«لابثين» حال مقدرة، أي مقدَّرا لبثهم «فيها أحقابا» دهورا لا نهاية لها جمع حقب بضم أوله.
رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (38)
يوم الفصل والقضاء تأتي الملائكة بين يدي عرش الفصل والقضاء ، ملائكة السماوات ، ملائكة كل سماء على حدة متميزة عن غيرها ، فيكونون سبعة صفوف ، أهل كل سماء صف ، والروح قائم مقدم الجماعة ، وهو الملك الذي نزل بالشرائع على الرسل ، فيوم يقوم الروح وهو الإمام ، والملائكة صفا صفا فالإمام صف وحده
- الفرق بين الملك والروح-
كل روح مما هو تحت العقل الأول صاحب الكلمة فهو ملك ، وما فوقه فهو روح لا ملك ، فالملائكة ما بين مسخر ومدبر ، وكلهم رسل اللّه عن أمر اللّه حفظة ، وهم على مراتب ، ولهم معارج ونزول وصعود دنيا وآخرة ، فمنهم المسخرون في الدعاء والاستغفار للمؤمنين ، وآخرون في الاستغفار لمن في الأرض ، ومنهم المسخرون في مصالح
العالم المتعلقة بالدنيا ، ومنهم المسخرون في مصالح العالم المتعلقة بالآخرة ، وهذا القدر من العمل الذي هم عليه هو عبادتهم وصلاتهم ، وأما تسبيحهم فذكر اللّه في هذه الصلوات التي لهم ، كالقراءة والذكر لنا في صلاتنا ، ولا يزال الأمر كذلك إلى الوقت الذي يشاء اللّه أن تعم الرحمة جميع خلقه التي وسعت كل شيء ، فإذا عمتهم الرحمة لم يبق لبعض الملائكة الذي كان لهم الاستغفار من عبادتهم إلا التسبيح خاصة ، وبقيت الملائكة الذين لهم تعلق بأحوالنا في الجنان وحيث كان من كان من الدارين فذلك منهم لا ينقطع ، وزال عن أولئك اسم الملائكة وبقوا أرواحا لا شغل لهم إلا التسبيح والتمجيد للّه تعالى كسائر الأرواح المهيمة ، ف «لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً» اعلم أن خير الشفاعة والكلام ما أذن فيهما الرحمن .
------------
(38) الفتوحات ج 3 /
439 ، 194 ، 209 ، 479
وقوله : ( لابثين فيها أحقابا ) أي : ماكثين فيها أحقابا ، وهي جمع " حقب " ، وهو : المدة من الزمان . وقد اختلفوا في مقداره . فقال ابن جرير ، عن ابن حميد ، عن مهران ، عن سفيان الثوري ، عن عمار الدهني ، عن سالم بن أبي الجعد قال : قال علي بن أبي طالب لهلال الهجري : ما تجدون الحقب في كتاب الله المنزل ؟ قال : نجده ثمانين سنة ، كل سنة اثنا عشر شهرا ، كل شهر ثلاثون يوما كل يوم ألف سنة .
وهكذا روي عن أبي هريرة ، وعبد الله بن عمرو ، وابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وعمرو بن ميمون ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، والضحاك . وعن الحسن والسدي أيضا : سبعون سنة كذلك . وعن عبد الله بن عمرو : الحقب أربعون سنة ، كل يوم منها كألف سنة مما تعدون . رواهما ابن أبي حاتم .
وقال بشير بن كعب : ذكر لي أن الحقب الواحد ثلاثمائة سنة ، كل سنة ثلاثمائة وستون يوما ، كل يوم منها كألف سنة . رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم .
ثم قال ابن أبي حاتم : ذكر عن عمر بن علي بن أبي بكر الأسفذني : حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ، عن جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله : ( لابثين فيها أحقابا ) قال : فالحقب [ ألف ] شهر ، الشهر ثلاثون يوما ، والسنة اثنا عشر شهرا ، والسنة ثلاثمائة وستون يوما ، كل يوم منها ألف سنة مما تعدون ، فالحقب ثلاثون ألف ألف سنة . وهذا حديث منكر جدا ، والقاسم هو والراوي عنه وهو جعفر بن الزبير كلاهما متروك .
وقال البزار : حدثنا محمد بن مرداس ، حدثنا سليمان بن مسلم أبو المعلى قال : سألت سليمان التيمي : هل يخرج من النار أحد ؟ فقال حدثني نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " والله لا يخرج من النار أحد حتى يمكث فيها أحقابا " . قال : والحقب : بضع وثمانون سنة ، والسنة ثلاثمائة وستون يوما مما تعدون .
ثم قال : سليمان بن مسلم بصري مشهور .
وقال السدي : ( لابثين فيها أحقابا ) سبعمائة حقب ، كل حقب سبعون سنة ، كل سنة ثلاثمائة وستون يوما ، كل يوم كألف سنة مما تعدون .
وقد قال مقاتل بن حيان : إن هذه الآية منسوخة بقوله : ( فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا )
وقال خالد بن معدان : هذه الآية وقوله : ( إلا ما شاء ربك ) [ هود : 107 ] في أهل التوحيد . رواهما ابن جرير .
ثم قال : ويحتمل أن يكون قوله : ( لابثين فيها أحقابا ) متعلقا بقوله : ( لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا ) ثم يحدث الله لهم بعد ذلك عذابا من شكل آخر ونوع آخر . ثم قال : والصحيح أنها لا انقضاء لها ، كما قال قتادة والربيع بن أنس وقد قال قبل ذلك حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن زهير ، عن سالم : سمعت الحسن يسأل عن قوله : ( لابثين فيها أحقابا ) قال : أما الأحقاب فليس لها عدة إلا الخلود في النار ، ولكن ذكروا أن الحقب سبعون سنة ، كل يوم منها كألف سنة مما تعدون .
وقال سعيد ، عن قتادة : قال الله تعالى : ( لابثين فيها أحقابا ) وهو : ما لا انقطاع له ، كلما مضى حقب جاء حقب بعده ، وذكر لنا أن الحقب ثمانون سنة .
وقال الربيع بن أنس : ( لابثين فيها أحقابا ) لا يعلم عدة هذه الأحقاب إلا الله ، ولكن الحقب الواحد ثمانون سنة ، والسنة ثلاثمائة وستون يوما ، كل يوم كألف سنة مما تعدون . رواهما أيضا ابن جرير .
قوله تعالى {إن جهنم كانت مرصادا} مفعال من الرصد والرصد : كل شيء كان أمامك. قال الحسن : إن على النار رصدا، لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز عليه، فمن جاء بجواز جاز، ومن لم يجيء بجواز حبس. وعن سفيان رضي الله عنه قال : عليها ثلاث قناطر. وقيل {مرصادا} ذات أرصاد على النسب؛ أي ترصد من يمر بها. وقال مقاتل : محبسا. وقيل : طريقا وممرا، فلا سبيل إلى الجنة حتى يقطع جهنم. وفي الصحاح : والمرصاد : الطريق. وذكر القشيري : أن المرصاد المكان الذي يرصد فيه الواحد العدو، نحو المضمار : الموضع الذي تضمر فيه الخيل. أي هي معدة لهم؛ فالمرصاد بمعنى المحل؛ فالملائكة يرصدون الكفار حتى ينزلوا بجهنم. وذكر الماوردي عن أبي سنان أنها بمعنى راصدة، تجازيهم بأفعالهم. وفي الصحاح : الراصد الشيء : الراقب له؛ تقول : رصده يرصده رصدا ورصدا، والترصد : الترقب. والمرصد : موضع الرصد. الأصمعي : رصدته أرصده : ترقبته، وأرصدته : أعددت له. والكسائي : مثله. قلت : فجهنم معدة مترصدة، متفعل من الرصد وهو الترقب؛ أي هي متطلعة لمن يأتي. والمرصاد مفعال من أبنية المبالغة كالمعطار والمغيار، فكأنه يكثر من جهنم انتظار الكفار. {للطاغين مآبا} بدل من قوله {مرصادا} والمآب : المرجع، أي مرجعا يرجعون إليها؛ يقال : آب يؤوب أوبة : إذا رجع. وقال قتادة : مأوى ومنزلا. والمراد بالطاغين من طغى في دينه بالكفر، أو في دنياه بالظلم. قوله تعالى {لابثين فيها أحقابا} أي ماكثين في النار ما دامت الأحقاب، وهي لا تنقطع، فكلما مضى حقب جاء حقب. والحقب بضمتين : الدهر والأحقاب الدهور. والحقبة بالكسر : السنة؛ والجمع حقب؛ قال متمم بن نويرة التميمي : وكنا كندماني جذيمة حقبة ** من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فلما تفرقنا كأني ومالكا ** لطول اجتماع لم نبت ليلة معا والحقب بالضم والسكون : ثمانون سنة. وقيل : أكثر من ذلك وأقل، على ما يأتي، والجمع : أحقاب. والمعنى في الآية؛ [لابثين] فيها أحقاب الآخرة التي لا نهاية لها؛ فحذف الآخرة لدلالة الكلام عليه؛ إذ في الكلام ذكر الآخرة وهو كما يقال أيام الآخرة؛ أي أيام بعد أيام إلى غير نهاية، وإنما كان يدل على التوقيت لو قال خمسة أحقاب أو عشرة أحقاب. ونحوه وذكر الأحقاب لأن الحقب كان أبعد شيء عندهم، فتكلم بما تذهب إليه أوهامهم ويعرفونها، وهي كناية عن التأبيد، أي يمكثون فيها أبدا. وقيل : ذكر الأحقاب دون الأيام؛ لأن الأحقاب أهول في القلوب، وأدل على الخلود. والمعنى متقارب؛ وهذا الخلود في حق المشركين. ويمكن حمل الآية على العصاة الذين يخرجون من النار بعد أحقاب. وقيل : الأحقاب وقت لشربهم الحميم والغساق، فإذا انقضت فيكون لهم نوع آخر من العقاب؛ ولهذا قال {لابثين فيها أحقابا. لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا. إلا حميما وغساقا}. و{لابثين} اسم فاعل من لبث، ويقويه أن المصدر منه اللبث بالإسكان، كالشرب. وقرأ حمزة والكسائي {لبثين} بغير ألف وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد، وهما لغتان؛ يقال : رجل لابث ولبث، مثل طمع وطامع، وفره وفاره. ويقال : هو لبث بمكان كذا : أي قد صار اللبث شأنه، فشبه بما هو خلقة في الإنسان نحو حذر وفرق؛ لأن باب فعل إنما هو لما يكون خلقة في الشيء في الأغلب، وليس كذلك اسم الفاعل من لابث. والحقب : ثمانون سنة في قول ابن عمر وابن محيصن وأبي هريرة، والسنة ثلثمائة يوم وستون يوما، واليوم ألف سنة من أيام الدنيا، قاله ابن عباس. وروي ابن عمر هذا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو هريرة : والسنة ثلثمائة يوم وستون يوما كل يوم مثل أيام الدنيا. وعن ابن عمر أيضا : الحقب : أربعون سنة. السدي : سبعون سنة. وقيل : إنه ألف شهر. رواه أبو أمامة مرفوعا. بشير بن كعب : ثلاثمائة سنة. الحسن : الأحقاب لا يدري أحدكم هي، ولكن ذكروا أنها مائة حقب، والحقب الواحد منها سبعون ألف سنة، اليوم منها كألف سنة مما تعدون. وعن أبي أمامة أيضا، عن النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الحُقُب الواحد ثلاثون ألف سنة) ذكره المهدوي. والأول الماوردي. وقال قطرب : هو الدهر الطويل غير المحدود. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (والله لا يخرج من النار من دخلها حتى يكون فيها أحقابا، الحقب بضع وثمانون سنة، والسنة ثلثمائة وستون يوما، كل يوم ألف سنة مما تعدون؛ فلا يتكلن أحدكم على أن يخرج من النار). ذكره الثعلبي. القُرظي : الأحقاب : ثلاثة وأربعون، حقبا كل حقب سبعون خريفا، كل خريف سبعمائة سنة، كل سنة ثلثمائة وستون يوما، كل يوم ألف سنة. قلت : هذه أقوال متعارضة، والتحديد في الآية للخلود، يحتاج إلى توقيف يقطع العذر، وليس ذلك بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وإنما المعنى - والله أعلم - ما ذكرناه أولا؛ أي لابثين فيها أزمانا ودهورا، كلما مضى زمن يعقبه زمن، ودهر يعقبه دهر، هكذا أبد الآبدين من غير انقطاع. وقال ابن كيسان : معنى {لابثين فيها أحقابا} لا غاية لها انتهاء، فكأنه قال أبدا. وقال ابن زيد ومقاتل : إنها منسوخة بقوله تعالى{فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا} يعني أن العدد قد انقطع، والخلود قد حصل. قلت : وهذا بعيد؛ لأنه خبر، وقد قال تعالى {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط}[
الأعراف : 40] على ما تقدم. هذا في حق الكفار، فأما العصاة الموحدون فصحيح ويكون النسخ بمعنى التخصيص. والله أعلم. وقيل : المعنى {لابثين فيها أحقابا} أي في الأرض؛ إذ قد تقدم ذكرها ويكون الضمير في {لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا} لجهنم. وقيل : واحد الأحقاب حقب وحقبة؛ قال : فإن تنأ عنها حقبة لا تلاقها ** فأنت بما أحدثته بالمجرب وقال الكميت : مر لها بعد حقبة حقب قوله تعالى {لا يذوقون فيها} أي في الأحقاب {بردا ولا شرابا} البرد : النوم في قول أبي عبيدة وغيره؛ قال الشاعر : ولو شئت حرمت النساء سواكم ** وإن شئت لم أطعم نُقاخا ولا بردا وقاله مجاهد والسدي والكسائي والفضل بن خالد وأبو معاذ النحوي؛ وأنشدوا قول الكندي : بردت مراشفها علي فصدني ** عنها وعن تقبيلها البرد يعني النوم. والعرب تقول : منع البرد البرد، يعني : أذهب البرد النوم. قلت : وقد جاء الحديث أنه عليه الصلاة والسلام سئل هل في الجنة نوم. فقال : (لا؛ النوم أخو الموت، والجنة لا موت فيها) فكذلك النار؛ وقد قال تعالى {لا يقضى عليهم فيموتوا}[
فاطر : 36] وقال ابن عباس : البرد : برد الشراب. وعنه أيضا : البرد النوم : والشراب الماء. وقال الزجاج : أي لا يذوقون فيها برد ريح، ولا ظل، ولا نوم. فجعل البرد برد كل شيء له راحة، وهذا برد ينفعهم، فأما الزمهرير فهو برد يتأذون به، فلا ينفعهم، فلهم منه من العذاب ما الله أعلم به. وقال الحسن وعطاء وابن زيد : بردا : أي روحا وراحة؛ قال الشاعر : فلا الظل من برد الضحى تستطيعه ** ولا الفيء أوقات العشي تذوق قوله تعالى {لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا} جملة في موضع الحال من الطاغين، أو نعت للأحقاب؛ فالأحقاب ظرف زمان، والعامل فيه {لابثين} أو {لبثين} على تعدية فعل. {إلا حميما وغساقا} استثناء منقطع في قول من جعل البرد النوم، ومن جعله من البرودة كان بدلا منه. والحميم : الماء الحار؛ قاله أبو عبيدة. وقال ابن زيد : الحميم : دموع أعينهم، تجمع في حياض ثم يسقونه. قال النحاس : أصل الحميم : الماء الحار، ومنه اشتق الحمام، ومنه الحمى، ومنه {وظل من يحموم} : إنما يراد به النهاية في الحر. والغساق : صديد أهل النار وقيحهم. وقيل الزمهرير. وقرأ حمزة والكسائي بتشديد السين، وقد مضى في [ص] القول فيه. {جزاء وفاقا} أي موافقا لأعمالهم. عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما؛ فالوفاق بمعنى الموافقة كالقتال بمعنى المقاتلة. و{جزاء} نصب على المصدر، أي جازيناهم جزاء وافق أعمالهم؛ قال الفراء والأخفش. وقال الفراء أيضا : هو جمع الوفق، والوفق واللفق واحد. وقال مقاتل. وافق العذاب الذنب، فلا ذنب أعظم من الشرك، ولا عذاب أعظم من النار. وقال الحسن وعكرمة : كانت أعمالهم سيئة، فأتاهم الله بما يسوءهم. {إنهم كانوا لا يرجون} أي لا يخافون {حسابا} أي محاسبة على أعمالهم. وقيل : معناه لا يرجون ثواب حساب. الزجاج : أي إنهم كانوا لا يؤمنون بالبعث فيرجون حسابهم. {وكذبوا بآياتنا كذابا} أي بما جاءت به الأنبياء. وقيل : بما أنزلنا من الكتب. وقراءة العامة {كذابا} بتشديد الذال، وكسر الكاف، على كذب، أي كذبوا تكذيبا كبيرا. قال الفراء : هي لغة يمانية فصيحة؛ يقولون : كذبت [به] كذابا، وخرقت القميص خراقا؛ وكل فعل في وزن فعل فمصدره فعال مشدد في لغتهم؛ وأنشد بعض الكلابيين : لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي ** وعن حوج قضاؤها من شفائنا وقرأ علي رضي الله عنه {كذابا} بالتخفيف وهو مصدر أيضا. وقال أبو علي : التخفيف والتشديد جميعا : مصدر المكاذبة، كقول الأعشى : فصدقتها وكذبتها ** والمرء ينفعه كذابه أبو الفتح : جاءا جميعا مصدر كذب وكذب جميعا. الزمخشري {كذابا} بالتخفيف مصدر كذب؛ بدليل قوله : فصدقتها وكذبتها ** والمرء ينفعه كذابه وهو مثل قوله {أنبتكم من الأرض نباتا}[
نوح : 17] يعني وكذبوا بآياتنا أفكذبوا كذابا. أو تنصبه بـ {كذبوا}. لأنه يتضمن معنى كذبوا؛ لأن كل مكذب بالحق كاذب؛ لأنهم إذا كانوا عند المسلمين كاذبين، وكان المسلمون عندهم كاذبين، فبينهم مكاذبة. وقرأ ابن عمر {كذابا} بضم الكاف والتشديد، جمع كاذب؛ قاله أبو حاتم. ونصبه على الحال الزمخشري. وقد يكون الكذاب : بمعنى الواحد البليغ في الكذب، يقال : رجل كذاب، كقولك حسان وبخال، فيجعله صفة لمصدر {كذبوا} أي تكذيبا كذابا مفرطا كذبه. وفي الصحاح : وقوله تعالى {وكذبوا بآياتنا كذابا} وهو أحد مصادر المشدد؛ لأن مصدره قد يجيء على تفعيل مثل التكليم وعلى فعال كذاب وعلى تفعلة مثل توصية، وعلى مفعل؛ {ومزقناهم كل ممزق}. {وكل شيء أحصيناه كتابا} {كل} نصب بإضمار فعل يدل عليه {أحصيناه} أي وأحصينا كل شيء أحصيناه. وقرأ أبو السمال {وكل شيء} بالرفع على الابتداء. {كتابا} نصب على المصدر؛ لأن معنى أحصينا : كتبنا، أي كتبناه كتابا. ثم قيل : أراد به العلم، فإن ما كتب كان أبعد من النسيان. وقيل : أي كتبناه في اللوح المحفوظ لتعرفه الملائكة. وقيل : أراد ما كتب على العباد من أعمالهم. فهذه كتابة صدرت عن الملائكة الموكلين بالعباد بأمر الله تعالى إياهم بالكتابة؛ دليله قوله تعالى {وإن عليكم لحافظين. كراما كاتبين} [الانفطار : 10]. {فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا} قال أبو برزة : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أشد آية في القرآن؟ فقال : قوله تعالى {فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا} أي {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها}[
النساء : 56] و{كلما خبت زدناهم سعيرا}[
الإسراء : 97].
إن جهنم كانت يومئذ ترصد أهل الكفر الذين أُعِدَّت لهم، للكافرين مرجعًا، ماكثين فيها دهورًا متعاقبة لا تنقطع، لا يَطْعَمون فيها ما يُبْرد حرَّ السعير عنهم، ولا شرابًا يرويهم، إلا ماءً حارًا، وصديد أهل النار، يجازَون بذلك جزاء عادلا موافقًا لأعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا.
وأنهم يلبثون فيها أحقابا كثيرة و { الحقب } على ما قاله كثير من المفسرين: ثمانون سنة.
( لابثين ) قرأ حمزة ويعقوب : " لبثين " بغير ألف ، وقرأ العامة " لابثين " [ بالألف ] وهما لغتان . ( فيها أحقابا ) جمع حقب ، والحقب الواحد : ثمانون سنة ، كل سنة اثنا عشر شهرا ، كل شهر ثلاثون يوما ، كل يوم ألف سنة . روي ذلك عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - .
وقال مجاهد : " الأحقاب " ثلاثة وأربعون حقبا كل حقب سبعون خريفا ، كل خريف سبعمائة سنة ، كل سنة ثلاثمائة وستون يوما ، كل يوم ألف سنة .
قال الحسن : إن الله لم يجعل لأهل النار مدة ، بل قال : " لابثين فيها أحقابا " فوالله ما هو إلا [ إذا ] مضى حقب دخل آخر ثم آخر إلى الأبد ، فليس للأحقاب عدة إلا الخلود .
وروى السدي عن مرة عن عبد الله قال : لو علم أهل النار أنهم يلبثون في النار عدد حصى الدنيا لفرحوا ، ولو علم أهل الجنة أنهم يلبثون في الجنة عدد حصى الدنيا لحزنوا .
وقال مقاتل بن حيان : الحقب الواحد سبع عشرة ألف سنة . قال : وهذه الآية منسوخة نسختها فلن نزيدكم إلا عذابا يعني أن العدد قد ارتفع والخلود قد حصل .
و(لابِثِينَ) حال و(فِيها) متعلقان بما قبلهما و(أَحْقاباً) ظرف زمان
Traslation and Transliteration:
Labitheena feeha ahqaban
They will abide therein for ages.
Yıllar boyunca kalırlar orada.
Ils y demeureront pendant des siècles successifs.
Sie verweilen darin Zeitspannen.