«فالجاريات» السفن تجري على وجه الماء «يُسرا» بسهولة مصدر في موضع الحال، أي ميسرة.
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)
فالحاصل من هذا أنه من لم يغب عن عبوديته للّه في كل حال ، فقد أدى ما خلق له وكان طائعا وسواء كان مطيعا أو مخالفا ، فإن العبد الآبق لا يخرجه إباقه عن الرق ، وإنما يخرجه عن لوازم العبودية ، من الوقوف بين يدي سيده لامتثال أوامره ومراسمه ، ألا ترى اسم العبودية ينسحب عليه سواء كان مطيعا أو مخالفا .
(52) سورة الطّور مكيّة
------------
(60) الفتوحات ج 3 /
124
[ قال ] : ( فالجاريات يسرا ) ؟ قال علي رضي الله عنه: السفن .
قوله تعالى {والذاريات ذروا} قال أبوبكر الأنباري : حدثنا عبدالله بن ناجية، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا مكي بن إبراهيم، حدثنا الجعيد بن عبدالرحمن، عن يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد أن رجلا قال لعمر رضي الله عنه : إني مررت برجل يسأل عن تفسير مشكل القرآن، فقال عمر : اللهم أمكني منه؛ فداخل الرجل على عمر يوما وهو لابس ثيابا وعمامة وعمر يقرأ القرآن، فلما فرغ قام إليه الرجل فقال : يا أمير المؤمنين ما {الذاريات ذروا} فقام عمر فحسر عن ذراعيه وجعل يجلده، ثم قال : ألبسوه ثيابه واحملوه على قتب وأبلغوا به حيه، ثم ليقم خطيبا فليقل : إن صبيغا طلب العلم فأخطأه، فلم يزل وضيعا في قومه بعد أن كان سيدا فيهم. وعن عامر بن واثلة أن ابن الكواء سأل عليا رضي الله عنه، فقال : يا أمير المؤمنين ما {الذاريات ذروا} قال : يلك سل تفقها ولا تسأل تعنتا {والذاريات ذروا} الرياح {فالحاملات وقرا} السحاب {فالجاريات يسرا} السفن {فالمقسمات أمرا} الملائكة. وروى الحرث عن علي رضي الله عنه {والذاريات ذروا} قال : الرياح {فالحاملات وقرا} قال : السحاب تحمل الماء كما تحمل ذوات الأربع الوقر {فالجاريات يسرا} قال : السفن موقرة {فالمقسمات أمرا} قال : الملائكة تأتي بأمر مختلف؛ جبريل بالغلظة، وميكائيل صاحب الرحمة، وملك الموت يأتي بالموت. وقال الفراء : وقيل تأتي بأمر مختلف من الخصب والجدب والمطر والموت والحوادث. ويقال : ذرت الريح التراب تذروه ذروا وتذرية ذريا. ثم قيل {والذاريات} وما بعده أقسام، وإذا أقسم الرب بشيء أثبت له شرفا. وقيل : المعنى ورب الذاريات، والجواب {إنما توعدون} أي الذي توعدونه من الخير والشر والثواب والعقاب {لصادق}لا كذب فيه؛ ومعنى {لصادق} لصدق؛ وقع الاسم موقع المصدر. {وإن الدين لواقع} يعني الجزاء نازل بكم. ثم ابتدأ قسما آخر فقال {والسماء ذات الحبك. إنكم لفي قول مختلف}[
الذاريات : 7] وقيل إن الذاريات النساء الولودات لأن في ذرايتهن ذرو الخلق؛ لأنهن يذرين الأولاد فصرن ذاريات؛ وأقسم بهن لما في ترائبهن من خيرة عباده الصالحين. وخص النساء بذلك دون الرجال وإن كان كل واحد منهما ذاريا لأمرين : أحدهما لأنهن أوعية دون الرجال، فلاجتماع الذروين فيهن خصصن بالذكر. الثاني : أن الذرو فيهن أطول زمانا، وهن بالمباشرة أقرب عهدا. {فالحاملات وقرا} السحاب. وقيل : الحاملات من النساء إذا ثقلن بالحمل. والوقر بكسر الواو ثقل الحمل على ظهر أو في بطن، يقال : جاء يحمل وقره وقد أوقر بعيره. واكثر ما يستعمل الوقر في حمل البغل والحمار، والوسق في حمل البعير. وهذه امرأة موقرة بفتح القاف إذا حملت حملا ثقيلا. وأوقرت النخلة كثر حملها؛ يقال : نخلة موقرة وموقر وموقرة، وحكي موقر وهو على غير القياس، لأن الفعل للنخلة. وإنما قيل : موقر بكسر القاف على قياس قولك امرأة حامل، لأن حمل الشجر مشبه بحمل النساء؛ فأما موقر بالفتح فشاذ، وقد روي في قول لبيد يصف نخيلا : عصب كوارع في خليج محلم ** حملت فمنها موقر مكموم والجمع مواقر. فأما الوقر بالفتح فهو ثقل الأذن، وقد وقررت أذنه توقر وقرا أي صمت، وقياس مصدره التحريك إلا أنه جاء بالتسكين وقد تقدم في [الأنعام] القول فيه. {فالجاريات يسرا} السفن تجري بالرياح يسرا إلى حيث سيرت. وقيل : السحاب؛ وفي جريها يسرا على هذا القول وجهان : أحدهما : إلى حيث يسيرها الله تعالى من البلاد والبقاع. الثاني : هو سهولة تسييرها؛ وذلك معروف عند العرب، كما قال الأعشى : كأن مشيتها من بيت جارتها ** مشي السحابة لا ريث ولا عجل
أقسم الله تعالى بالرياح المثيرات للتراب، فالسحب الحاملات ثقلا عظيمًا من الماء، فالسفن التي تجري في البحار جريًا ذا يسر وسهولة، فالملائكة التي تُقَسِّم أمر الله في خلقه. إن الذي توعدون به- أيها الناس- من البعث والحساب لكائن حق يقين، وإن الحساب والثواب على الأعمال لكائن لا محالة.
{ فالْجَارِيَاتِ يُسْرًا } النجوم، التي تجري على وجه اليسر والسهولة، فتتزين بها السماوات، ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر، وينتفع بالاعتبار بها.
" فالجاريات يسراً "، هي السفن تجري في الماء جرياً سهلاً.
(فَالْجارِياتِ) معطوف على ما قبله (يُسْراً) حال
Traslation and Transliteration:
Faaljariyati yusran
And those that glide with ease (upon the sea)
Derken kolayca akıp gidenlere.
Par les glisseurs agiles!
dann den in Leichtigkeit sich Fortbewegenden,
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الذاريات (Az-Zariyat - The Winnowing Winds) |
ترتيبها |
51 |
عدد آياتها |
60 |
عدد كلماتها |
360 |
عدد حروفها |
1510 |
معنى اسمها |
(الذَّارِيَاتُ): الرِّيَاحُ تَذْرُوْ التُّرَابَ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ حَتَّى يَتَطَايَرُ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ مُفْرَدَةِ (الذَّارِيَاتِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الذَّارِيَاتِ) |
مقاصدها |
مُعَالَجَةُ إِنْكَارِ عَقِيدَةِ البَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَضَرْبُ الأَمْثِلَةِ عَلَى عُقُوبَةِ الأُمَمِ المُكَذِّبَةِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
مِنْ النَّظَائِرِ الَّتِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَات، فَفِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الطَّويلِ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ النَّظائِرَ؛ السُّورتينِ في رَكعةٍ ، (وَالطُّورَ والذَّارِيَاتِ) فِي رَكعةٍ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الذَّارِيَاتِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَن الْوَعْدِ بِيَومِ البَعْثِ وَالنُّشُورِ، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٞ ٥﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوۡمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ ٦٠﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الذَّارِيَاتِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (ق): السُّوَرَتَانِ مَوْضُوْعُهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ إِنْكَارُ الكُفَّارِ لِيَومِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ. |