«والليل إذا يسْر» مقبلا ومدبرا.
فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29)
فلم تنسب ولا انتمت إلى غيره ، ممن اتخذ إلهه هواه .
------------
(29 - 30) الفتوحات ج 2 /
396 - كتاب التدبيرات
وقوله : ( والليل إذا يسر ) قال العوفي ، عن ابن عباس : أي إذا ذهب .
وقال عبد الله بن الزبير : ( والليل إذا يسر ) حتى يذهب بعضه بعضا .
وقال مجاهد ، وأبو العالية ، وقتادة ، ومالك ، عن زيد بن أسلم وابن زيد : ( والليل إذا يسر ) إذا سار .
وهذا يمكن حمله على ما قاله ابن عباس ، أي : ذهب . ويحتمل أن يكون المراد إذا سار ، أي : أقبل . وقد يقال : إن هذا أنسب ; لأنه في مقابلة قوله : ( والفجر ) فإن الفجر هو إقبال النهار وإدبار الليل ، فإذا حمل قوله : ( والليل إذا يسر ) على إقباله كان قسما بإقبال الليل وإدبار النهار ، وبالعكس ، كقوله : ( والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس ) [ التكوير : 17 ، 18 ] . وكذا قال الضحاك : ( [ والليل ] إذا يسر ) أي : يجري .
وقال عكرمة : ( والليل إذا يسر ) يعني : ليلة جمع . رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم .
ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام ، حدثنا أبو عامر ، حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو قال : سمعت محمد بن كعب القرظي ، يقول في قوله : ( والليل إذا يسر ) قال : اسر يا سار ولا تبين إلا بجمع .
قوله تعالى {والليل إذا يسر} وهذا قسم خامس. وبعد ما أقسم بالليالي العشر على الخصوص، أقسم بالليل على العموم. ومعنى {يسري} أي يسرى فيه؛ كما يقال : ليل نائم، ونهار صائم. قال : لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ** ونمت وما ليل الم ط ي بنائم ومنه قوله تعالى {بل مكر الليل والنهار}[سبأ : 33]. وهذا قول أكثر أهل المعاني، وهو قول القتبي والأخفش. وقال أكثر المفسرين : معنى {يسري} : سار فذهب. وقال قتادة وأبو العالية : جاء وأقبل. وروي عن إبراهيم {والليل إذا يسر} قال : إذا استوى. وقال عكرمة والكلبي ومجاهد ومحمد بن كعب في قوله {والليل } : هي ليلة المزدلفة خاصة؛ لاختصاصها باجتماع الناس فيها لطاعة اللّه. وقيل : ليلة القدر؛ لسراية الرحمة فيها، واختصاصها بزيادة الثواب فيها. وقيل : إنه أراد عموم الليل كله. قلت : وهو الأظهر، كما تقدم. واللّه أعلم. وقرأ ابن كثير وابن محيصن ويعقوب {يسري} بإثبات الياء في الحالين، على الأصل؛ لأنها ليست بمجزومة، فثبتت فيها الياء. وقرأ نافع وأبو عمرو بإثباتها في الوصل، وبحذفها في الوقف، وروي عن الكسائي. قال أبو عبيد : كان الكسائي يقول مرة بإثبات الياء في الوصل، وبحذفها في الوقف، اتباعا للمصحف. ثم رجع إلى حذف الياء في الحالين جميعا؛ لأنه رأس آية، وهي قراءة أهل الشام والكوفة، واختيار أبي عبيد، اتباعا للخط؛ لأنها وقعت في المصحف بغير ياء. قال الخليل : تسقط الياء منها اتفاقا لرؤوس الآي. قال الفراء : قد تحذف العرب الياء، وتكتفي بكسر ما قبلها. وأنشد بعضهم : كفاك كفٌّ ما تليق درهما ** جودا وأخرى تعط بالسيف الدما يقال : فلان ما يليق درهما من جوده؛ أي ما يمسكه، ولا يلصق به. وقال المؤرج : سألت الأخفش عن العلة في إسقاط الياء من {يسر} فقال : لا أجيبك حتى تبيت على باب داري سنة، فبت على باب داره سنة؛ فقال : الليل لا يَسْرِي وإنما يَسْرَى فيه؛ فهو مصروف، وكل ما صرفته عن جهته بخسته من إعرابه؛ ألا ترى إلى قوله تعالى {وما كانت أمك بغيا}[
مريم : 28]، لم يقل بغية، لأنه صرفها عن باغية. الزمخشري : وياء {يسري} تحذف في الدرج، اكتفاء عنها بالكسرة، وأما في الوقف فتحذف مع الكسرة. وهذه الأسماء كلها مجرورة بالقسم، والجواب محذوف، وهو ليعذبن؛ يدل عليه قوله تعالى {ألم تر كيف فعل ربك} إلى قوله تعالى {فصب عليهم ربك سوط عذاب}[
الفجر : 13]. وقال ابن الأنباري هو {إن ربك لبالمرصاد}[
الفجر : 14]. وقال مقاتل {هل} هنا في موضع إن؛ تقديره : إن في ذلك قسما لذي حجر. فـ {هل} على هذا، في موضع جواب القسم. وقيل : هي على بابها من الاستفهام الذي معناه التقرير؛ كقولك : ألم أنعم عليك؛ إذا كنت قد أنعمت. وقيل : المراد بذلك التأكيد لما أقسم به وأقسم عليه. والمعنى بل في ذلك مقنع لذي حجر. والجواب على هذا {إن ربك لبالمرصاد}[
الفجر : 14]. أو مضمر محذوف. قوله تعالى {لذي حجر} أي لذي لب وعقل. قال الشاعر : وكيف يرجى أن تتوب وإنما ** يرجى من الفتيان من كان ذا حجر كذا قال عامة المفسرين؛ إلا أن أبا مالك قال {لذي حجر} : لذي ستر من الناس. وقال الحسن : لذي حلم. قال الفراء : الكل يرجع إلى معنى واحد : لذي حجر، ولذي عقل، ولذي حلم، ولذي ستر؛ الكل بمعنى العقل. وأصل الحجر : المنع. يقال لمن ملك نفسه ومنعها : إنه لذو حجر؛ ومنه سمي الحجر، لامتناعه بصلابته : ومنه حجر الحاكم على فلان، أي منعه وضبطه عن التصرف؛ ولذلك سميت الحجرة حجرة، لامتناع ما فيها بها. وقال الفراء : العرب تقول : إنه لذو حجر : إذا كان قاهرا لنفسه، ضابطا لها؛ كأنه أخذ من حجرت على الرجل.
أقسم الله سبحانه بوقت الفجر، والليالي العشر الأوَل من ذي الحجة وما شرفت به، وبكل شفع وفرد، وبالليل إذا يَسْري بظلامه، أليس في الأقسام المذكورة مَقْنَع لذي عقل؟
{ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } أي: وقت سريانه وإرخائه ظلامه على العباد، فيسكنون ويستريحون ويطمئنون، رحمة منه تعالى وحكمة.
( والليل إذا يسر ) أي إذا سار وذهب كما قال تعالى " والليل إذ أدبر " ( المدثر - 33 ) وقال قتادة : إذا جاء وأقبل ، وأراد كل ليلة .
وقال مجاهد وعكرمة والكلبي : هي ليلة المزدلفة .
قرأ أهل الحجاز ، والبصرة : " يسري " بالياء في الوصل ، ويقف ابن كثير ويعقوب بالياء أيضا ، والباقون يحذفونها في الحالين ، فمن حذف فلوفاق رءوس الآي ، ومن أثبت فلأنها لام الفعل ، والفعل لا يحذف منه في الوقف ، نحو قوله : هو يقضي وأنا أقضي . وسئل الأخفش عن العلة في سقوط الياء ؟ فقال : الليل لا يسري ، ولكن يسرى فيه ، فهو مصروف ، فلما صرفه بخسه حقه من الإعراب ، كقوله : " وما كانت أمك بغيا " ولم يقل : " بغية " لأنها صرفت من باغية .
«وَاللَّيْلِ» معطوف أيضا «إِذا» ظرف زمان «يَسْرِ» مضارع فاعله مستتر والجملة في محل جر بالإضافة.
Traslation and Transliteration:
Waallayli itha yasri
And the night when it departeth,
Ve ışırken geceye.
Et par la nuit quand elle s'écoule!
und bei der Nacht, wenn sie vergeht!
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الفجر (Al-Fajr - The Dawn) |
ترتيبها |
89 |
عدد آياتها |
30 |
عدد كلماتها |
139 |
عدد حروفها |
573 |
معنى اسمها |
الْفَجْرُ: ضَوْءُ الصُّبْحِ، وَالمُرَادُ (بِالْفَجْرِ): وَقْتُ طُلُوعِهِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِالقَسَمِ (بِالْفَجْرِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الْفَجْرِ) |
مقاصدها |
بَيَانُ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ وَصِفَاتِهِ وَمَآلِهِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آيَاتِهَا |
فضلها |
لمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَوْ أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ، سِوَى أَنَّهَا مِنْ أَوسَاطِ المُفَصَّل |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ سُوْرَةِ (الفَجْرِ) لِمَا قَبْلَهَا مِنْ سُوْرَةِ (الغَاشِيَةِ):لَمَّا جَاءَ فِي أَوَاخِرِ (الْغاَشِيَةِ) الْأَمْرُ بِالتَّذْكِيرِ بِقَولِهِ: ﴿فَذَكِّرۡ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٞ ٢١﴾؛ ضَرَبَ لَهُ مَثَلًا لِلتَّذْكِيرِ بِالأَقوَامِ السَّابِقِينَ فِي أَوَائِلِ (الْفَجْرِ) فَقَالَ: ﴿أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ٦﴾... الآيَاتِ |