها؛ وروي ذلك عن النبي صلى اللّه عليه وسلم.
يوم القيامة تخبر الأرض بما عُمل عليها من خير أو شر، وبأن الله سبحانه وتعالى أمرها بأن تخبر بما عُمل عليها.
{ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ } الأرض { أَخْبَارَهَا } أي: تشهد على العاملين بما عملوا على ظهرها من خير وشر، فإن الأرض من جملة الشهود الذين يشهدون على العباد بأعمالهم.
( يومئذ تحدث أخبارها ) فيقول الإنسان : " ما لها " ، أي تخبر الأرض بما عمل عليها .
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا عبد الله بن محمود ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب ، حدثنا يحيى بن أبي سليمان عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية ( يومئذ تحدث أخبارها ) قال : " أتدرون ما أخبارها " ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها ، أن تقول : عمل علي يوم كذا وكذا كذا وكذا قال : فهذه أخبارها " .
(يَوْمَئِذٍ) ظرف مضاف إلى مثله وهو بدل من إذا (تُحَدِّثُ) مضارع فاعله مستتر (أَخْبارَها) مفعول به والجملة جواب إذا لا محل لها.
Traslation and Transliteration:
Yawmaithin tuhaddithu akhbaraha
That day she will relate her chronicles,
O gün, bütün haberlerini anlatınca.
ce jour-là, elle contera son histoire,
an diesem Tag teilt sie ihre Nachrichten mit,
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الزلزلة (Al-Zalzalah - The Earthquake) |
ترتيبها |
99 |
عدد آياتها |
8 |
عدد كلماتها |
36 |
عدد حروفها |
156 |
معنى اسمها |
(الزلزَلة): اهْتِزَازَ الأرضِ وارتِجَافِهَا وتَحَرُّكَهَا |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ وَصْفِ زَلْزَلَةِ الأَرْضِ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الزَّلْزَلَةِ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (الزِّلْزَالِ)، وَسُورَةَ: ﴿إِذَا زُلۡزِلَتِ﴾ |
مقاصدها |
زَلْزَلَةُ الْقُلُوبِ وَتَرْهِيبُهَا مِنْ مِيزَانِ اللهِ الدَّقِيقِ لِإِحْصَاءِ الْأَعْمَالِ |
أسباب نزولها |
سُوْرَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آيَاتِهَا |
فضلها |
هي جَامِعَةٌ لِلفَلاَحِ فِي الدَّارَينِ، طَلَبَ رَجُلٌ مَنَ النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يُقرِئَهُ سُورَةً جَامِعَةً، فَأَقْرَأَهُ النَّبِيُّ ﷺ سُورَةَ (الزَّلْزَلَةِ) حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا؛ قَالَ الرَّجلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيهَا أَبَدًا، ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ». (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد).
مِن النَّظَائِرِ الَّتِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فعَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ «يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَمْ قَرَأَ ذَلِكَ عَمْدًا». (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ سُوْرَةِ (الزَّلْزَلَةِ) لِمَا قَبْلَهَا مِنْ سُوْرَةِ (البيِّنَةِ):نَاسَبَ مَجِيءُ (الزَّلْزَلَةِ) بَعْدَ (الْبَيِّنَةِ) لِبَيَانِ أَعْمَالِ مَنْ آمَنَ بِالبَيِّنَةِ وَمَنْ كَفَرَ بِهَ |