«يطاف عليهم» على كل منهم «بكأس» هو الإناء بشرابه «من معين» من خمر يجري على وجه الأرض كأنهار الماء.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (182)
والحمد للّه أي عواقب الثناء إذ كل ما جاءوا به إنما قصدوا به الثناء على اللّه ، فعواقب
[ إشارة : الحمد للّه ]
الثناء على اللّه بما نزه نفسه عنه وبما نزهه العباد به ، فإن الحمد العاقب ، فعواقب الثناء ترجع إلى اللّه ، وعاقب الأمر آخره «رَبِّ الْعالَمِينَ» من حيث ثبوته في ربوبيته بما يستحقه الرب من النعوت المقدسة ، وهو سيد العالم ومربيهم ومغذيهم ومصلحهم ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، ومن سياق الآيات دل على أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم حمد اللّه رب العالمين عقيب نصره وظفره بخيبر ، فهو حمد نعمة - إشارة - «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» جاءت في أول سورة الفاتحة ، وفي وسط سورة يونس ، وفي آخر سورة الصافات ، فعمت الطرفين والواسطة .
(38) سورة ص مكيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(182) الفتوحات ج 3 /
537 ، 196
وقوله ( يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون ) ، كما قال في الآية الأخرى : ( يطوف عليهم ولدان مخلدون . بأكواب وأباريق وكأس من معين . لا يصدعون عنها ولا ينزفون ) [ الواقعة : 17 - 19 ] فنزه الله خمر الآخرة عن الآفات التي في خمر الدنيا ، من صداع الرأس ووجع البطن - وهو الغول - وذهابها بالعقل جملة ، فقال تعالى هاهنا : ( يطاف عليهم بكأس من معين ) أي : بخمر من أنهار جارية ، لا يخافون انقطاعها ولا فراغها .
قال مالك ، عن زيد بن أسلم : خمر جارية بيضاء ، أي : لونها مشرق حسن بهي لا كخمر الدنيا في منظرها البشع الرديء ، من حمرة أو سواد أو اصفرار أو كدورة ، إلى غير ذلك مما ينفر الطبع السليم .
قوله تعالى: {أولئك لهم رزق معلوم} يعني المخلصين؛ أي لهم عطية معلومة لا تنقطع. قال قتادة : يعني الجنة. وقال غيره : يعني رزق الجنة. وقيل : هي الفواكه التي ذكر قال مقاتل : حين يشتهونه. وقال ابن السائب : إنه بمقدار الغداة والعشي؛ قال الله تعالى: {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا} {مريم : 62]. {فواكه} جمع فاكهة؛ قال الله تعالى: {وأمددناهم بفاكهة} [
الطور : 22] وهي الثمار كلها رطبها ويابسها؛ قاله ابن عباس. {وهم مكرمون} أي ولهم إكرام من الله جل وعز برفع الدرجات وسماع كلامه ولقائه. {في جنات النعيم} أي في بساتين يتنعمون فيها. وقد تقدم أن الجنان سبع في سورة {يونس} منها النعيم. قوله تعالى: {على سرر متقابلين} قال عكرمة ومجاهد : لا ينظر بعضهم في قفا بعض تواصلا وتحاببا. وقيل : الأسرة تدور كيف شاءوا فلا يرى أحد قفا أحد. وقال ابن عباس : على سرر مكللة بالدر والياقوت والزبرجد؛ السرير ما بين صنعاء إلى الجابية، وما بين عدن إلى أيلة. وقيل : تدور بأهل المنزل الواحد. والله أعلم. {يطاف عليهم بكأس من معين} لما ذكر مطاعمهم ذكر شرابهم. والكأس عند أهل اللغة اسم شامل لكل إناء مع شرابه؛ فإن كان فارغا فليس بكأس. قال الضحاك والسدي : كل كأس في القرآن فهي الخمر، والعرب تقول للإناء إذا كان فيه خمر كأس، فإذا لم يكن فيه خمر قالوا إناء وقدح. النحاس : وحكى من يوثق به من أهل اللغة أن العرب تقول للقدح إذا كان فيه خمر : كأس؛ فإذا لم يكن فيه خمر فهو قدح؛ كما يقال للخوان إذا كان عليه طعام : مائدة؛ فإذا لم يكن عليه طعام لم تقل له مائدة. قال أبو الحسن بن كيسان : ومنه ظعينة للهودج إذا كان فيه المرأة. وقال الزجاج: {بكأس من معين} أي من خمر تجري كما تجري العيون على وجه الأرض. والمعين : الماء الجاري الظاهر. {بيضاء} صفة للكأس. وقيل : للخمر. قال الحسن : خمر الجنة أشد بياضا من اللبن. وقيل: {بيضاء} أي لم يعتصرها الرجال بأقدامهم. {لذة للشاربين} {لذة} قال الزجاج : أي ذات لذة فحذف المضاف. وقيل : هو مصدر جعل اسما أي بيضاء لذيذة؛ يقال شراب لذ ولذيذ، مثل نبات غض وغضيض. فأما قول القائل : ولذ كطعم الصرخدي تركته ** بأرض العدا من خشية الحدثان فإنه يريد النوم. {لا فيها غول} أي لا تغتال عقولهم، ولا يصيبهم منها مرض ولا صداع. {ولا هم عنها ينزفون} أي لا تذهب عقولهم بشربها؛ يقال : الخمر غول للحلم، والحرب غول للنفوس؛ أي تذهب بها. وقال : نزف الرجل ينزف فهو منزوف ونزيف إذا سكر. قال امرؤ القيس : وإذا هي تمشي كمشي النزيـ ** ـف يصرعه بالكثيــب البهر وقال أيضا : نزيف إذا قام لوجه تمايلـت ** تراشي الفؤاد الرخص ألا تخترا وقال آخر : فلثمت فاها آخذا بقرونها ** شرب النزيف ببرد ماء الحشرج وقرأ حمزة والكسائي بكسر الزاي؛ من أنزف القوم إذا حان منهم النزف وهو السكر. يقال : أحصد الزرع إذا حان حصاده، وأقطف الكرم إذا حان قطافه، وأركب المهر إذا حان ركوبه. وقيل : المعنى لا ينفدون شرابهم؛ لأنه دأبهم؛ يقال : أنزف الرجل فهو منزوف إذا فنيت خمره. قال الحطيئة : لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم ** لبئس الندامى كنتم آل أبجرا النحاس : والقراءة الأولى أبين وأصح في المعنى؛ لأن معنى {ينزفون} عند جلة أهل التفسير منهم مجاهد لا تذهب عقولهم؛ فنفى الله عز وجل عن خمر الجنة الآفات التي تلحق في الدنيا من خمرها من الصداع والسكر. ومعنى {ينزفون} الصحيح فيه أنه يقال : أنزف الرجل إذا نفد شرابه، وهو يبعد أن يوصف به شراب الجنة؛ ولكن مجازه أن يكون بمعنى لا ينفد أبدا. وقيل: {لا ينزفون} بكسر الزاي لا يسكرون؛ ذكره الزجاج وأبو علي على ما ذكره القشيري. المهدوي : ولا يكون معناه يسكرون؛ لأن قبله {لا فيها غول}. أي لا تغتال عقولهم فيكون تكرارا؛ ويسوغ ذلك في {الواقعة}. ويجوز أن يكون معنى {لا فيها غول} لا يمرضون؛ فيكون معنى {ولا هم عنها ينزفون} لا يسكرون أو لا ينفد شرابهم. قال قتادة الغول وجع البطن. وكذا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد {لا فيها غول} قال لا فيها وجع بطن. الحسن : صداع. وهو قول ابن عباس {لا فيها غول} لا فيها صداع. وحكى الضحاك عنه أنه قال : في الخمر أربع خصال : السكر والصداع والقيء والبول؛ فذكر الله خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال. مجاهد : داء. ابن كيسان : مغص. وهذه الأقوال متقاربة. وقال الكلبي: {لا فيها غول} أي إثم؛ نظيره: {لا لغو فيها ولا تأثيم {الطور : 23]. وقال الشعبي والسدي وأبو عبيدة : لا تغتال عقولهم فتذهب بها. ومنه قول الشاعر : وما زالت الكأس تغتالنا ** وتذهب بالأول الأول أي تصرع واحدا واحدا. وإنما صرف الله تعالى السكر عن أهل الجنة لئلا ينقطع الالتذاذ عنهم بنعيمهم. وقال أهل المعاني : الغول فساد يلحق في خفاء. يقال : اغتاله اغتيالا إذا أفسد عليه أمره في خفية. ومنه الغول والغيلة : وهو القتل خفية. قوله تعالى: {وعندهم قاصرات الطرف} أي نساء قد قصرن طرفهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى غيرهم؛ قاله ابن عباس ومجاهد ومحمد بن كعب وغيرهم. عكرمة: {قاصرات الطرف} أي محبوسات على أزواجهن. والتفسير الأول أبين؛ لأنه ليس في الآية مقصورات ولكن في موضع آخر {مقصورات} يأتي بيانه. و{قاصرات} مأخوذ من قولهم : قد اقتصر على كذا إذا اقتنع به وعدل عن غيره؛ قال امرؤ القيس : من القاصرات الطرف لو دب مُحول ** من الذر فوق الإتب منها لأثرا ويروى : فوق الخد. والأول أبلغ. والإتب القميص، والمحول الصغير من الذر. وقال مجاهد أيضا : معناه لا يغرن. {عين} عظام العيون الواحدة عيناء؛ وقال السدي. مجاهد{عين} حسان العيون. الحسن : الشديدات بياض العين، الشديدات سوادها. والأول أشهر في اللغة. يقال : رجل أعين واسع العين بيّن العين، والجمع عين. وأصله فعل بالضم فكسرت العين؛ لئلا تنقلب الواو ياء. ومنه قيل لبقر الوحش عين، والثور أعين، والبقرة عيناء. {كأنهن بيض مكنون} أي مصون. قال الحسن وابن زيد : شبهن ببيض النعام، تكنها النعامة بالريش من الريح والغبار، فلونها أبيض في صفرة وهو حسن ألوان النساء. وقال ابن عباس وابن جبير والسدي : شبهن ببطن البيض قبل أن يقشر وتمسه الأيدي. وقال عطاء : شبهن بالسحاء الذي يكون بين القشرة العليا ولباب البيض. وسحاة كل شيء : قشره والجمع سحا؛ قاله الجوهري. ونحوه قول الطبري، قال : هو القشر الرقيق، الذي على البيضة بين ذلك. وروي نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم. والعرب تشبه المرأة بالبيضة لصفائها وبياضها؛ قال امرؤ القيس : وبيضةِ خدر لا يرام خباؤها ** تمتعت من لهو بها غير معجَل وتقول العرب إذا وصفت الشيء بالحسن والنظافة : كأنه بيض النعام المغطى بالريش. وقيل : المكنون المصون عن الكسر؛ أي إنهن عذارى. وقيل : المراد بالبيض اللؤلؤ؛ كقوله تعالى: {وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون} [
الواقعة : 23] أي في أصدافه؛ قاله ابن عباس أيضا. ومنه قول الشاعر : وهي بيضاء مثل لؤلؤة الغـ ** ـواص ميزت من جوهر مكنون وإنما ذكر المكنون والبيض جمع؛ لأنه رد النعت إلى اللفظ.
يدار عليهم في مجالسهم بكؤوس خمر من أنهار جارية، لا يخافون انقطاعها، بيضاء في لونها، لذيذة في شربها، ليس فيها أذى للجسم ولا للعقل.
{ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ } أي: يتردد الولدان المستعدون لخدمتهم بالأشربة اللذيذة، بالكاسات الجميلة المنظر، المترعة من الرحيق المختوم بالمسك، وهي كاسات الخمر.
( يطاف عليهم بكأس ) إناء فيه شراب ولا يكون كأسا حتى يكون فيه شراب ، وإلا فهو إناء ، ( من معين ) خمر جارية في الأنهار ظاهرة تراها العيون .
(يُطافُ) مضارع مبني للمجهول والجملة استئنافية لا محل لها (عَلَيْهِمْ) متعلقان بيطاف (بِكَأْسٍ) متعلقان بيطاف أيضا (مِنْ مَعِينٍ) صفة لكأس.
Traslation and Transliteration:
Yutafu AAalayhim bikasin min maAAeenin
A cup from a gushing spring is brought round for them,
Kaynakları meydanda, akıp duran şarap ırmaklarından taslar sunulur onlara.
On fera circuler entre eux une coupe d'eau remplie à une source
Und ihnen wird Wein aus einer Quelle serviert,
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الصافات (As-Saffat - Those who set the Ranks) |
ترتيبها |
37 |
عدد آياتها |
182 |
عدد كلماتها |
865 |
عدد حروفها |
3790 |
معنى اسمها |
الصَّافَّاتُ: جَمْعُ (الصَّافَّةُ)، وَالمُرَادُ (بِالصَّافَّاتِ): المَلائِكَةُ تَصُفُّ لِرَبِّهَا فِي السَّمَاءِ كَصُفُوفِ المُصَليِّنَ فِي الصَّلاةِ |
سبب تسميتها |
دِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الصَّافَّاتِ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (الذَّبْحِ) |
مقاصدها |
امْتِنَانُ اللهِ تعَالَى علَى عِبَادِهِ بِنِعْمَةِ الْخَلْقِ وَالرُّسُلِ، وَرَدُّ شُبُهَاتِ المُكَذِّبِينَ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
خَصَّهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بِن عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَأْمُرُنَا بِالتَّخْفِيفِ وَيَؤُمُّنَا بِالصَّافَّاتِ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ النَّسائِي) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الصَّافَّاتِ) بِآخِرِهَا: تَنْزِيهُ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ مِنْ شُبْهَةِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ فِي أَوّلِ السُّورَةِ: ﴿ إِنَّ إِلَٰهَكُمۡ لَوَٰحِدٞ ٤﴾، وَرَدَّ عَلَيهِمْ فِي خِتَامِهَا فَقَالَ: ﴿سُبۡحَٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلۡعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ١٨٠﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الصَّافَّاتِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (يسٓ): خُتِمَتْ (يسٓ) بِسَعَةِ مُلْكِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ: ﴿فَسُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيۡءٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ٨٣﴾، وافتُتِحَتِ (الصَّافَّاتُ) بذَلِكَ فَقَالَ: ﴿رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا وَرَبُّ ٱلۡمَشَٰرِقِ ٥﴾. |