المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الطور: [الآية 3]
سورة الطور | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (33)
فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (34) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (38)
أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43)
وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (44) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (47) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)
[" وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا . . .» الآية ]
جعل اللّه تعالى من باب الإشارات واللطائف قول الكفار حكم اللّه على نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم ، كما جعل قوله صلّى اللّه عليه وسلّم حكم اللّه علينا ، وفي هذه الآية تأنيس وبشارة لنا بأن أمر نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم بالصبر في هذه الآية على الحكم الرباني عليه في ذلك ، فأخبر بوجود الضيق والمشقة لذلك الحكم ، فكذلك إذا جاء الحكم منه علينا بما لا يوافق غرض النفس ، فيأخذه المؤمن عن مشقة وجهد وعناء ، فإنه لا يسقط عن مرتبة الإيمان وكأن هذه الآية تنفس عن الشدة التي في الآية التي في النساء (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) الآية وأضاف الحق إلى نفسه الأعين بلفظ الجمع ليدل على الكثرة ، فكل عين حافظة مدركة لأمر ما بأي وجه كان فهي عين الحق ، الذي له الحفظ والإدراك ، فذلك سبب الجمع فيها ، فعين اللّه حافظة بلا شك ، ولما عيّن اللّه أصحاب الحقوق
فقال صلّى اللّه عليه وسلّم : [ إن لربك عليك حقا ، وإن لنفسك عليك حقا ، وإن لأهلك عليك حقا ، فآت كل ذي حق حقه ]
وقال صلّى اللّه عليه وسلّم : [ لي وقت لا يسعني فيه غير ربي ] فهو للّه في ذلك الموطن لا لنفسه ولا لشيء من خلقه ، وسامحه الحق في رجوعه إلى أهله من هذا المقام ، لكونه ما يرجعه إلا حق اللّه الذي افترضه عليه لمن رجع إليه ، وهذا مقام يقتضي الصبر عن اللّه من حيث هذا المشهد الخاص ، فقال له صلّى اللّه عليه وسلّم : «وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ» برجوعك لأداء هذه الحقوق «فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا» لعلمه تعالى بأنه محب ، والمحب يتألم للفراق والاشتغال بشهود الغير ، والعبد مأمور بالرضى بالقضاء لا بكل مقضي به ، فقوله تعالى : «وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ» المأمور به ، فذلك الثبوت مع اللّه عند نفوذ الحكم الإلهي فيه ، أي حكم كان من بلاء أو عافية ، ولما كان مطلوب الإنسان بالطبع ، الخروج من الضيق إلى الانفساح والسعة والضياء المشرق ، لما يراه من ظلمة الطبع
وضيقه ، فلا يصبر ، فقيل له : أثبت للحكم فإنك لا تخلو عن نفوذ حكم فيك ، إما بما يسوؤك أو بما يسرك ، فإن ساءك فتحرك إلينا في رفعه عنك ، وإن سرك فتحرك إلينا في إبقائه عليك والشكر على ذلك ، فنزيدك ما يتضاعف به سرورك ولا يضعف ، فأنت رابح على كل حال ، وما أمرناك بالصبر إلا ليكون عبادة واجبة فتجازى جزاء من أدى الواجب «فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا» أي ما حكمنا عليك إلا بما هو الأصلح لك عندنا ، سواء سرك أم ساءك ، أي ما أنت بحيث نجهله ، أو ننساه ، فمن تحقق بهذه الآية يعطى الثبوت مع الحكم الرباني لما فيه من المصلحة ، وإن لم يشعر به العبد وجهله فهو في نفس الأمر مصلحة ، كان الحكم ما كان ، وهذا هو مقام الإحسان الأول ، الذي هو فوق الإيمان ، فله الشهود الدائم في اختلاف الأحكام ، ولا بد من اختلافها لأنه تعالى كل يوم هو في شأن «وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ» .
------------
(48) كتاب القسم الإلهي - الفتوحات ج 3 / 120 - ج 4 / 200 - ج 2 / 182 - ج 4 / 37 ، 439 ، 144 ، 143تفسير ابن كثير:
( في رق منشور والبيت المعمور ) . ثبت في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في حديث الإسراء - بعد مجاوزته إلى السماء السابعة - : " ثم رفع بي إلى البيت المعمور ، وإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألفا لا يعودون إليه آخر ما عليهم " يعني : يتعبدون فيه ويطوفون ، كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم كذلك ذاك البيت ، هو كعبة أهل السماء السابعة ; ولهذا وجد إبراهيم الخليل عليه السلام مسندا ظهره إلى البيت المعمور ; لأنه باني الكعبة الأرضية ، والجزاء من جنس العمل ، وهو بحيال الكعبة ، وفي كل سماء بيت يتعبد فيه أهلها ، ويصلون إليه ، والذي في السماء الدنيا يقال له : بيت العزة . والله أعلم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا روح بن جناح ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " في السماء السابعة بيت يقال له : " المعمور " ; بحيال الكعبة ، وفي السماء الرابعة نهر يقال له : " الحيوان " يدخله جبريل كل يوم ، فينغمس فيه انغماسة ، ثم يخرج فينتفض انتفاضة يخر عنه سبعون ألف قطرة ، يخلق الله من كل قطرة ملكا يؤمرون أن يأتوا البيت المعمور ، فيصلوا فيه فيفعلون ، ثم يخرجون فلا يعودون إليه أبدا ، ويولي عليهم أحدهم ، يؤمر أن يقف بهم من السماء موقفا يسبحون الله فيه إلى أن تقوم الساعة " .
هذا حديث غريب جدا ، تفرد به روح بن جناح هذا ، وهو القرشي الأموي مولاهم أبو سعد الدمشقي ، وقد أنكر هذا الحديث عليه جماعة من الحفاظ منهم : الجوزجاني ، والعقيلي ، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري ، وغيرهم .
قال الحاكم : لا أصل له من حديث أبي هريرة ، ولا سعيد ، ولا الزهري
وقال ابن جرير : حدثنا هناد بن السري ، حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك بن حرب ، عن خالد بن عرعرة ; أن رجلا قال لعلي : ما البيت المعمور ؟ قال : بيت في السماء يقال له : " الضراح " وهو بحيال الكعبة من فوقها ، حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض ، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ، لا يعودون فيه أبدا
وكذا رواه شعبة وسفيان الثوري ، عن سماك وعندهما أن ابن الكواء هو السائل عن ذلك ، ثم رواه ابن جرير عن أبي كريب ، عن طلق بن غنام ، عن زائدة ، عن عاصم ، عن علي بن ربيعة قال : سأل ابن الكواء عليا عن البيت المعمور ، قال : مسجد في السماء يقال له : " الضراح " ، يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ، ثم لا يعودون فيه أبدا . ورواه من حديث أبي الطفيل ، عن علي بمثله .
وقال العوفي عن ابن عباس : هو بيت حذاء العرش ، تعمره الملائكة ، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يعودون إليه ، وكذا قال عكرمة ، ومجاهد ، والربيع بن أنس ، والسدي ، وغير واحد من السلف .
وقال قتادة : ذكر لنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوما لأصحابه : " هل تدرون ما البيت المعمور ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " فإنه مسجد في السماء بحيال الكعبة لو خر لخر عليها يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك ، إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم " .
وزعم الضحاك أنه يعمره طائفة من الملائكة يقال لهم : الجن ، من قبيلة إبليس ، فالله أعلم .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
وقوله: { فِي رَقٍّ } أي: ورق { مَنْشُورٍ } أي: مكتوب مسطر، ظاهر غير خفي، لا تخفى حاله على كل عاقل بصير.
تفسير البغوي
( في رق منشور ) " والرق " : ما يكتب فيه ، وهو أديم الصحف ، و " المنشور " : المبسوط ، واختلفوا في هذا الكتاب ، قال الكلبي : هو ما كتب الله بيده لموسى من التوراة وموسى يسمع صرير القلم .
وقيل : هو اللوح المحفوظ . وقيل : دواوين الحفظة تخرج إليهم يوم القيامة منشورة ، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله . دليله قوله - عز وجل - : " ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا " ، ( الإسراء - 13 ) .
الإعراب:
(فِي رَقٍّ) متعلقان بمسطور (مَنْشُورٍ) صفة