المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الحجرات: [الآية 5]
سورة الحجرات | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) قُلْ تُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (17)
لما منّ من منّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالإسلام ،
قال تعالى تأنيسا له : «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا»
ثم أمره أن يقول لهم فقال ، «قُلْ» يا محمد «لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ»
وآثر الحق تعالى محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم على نفسه حتى لا يجعل له نعتا فيما أجري عليه لسان ذم ،
فقال له : قل لهم : «بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ» معناه أنه لو منّ لكان المنّ للّه «أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ» ولو شاء لقال : بل أنا أمنّ عليكم أن هداكم اللّه بي للإيمان الذي رزقكم بتوحيده وأسعدكم به ، فما جعله تعالى محلا للمنّ كما منّوا بإسلامهم ،
فوبخوا ونبهوا بقوله : «بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ» والمنّ هنا من علم التطابق لم يقصد به المنّ ، لأنهم لما امتنوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بإسلامهم ، قال اللّه له : «قُلْ» يا محمد «بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ» أي إذا دخلتم في حضرة المنّ فالمنّ للّه لا لكم ، فما كان اللّه ليقول في المنّ ما قال ، ويكون منه ، وما كان اللّه ليدلنا على مكارم الأخلاق من العفو والصفح ويفعل معنا خلافه ،
فلله المنّة التي هي النعمة ، والامتنان الذي هو إعطاء المنّة ، لا المنّ سبحانه وتعالى ، فلما كانت المنة الواقعة منهم إنما هي على اللّه لا على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ، فإنهم ما انقادوا إلا إلى اللّه ، لأن الرسول ما دعاهم إلى نفسه ، وإنما دعاهم إلى اللّه ،
فكان قوله تعالى : «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» في دعواكم أنكم مؤمنون ، يعني في إيمانكم بما جئت به ، فإنه مما جئت به أن الهداية بيد اللّه ، يهدي بها من يشاء من عباده لا بيد المخلوق ، فعراهم من هذه الصفة أن تكون لهم كسبا ، فاللّه تعالى يمنّ على عباده بما يمتنّ عليهم من المنن الجسام ، فجميع نعمه الظاهرة والباطنة مننه ،
ولذا سميت مننا ، وليس للعباد أن يمتنوا لأن النعم ليست إلا لمن خلقها ، فلهذا كان المن من اللّه محمودا ، لأنه ينبه عباده بما أنعم عليهم ليرجعوا إليه ، وكان مذموما من العباد لأنه كذب محض .
------------
(17) الفتوحات ج 4 / 256 - ج 2 / 232 ، 221 ، 651 - ج 4 / 256 -ح 2 / 221 ، 74 ، 256 ، 221 - إيجاز البيان آية 41تفسير ابن كثير:
ثم أرشد إلى الأدب في ذلك فقال : ( ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم ) أي : لكان لهم في ذلك الخيرة والمصلحة في الدنيا والآخرة .
ثم قال داعيا لهم إلى التوبة والإنابة : ( والله غفور رحيم )
وقد ذكر أنها نزلت في الأقرع بن حابس التميمي ، فيما أورده غير واحد ، قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا وهيب ، حدثنا موسى بن عقبة ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن الأقرع بن حابس ; أنه نادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وراء الحجرات ، فقال : يا محمد ، يا محمد وفي رواية : يا رسول الله - فلم يجبه . فقال : يا رسول الله ، إن حمدي لزين ، وإن ذمي لشين ، فقال : " ذاك الله عز وجل " .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث المروزي ، حدثنا الفضل بن موسى ، عن الحسين بن واقد ، عن أبي إسحاق ، عن البراء في قوله : ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات ) قال : جاء رجل رسول الله فقال : يا محمد ، إن حمدي زين ، وذمي شين . فقال : " ذاك الله عز وجل " .
وهكذا ذكره الحسن البصري ، وقتادة مرسلا .
وقال سفيان الثوري ، عن حبيب بن أبي عمرة قال : كان بشر بن غالب ولبيد بن عطارد - أو بشر بن عطارد ولبيد بن غالب - وهما عند الحجاج جالسان - فقال بشر بن غالب للبيد بن عطارد : نزلت في قومك بني تميم : ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات ) قال : فذكرت ذلك لسعيد بن جبير فقال : أما إنه لو علم بآخر الآية أجابه : ( يمنون عليك أن أسلموا ) [ الحجرات : 17 ] ، قالوا : أسلمنا ، ولم يقاتلك بنو أسد .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن علي الباهلي ، حدثنا المعتمر بن سليمان : سمعت داود الطفاوي يحدث عن أبي مسلم البجلي ، عن زيد بن أرقم قال : اجتمع أناس من العرب فقالوا : انطلقوا بنا إلى هذا الرجل ، فإن يك نبيا فنحن أسعد الناس به ، وإن يك ملكا نعش بجناحه . قال : فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بما قالوا ، فجاءوا إلى حجرته فجعلوا ينادونه وهو في حجرته : يا محمد ، يا محمد . فأنزل الله [ عز وجل ] : ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ) قال : فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأذني فمدها ، فجعل يقول : " لقد صدق الله قولك يا زيد ، لقد صدق الله قولك يا زيد " .
ورواه ابن جرير ، عن الحسن بن عرفة ، عن المعتمر بن سليمان ، به .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
فأدب العبد، عنوان عقله، وأن الله مريد به الخير، ولهذا قال: { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } أي: غفور لما صدر عن عباده من الذنوب، والإخلال بالآداب، رحيم بهم، حيث لم يعاجلهم بذنوبهم بالعقوبات والمثلات.
تفسير البغوي
( ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم ) قال مقاتل : لكان خيرا لهم لأنك كنت تعتقهم جميعا وتطلقهم بلا فداء ( والله غفور رحيم ) .
وقال قتادة : نزلت في ناس من أعراب بني تميم جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فنادوا على الباب .
ويروى ذلك عن جابر قال : جاءت بنو تميم فنادوا على الباب : اخرج إلينا يا محمد ، فإن مدحنا زين ، وذمنا شين ، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : إنما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين ، فقالوا : نحن ناس من بني تميم جئنا بشعرائنا وخطبائنا لنشاعرك ونفاخرك ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما بالشعر بعثت ولا بالفخار أمرت ، ولكن هاتوا " ، فقام شاب منهم فذكر فضله وفضل قومه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لثابت بن قيس بن شماس ، وكان خطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - : " قم فأجبه " ، فأجابه ، وقام شاعرهم فذكر أبياتا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لحسان بن ثابت : " أجبه " فأجابه . فقام الأقرع بن حابس ، فقال : إن محمدا لمؤتى له والله ما أدري هذا الأمر ، تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولا ، وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر وأحسن قولا ، ثم دنا من النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما يضرك ما كان قبل هذا " ثم أعطاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكساهم ، وقد كان تخلف في ركابهم عمرو بن الأهتم لحداثة سنه ، فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ما أعطاهم ، وأزرى به بعضهم وارتفعت الأصوات وكثر اللغط عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فنزل فيهم : " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم " الآيات الأربع إلى قوله : " غفور رحيم " .
وقال زيد بن أرقم : جاء ناس من العرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى هذا الرجل فإن يكن نبيا فنحن أسعد الناس به ، وإن يكن ملكا نعش في جنابه ، فجاءوا فجعلوا ينادونه ، يا محمد يا محمد ، فأنزل الله : " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم .
الإعراب:
(وَلَوْ) الواو حرف استئناف ولو شرطية غير جازمة (أَنَّهُمْ) أن واسمها (صَبَرُوا) ماض وفاعله والجملة الفعلية خبر أن والمصدر المؤول من أن وما بعدها في محل رفع فاعل لفعل محذوف (حَتَّى) حرف غاية وجر (تَخْرُجَ) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى (إِلَيْهِمْ) متعلقان بالفعل والمصدر المؤول من أن والفعل في محل جر بحتى والجار والمجرور متعلقان بصبروا (لَكانَ) اللام واقعة في جواب لو (كان) ماض ناقص (خَيْراً) خبرها واسم كان مستتر (لَهُمْ) متعلقان بخيرا والجملة الفعلية جواب الشرط لا محل لها (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الواو حرف استئناف ومبتدأ وخبراه والجملة مستأنفة