«يتنازعون» يتعاطون بينهم «فيها» أي الجنة «كأسا» خمرا «لا لغوٌ فيها» أي بسبب شربها يقع بينهم «ولا تأثيم» به يلحقهم بخلاف خمر الدنيا.
فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (33)
فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (34) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (38)
أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43)
وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (44) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (47) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)
[" وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا . . .» الآية ]
جعل اللّه تعالى من باب الإشارات واللطائف قول الكفار حكم اللّه على نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم ، كما جعل قوله صلّى اللّه عليه وسلّم حكم اللّه علينا ، وفي هذه الآية تأنيس وبشارة لنا بأن أمر نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم بالصبر في هذه الآية على الحكم الرباني عليه في ذلك ، فأخبر بوجود الضيق والمشقة لذلك الحكم ، فكذلك إذا جاء الحكم منه علينا بما لا يوافق غرض النفس ، فيأخذه المؤمن عن مشقة وجهد وعناء ، فإنه لا يسقط عن مرتبة الإيمان وكأن هذه الآية تنفس عن الشدة التي في الآية التي في النساء (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) الآية وأضاف الحق إلى نفسه الأعين بلفظ الجمع ليدل على الكثرة ، فكل عين حافظة مدركة لأمر ما بأي وجه كان فهي عين الحق ، الذي له الحفظ والإدراك ، فذلك سبب الجمع فيها ، فعين اللّه حافظة بلا شك ، ولما عيّن اللّه أصحاب الحقوق
فقال صلّى اللّه عليه وسلّم : [ إن لربك عليك حقا ، وإن لنفسك عليك حقا ، وإن لأهلك عليك حقا ، فآت كل ذي حق حقه ]
وقال صلّى اللّه عليه وسلّم : [ لي وقت لا يسعني فيه غير ربي ] فهو للّه في ذلك الموطن لا لنفسه ولا لشيء من خلقه ، وسامحه الحق في رجوعه إلى أهله من هذا المقام ، لكونه ما يرجعه إلا حق اللّه الذي افترضه عليه لمن رجع إليه ، وهذا مقام يقتضي الصبر عن اللّه من حيث هذا المشهد الخاص ، فقال له صلّى اللّه عليه وسلّم : «وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ» برجوعك لأداء هذه الحقوق «فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا» لعلمه تعالى بأنه محب ، والمحب يتألم للفراق والاشتغال بشهود الغير ، والعبد مأمور بالرضى بالقضاء لا بكل مقضي به ، فقوله تعالى : «وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ» المأمور به ، فذلك الثبوت مع اللّه عند نفوذ الحكم الإلهي فيه ، أي حكم كان من بلاء أو عافية ، ولما كان مطلوب الإنسان بالطبع ، الخروج من الضيق إلى الانفساح والسعة والضياء المشرق ، لما يراه من ظلمة الطبع
وضيقه ، فلا يصبر ، فقيل له : أثبت للحكم فإنك لا تخلو عن نفوذ حكم فيك ، إما بما يسوؤك أو بما يسرك ، فإن ساءك فتحرك إلينا في رفعه عنك ، وإن سرك فتحرك إلينا في إبقائه عليك والشكر على ذلك ، فنزيدك ما يتضاعف به سرورك ولا يضعف ، فأنت رابح على كل حال ، وما أمرناك بالصبر إلا ليكون عبادة واجبة فتجازى جزاء من أدى الواجب «فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا» أي ما حكمنا عليك إلا بما هو الأصلح لك عندنا ، سواء سرك أم ساءك ، أي ما أنت بحيث نجهله ، أو ننساه ، فمن تحقق بهذه الآية يعطى الثبوت مع الحكم الرباني لما فيه من المصلحة ، وإن لم يشعر به العبد وجهله فهو في نفس الأمر مصلحة ، كان الحكم ما كان ، وهذا هو مقام الإحسان الأول ، الذي هو فوق الإيمان ، فله الشهود الدائم في اختلاف الأحكام ، ولا بد من اختلافها لأنه تعالى كل يوم هو في شأن «وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ» .
------------
(48) كتاب القسم الإلهي - الفتوحات ج 3 /
120 - ج 4 /
200 - ج 2 /
182 - ج 4 /
37 ، 439 ، 144 ، 143
وقوله ( يتنازعون فيها كأسا ) أي : يتعاطون فيها كأسا ، أي : من الخمر . قاله الضحاك . ( لا لغو فيها ولا تأثيم ) أي : لا يتكلمون عنها بكلام لاغ أي : هذيان ، ولا إثم أي : فحش ، كما تتكلم به الشربة من أهل الدنيا .
وقال ابن عباس : اللغو : الباطل . والتأثيم : الكذب .
وقال مجاهد : لا يستبون ولا يؤثمون .
وقال قتادة : كان ذلك في الدنيا مع الشيطان .
فنزه الله خمر الآخرة عن قاذورات خمر الدنيا وأذاها ، فنفى عنها - كما تقدم - صداع الرأس ، ووجع البطن ، وإزالة العقل بالكلية ، وأخبر أنها لا تحملهم على الكلام السيئ الفارغ عن الفائدة المتضمن هذيانا وفحشا ، وأخبر بحسن منظرها ، وطيب طعمها ومخبرها فقال : ( بيضاء لذة للشاربين لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون ) [ الصافات : 46 ، 47 ] ، وقال ( لا يصدعون عنها ولا ينزفون ) [ الواقعة : 19 ] ، وقال هاهنا : ( يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم )
قوله تعالى {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم} قرأ العامة {واتبعتهم} بوصل الألف وتشديد التاء وفتح العين وإسكان التاء. وقرأ أبو عمرو {وأتبعناهم} بقطع الألف وإسكان التاء والعين ونون؛ اعتبارا بقوله {ألحقنا بهم} ليكون الكلام على نسق واحد. {ذريتهم} الأولى فقرأها بالجمع ابن عامر وأبو عمرو ويعقوب ورواها عن نافع إلا أن أبا عمرو كسر التاء على المفعول وضم باقيهم. وقرأ الباقون {ذريتهم} على التوحيد وضم التاء وهو المشهور عن نافع. فأما الثانية فقرأها نافع وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب بكسر التاء على الجمع. الباقون {ذريتهم} على التوحيد وفتح التاء. واختلف في معناه؛ فقيل عن ابن عباس أربع روايات : الأولى أنه قال : إن الله ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه، وتلا هذه الآية. ورواه مرفوعا النحاس في [الناسخ والمنسوخ] له عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن الله عز وجل ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وإن كان لم يبلغها بعمله لتقربهم عينه) ثم قرأ {والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان} الآية. قال أبو جعفر : فصار الحديث مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذا يجب أن يكون؛ لأن ابن عباس لا يقول هذا إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إخبار عن الله عز وجل بما يفعله وبمعنى أنه أنزلها جل ثناؤه. الزمخشري : فيجمع الله لهم أنواع السرور بسعادتهم في أنفسهم، وبمزاوجة الحور العين، وبمؤانسة الإخوان المؤمنين، وباجتماع أولادهم ونسلهم بهم. وعن ابن عباس أيضا أنه قال : إن الله ليلحق بالمؤمن ذريته الصغار الذين لم يبلغوا الإيمان؛ قال المهدوي. والذرية تقع على الصغار والكبار، فإن جعلت الذرية هاهنا للصغار كان قوله تعالى {بإيمان} في موضع الحال من المفعولين، وكان التقدير {بإيمان} من الآباء. وإن جعلت الذرية للكبار كان قوله {بإيمان} حالا من الفاعلين. القول الثالث عن ابن عباس : أن المراد بالذين آمنوا المهاجرون والأنصار والذرية التابعون. وفي رواية عنه : إن كان الآباء أرفع درجة رفع الله الأبناء إلى الآباء، وإن كان الأبناء أرفع درجة رفع الله الآباء إلى الأبناء؛ فالآباء داخلون في اسم الذرية؛ كقوله تعالى {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون} [
يس : 41]. وعن ابن عباس أيضا يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا دخل أهل الجنة الجنة سأل أحدهم عن أبويه وعن زوجته وولده فيقال لهم إنهم لم يدركوا ما أدركت فيقول يا رب إني عملت لي ولهم فيؤمر بإلحاقهم به). وقالت خديجة رضي الله عنها : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ولدين لي ماتا في الجاهلية فقال لي : (هما في النار) فلما رأى الكراهية في وجهي قال : (لو رأيت مكانهما لأبغضتهما) قالت : يا رسول الله فولدي منك؟ قال : (في الجنة) ثم قال : (إن المؤمنين وأولادهم في الجنة والمشركين وأولادهم في النار) ثم قرأ {والذين آمنوا وأتبعتهم ذريتهم بإيمان} الآية. قوله تعالى {وما ألتناهم من عملهم من شيء} أي ما نقصنا الأبناء من ثواب أعمالهم لقصر أعمارهم، وما نقصنا الآباء من ثواب أعمالهم شيئا بإلحاق الذريات بهم. والهاء والميم راجعان إلى قوله تعالى {والذين آمنوا}. وقال ابن زيد : المعنى {وأتبعتهم ذريتهم بإيمان} ألحقنا بالذرية أبناءهم الصغار الذين لم يبلغوا العمل؛ فالهاء والميم على، هذا القول للذرية. وقرأ ابن كثير {وما ألتناهم} بكسر اللام. وفتح الباقون. وعن أبي هريرة {آلتناهم} بالمد؛ قال ابن الأعرابي : ألته يألته ألتا، وآلته يولته إيلاتا، ولاته يليته ليتا كلها إذا نقصه. وفي الصحاح : ولاته عن وجهه يلوته ويليته أي حبسه عن وجهه وصرفه، وكذلك ألاته عن وجهه فعل وأفعل بمعنى، ويقال أيضا : ما ألاته من عمله شيئا أي ما نقصه مثل ألته وقد مضى بـ [الحجرات]. قوله تعالى {كل امرئ بما كسب رهين} قيل : يرجع إلى أهل النار. قال ابن عباس : ارتهن أهل جهنم بأعمالهم وصار أهل الجنة إلى نعيمهم، ولهذا قال {كل نفس بما كسبت رهينة . إلا أصحاب اليمين} [
المدثر : 38 ـ 39]. وقيل : هو عام لكل إنسان مرتهن بعمله فلا ينقص أحد من ثواب عمله، فأما الزيادة على ثواب العمل فهي تفضل من الله. ويحتمل أن يكون هذا في الذرية الذين لم يؤمنوا فلا يلحقون آباءهم المؤمنين بل يكونون مرتهنين بكفرهم. قوله تعالى {وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون} أي أكثرنا لهم من ذلك زيادة من الله، أمدهم بها غير الذي كان لهم. {يتنازعون فيها كأسا} أي يتناولها بعضهم من بعض وهو المؤمن وزوجاته وخدمه في الجنة. والكأس : إناء الخمر وكل إناء مملوء من شراب وغيره؛ فإذا فرغ لم يسم كأسا وشاهد التنازع والكأس في اللغة قول الأخطل : وشارب مربح بالكأس نادمني ** لا بالحضور ولا فيها بسوار نازعته طيب الراح الشمول وقد ** صاح الدجاج وحانت وقعة الساري وقال امرؤ القيس : فلما تنازعنا الحديث وأسمحت ** هصرت بغصن ذي شماريخ ميال وقد مضى هذا في {والصافات}. {لا لغو فيها} أي في الكأس أي لا يجري بينهم لغو {ولا تأثيم} ولا ما فيه إثم. والتأثيم تفعيل من الإثم؛ أي تلك الكأس لا تجعلهم آثمين لأنه مباح لهم. وقيل {لا لغو فيها} أي في الجنة. قال ابن عطاء : أي لغو يكون في مجلس محله جنة عدن، وسقاتهم الملائكة، وشربهم على ذكر الله، وريحانهم وتحيتهم من عند الله، والقوم أضياف الله! }ولا تأثيم} أي ولا كذب؛ قاله ابن عباس. الضحاك : يعني لا يكذب بعضهم بعضا. وقرأ ابن كثير وابن محيصن وأبو عمرو {لا لغو فيها ولا تأثيم}بفتح آخره. الباقون بالرفع والتنوين. وقد مضى هذا في البقرة عند قوله تعالى {ولا خلة ولا شفاعة} [
البقرة : 254] والحمد لله. قوله تعالى {ويطوف عليهم غلمان لهم} أي بالفواكه والتحف والطعام والشراب؛ ودليله{يطاف عليهم بصحاف من ذهب} [
الزخرف : 71]، {يطاف عليهم بكأس من معين}[
الصافات : 45]. ثم قيل : هم الأطفال من أولادهم الذين سبقوهم، فأقر الله تعالى بهم أعينهم. وقيل : إنهم من أخدمهم الله تعالى إياهم من أولاد غيرهم. وقيل : هم غلمان خلقوا في الجنة. قال الكلبي : لا يكبرون أبدا {كأنهم} في الحسن والبياض {لؤلؤ مكنون}في الصدف، والمكنون المصون. وقوله تعالى {يطوف عليهم ولدان مخلدون} [
الواقعة : 17]. قيل : هم أولاد المشركين وهم خدم أهل الجنة. وليس في الجنة نصب ولا حاجة إلى خدمة، ولكنه أخبر بأنهم على نهاية النعيم. وعن عائشة رضي الله عنها : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينادي الخادم من خدمه فيجيبه ألف كلهم لبيك لبيك). وعن عبدالله بن عمر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما من أحد من أهل الجنة إلا يسعى عليه ألف غلام كل غلام على عمل ليس عليه صاحبه). وعن الحسن أنهم قالوا : يا رسول الله إذا كان الخادم كاللؤلؤ فكيف يكون المخدوم؟ فقال : (ما بينهما كما بين القمر ليلة البدر وبين أصغر الكواكب). قال الكسائي : كننت الشيء سترته وصنته من الشمس، وأكننته في نفسي أسررته. وقال أبو زيد : كننته وأكننته بمعنى في الكن وفي النفس جميعا؛ تقول : كننت العلم وأكننته فهو مكنون ومكن. وكننت الجارية وأكننتها فهي مكنونة ومكنة.
وزدناهم على ما ذُكر من النعيم فواكه ولحومًا مما يستطاب ويُشتهى، ومن هذا النعيم أنهم يتعاطَوْن في الجنة كأسًا من الخمر، يناول أحدهم صاحبه؛ ليتم بذلك سرورهم، وهذا الشراب مخالف لخمر الدنيا، فلا يزول به عقل صاحبه، ولا يحصل بسببه لغو، ولا كلام فيه إثم أو معصية.
{ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا } أي: تدور كاسات الرحيق والخمر عليهم، ويتعاطونها فيما بينهم، وتطوف عليهم الولدان المخلدون بأكواب وأباريق وكأس { لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ } أي: ليس في الجنة كلام لغو، وهو الذي لا فائدة فيه ولا تأثيم، وهو الذي فيه إثم ومعصية، وإذا انتفى الأمران، ثبت الأمر الثالث، وهو أن كلامهم فيها سلام طيب طاهر، مسر للنفوس، مفرح للقلوب، يتعاشرون أحسن عشرة، ويتنادمون أطيب المنادمة، ولا يسمعون من ربهم، إلا ما يقر أعينهم، ويدل على رضاه عنهم [ومحبته لهم].
( يتنازعون ) يتعاطون ويتناولون ( فيها كأسا لا لغو فيها ) وهو الباطل ، وروي ذلك عن قتادة ، وقال مقاتل بن حيان : لا فضول فيها . وقال سعيد بن المسيب : لا رفث فيها . وقال ابن زيد : لا سباب ولا تخاصم فيها . وقال القتيبي : لا تذهب عقولهم فيلغوا ويرفثوا ( ولا تأثيم ) أي لا يكون منهم ما يؤثمهم . قال الزجاج : لا يجري بينهم ما يلغي ولا ما فيه إثم كما يجري في الدنيا لشربة الخمر . وقيل : لا يأثمون في شربها .
(يَتَنازَعُونَ) مضارع مرفوع والواو فاعله والجملة حال (فِيها) متعلقان بالفعل (كَأْساً) مفعول به (لا) نافية مهملة (لَغْوٌ) مبتدأ (فِيها) جار ومجرور خبره والجملة صفة كأس (وَلا تَأْثِيمٌ) معطوف على لا لغو
Traslation and Transliteration:
YatanazaAAoona feeha kasan la laghwun feeha wala tatheemun
There they pass from hand to hand a cup wherein is neither vanity nor cause of sin.
Ve birbirlerine öyle bir kadeh sunarlar ki içtikleri şaRabın sonucunda ne boş şeylerden bahsediş var, ne günaha giriş.
Là, ils se passeront les uns les autres une coupe qui ne provoquera ni vanité ni incrimination.
Sie reichen darin einander Becher, mit dem weder sinnloses Gerede noch Verfehlendes ist.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الطور (At-Tur - The Mount) |
ترتيبها |
52 |
عدد آياتها |
49 |
عدد كلماتها |
312 |
عدد حروفها |
1293 |
معنى اسمها |
(الطُّورُ): اسْمُ الجَبَلِ الَّذِي كَلَّمَ اللهُ تَعَالَى عِنْدَهُ مُوسَى عليه السلام، وَيُسَمَّى بطُورِ سَيْنَاءَ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بالقَسَمِ فِيهَا بِجَبَلِ (الطُّورِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِهَا وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعْرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الطُّورِ) |
مقاصدها |
عَرْضُ شُبُهَاتِ المُكَذِّبِينَ بِالرِّسَالَةِ وَالرَّدُ عَلَيهَا، وَبَيَانُ جَزَاءِ الْمُتَّقِينَ المُؤْمِنِينَ بِالرِّسَالَةِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
خَصَّهَا النَّبِيُ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَعَنْ جُبَيرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه قَالَ: «سَمِعْنَا رَسْولَ اللهِ ﷺ قَرَأَ فِي المَغْرِبِ بِالطُور». (رَوَاهُ البُخارِيّ).
مِنَ النَّظَائِرِ التِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَفِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الطَوِيْلِ قَالَ: «كَانَ النَّبِيَّ ﷺ يَقْرأُ النَّظائِرَ؛ السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ ، (وَالطُّورَ والذَّاريَاتِ) فِي رَكْعَةٍ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الطُّورِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَن تَقْرِيرِ الْعَذَابِ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ، فَقَالَ فِي أوَّلِهَا: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَٰقِعٞ ٧﴾، وَقَالَ فِي أَوَاخِرِهَا: ﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَابٗا دُونَ ذَٰلِكَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ٤٧﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الطُّورِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الذَّارِيَات): لَمَّا خُتِمَتِ (الذَّارِيَاتُ) بِذِكْرِ الْعَذَابِ؛ بِقَولِهِ: ﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوبٗا مِّثۡلَ ذَنُوبِ أَصۡحَٰبِهِمۡ فَلَا يَسۡتَعۡجِلُونِ ٥٩﴾؛ افْتُتِحَتِ (الطُّورُ) بِتَقْرِيرِ الْعَذَابِ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَٰقِعٞ ٧﴾. |