«ولقد كنتم تمنون» فيه حذف إحدى التاءين في الأصل «الموت من قبل أن تلقوه» حيث قلتم ليت لنا يوما كيوم بدر لننال ما نال شهداؤه «فقد رأيتموه» أي سببه الحرب «وأنتم تنظرون» أي بصراء تتأملون الحال كيف هي فلم انهزمتم؟ ونزل في هزيمتهم لما أشيع أن النبي قتل وقال لهم المنافقون إن كان قتل فارجعوا إلى دينكم.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)
الرباط أن يلزم الانسان نفسه دائما من غير حد ينتهي إليه ، أو يجعله في نفسه ، فإذا ربط نفسه بهذا الأمر ، فهو مرابط ، والرباط ملازمة ، وهو من أفضل أحوال المؤمن ، فكل إنسان إذا مات يختم على عمله إلا المرابط ، فإنه ينمّى له إلى يوم القيامة ، ويأمن فتان القبر ، ثبت هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، والرباط في الخير كله ، ما يختص به خير من خير ، فالكل
489
سبيل اللّه ، فإن سبيل اللّه ما شرعه اللّه لعباده أن يعملوا به ، فما يختصّ بملازمة الثغور فقط ولا بالجهاد ، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال في انتظار الصلاة بعد الصلاة : إنه رباط . «وَاتَّقُوا اللَّهَ) يعني في ذلك كله ، أي اجعلوه وقاية تتقوا به هذه العزائم ، وذلك معونته في قوله (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) * (واستعينوا باللّه) فهذا معنى قوله «اتَّقُوا اللَّهَ» * «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» أي تكون لكم النجاة من مشقة الصبر والرباط .
------------
(200) الفتوحات ج 4 /
482 ، 347 ،
482
وقوله : ( ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ) أي : قد كنتم - أيها المؤمنون - قبل هذا اليوم تتمنون لقاء العدو وتتحرقون عليهم ، وتودون مناجزتهم ومصابرتهم ، فها قد حصل لكم الذي تمنيتموه وطلبتموه ، فدونكم فقاتلوا وصابروا .
وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تمنوا لقاء العدو ، وسلوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا ، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف " .
ولهذا قال : ( فقد رأيتموه ) يعني الموت شاهدتموه في لمعان السيوف وحد الأسنة واشتباك الرماح ، وصفوف الرجال للقتال .
والمتكلمون يعبرون عن هذا بالتخييل ، وهو مشاهدة ما ليس بمحسوس كالمحسوس كما تتخيل الشاة صداقة الكبش وعداوة الذئب .
قوله تعالى {ولقد كنتم تتمنون الموت} أي الشهادة من قبل أن تلقوه. وقرأ الأعمش {من قبل أن تلاقوه} أي من قبل القتل. وقيل : من قبل أن تلقوا أسباب الموت وذلك أن كثيرا ممن لم يحضروا بدرا كانوا يتمنون يوما يكون فيه قتال، فلما كان يوم أحد انهزموا، وكان منهم من تجلد حتى قتل، ومنهم أنس بن النضر عم أنس بن مالك، فإنه قال لما انكشف المسلمون : اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، وباشر القتال وقال : إيها إنها ريح الجنة! إني لأجدها، ومضى حتى استشهد. قال أنس : فما عرفناه إلا ببنانه ووجدنا فيه بضعا وثمانين جراحة. وفيه وفي أمثاله نزل {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [
الأحزاب : 23]. فالآية عتاب في حق من انهزم، لا سيما وكان منهم حَمْل للنبي صلى الله عليه وسلم على الخروج من المدينة، وسيأتي. وتمني الموت يرجع من المسلمين إلى تمني الشهادة المبنية على الثبات والصبر على الجهاد، لا إلى قتل الكفار لهم؛ لأنه معصية وكفر ولا يجوز إرادة المعصية، وعلى هذا يحمل سؤال المسلمين من الله أن يرزقهم الشهادة، فيسألون الصبر على الجهاد وإن أدى إلى القتل. قوله تعالى {وأنتم تنظرون} قال الأخفش : هو تكرير بمعنى التأكد لقوله {فقد رأيتموه} مثل {ولا طائر يطير بجناحيه} [
الأنعام : 38]. وقيل : معناه وأنتم بصراء ليس في أعينكم علل؛ كما تقول : قد رأيت كذا وكذا وليس في عينيك علة، أي فقد رأيته رؤية حقيقية؛ وهذا راجع إلى معنى التوكيد. وقال بعضهم {وأنتم تنظرون} إلى محمد صلى الله عليه وسلم. وفي الآية إضمار، أي فقد رأيتموه وأنتم تنظرون فلم انهزمتم ؟.
ولقد كنتم -أيها المؤمنون- قبل غزوة "أُحد" تتمنون لقاء العدو؛ لتنالوا شرف الجهاد والاستشهاد في سبيل الله الذي حَظِي به إخوانكم في غزوة "بدر"، فها هو ذا قد حصل لكم الذي تمنيتموه وطلبتموه، فدونكم فقاتلوا وصابروا.
ثم وبخهم تعالى على عدم صبرهم بأمر كانوا يتمنونه ويودون حصوله، فقال: { ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه } وذلك أن كثيرا من الصحابة رضي الله عنهم ممن فاته بدر يتمنون أن يحضرهم الله مشهدا يبذلون فيه جهدهم، قال الله [تعالى] لهم: { فقد رأيتموه } أي: رأيتم ما تمنيتم بأعينكم { وأنتم تنظرون } فما بالكم وترك الصبر؟ هذه حالة لا تليق ولا تحسن، خصوصا لمن تمنى ذلك، وحصل له ما تمنى، فإن الواجب عليه بذل الجهد، واستفراغ الوسع في ذلك. وفي هذه الآية دليل على أنه لا يكره تمني الشهادة، ووجه الدلالة أن الله تعالى أقرهم على أمنيتهم، ولم ينكر عليهم، وإنما أنكر عليهم عدم العمل بمقتضاها، والله أعلم.
( ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه ) وذلك أن قوما من المسلمين تمنوا يوما كيوم بدر ليقاتلوا ويستشهدوا فأراهم الله يوم أحد وقوله ( تمنون الموت ) أي : سبب الموت وهو الجهاد من قبل أن تلقوه ، ( فقد رأيتموه ) يعني : أسبابه .
فإن قيل : ما معنى قوله ( وأنتم تنظرون ) بعد قوله : ( فقد رأيتموه ) قيل : ذكره تأكيدا وقيل : الرؤية قد تكون بمعنى العلم ، فقال : ( وأنتم تنظرون ) ليعلم أن المراد بالرؤية النظر ، وقيل : وأنتم تنظرون إلى محمد صلى الله عليه وسلم .
(وَلَقَدْ كُنْتُمْ) الواو استئنافية اللام واقعة في جواب القسم قد حرف تحقيق كنتم كان واسمها (تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) فعل مضارع وفاعل ومفعول به والجملة خبر كنتم (مِنْ قَبْلِ) متعلقان بتمنون (أَنْ تَلْقَوْهُ) المصدر المؤول من الحرف المصدري والفعل في محل جر بالإضافة.
(فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ) الفاء عاطفة رأيتموه فعل ماض وفاعل ومفعول به والجملة معطوفة (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) مبتدأ والجملة خبره وجملة (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) حالية.
Traslation and Transliteration:
Walaqad kuntum tamannawna almawta min qabli an talqawhu faqad raaytumoohu waantum tanthuroona
And verily ye used to wish for death before ye met it (in the field). Now ye have seen it with your eyes!
Andolsun, ölümle karşılaşmadan önce arzulamıştınız ölümü. İşte onu gördünüz, bakıp duruyordunuz ona.
Bien sûr, vous souhaitiez la mort avant de la rencontrer. Or vous l'avez vue, certes, tandis que vous regardiez!
Und gewiß, bereits habt ihr euch den Tod herbeigesehnt, bevor ihr ihm begegnet seid. So seid ihr bereits ihm begegnet, während ihr (die Gefallenen) anschaut.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة آل عمران (Al-i'Imran - Family of Imran) |
ترتيبها |
3 |
عدد آياتها |
200 |
عدد كلماتها |
3503 |
عدد حروفها |
14605 |
معنى اسمها |
عِمرَانُ: رَجُلٌ صَالِحٌ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالمُرَادُ بِـ(آلِ عِمْرَانَ): عِيسَى وَأُمُّهُ مَريَمُ وَيَحْيَى عليه السلام |
سبب تسميتها |
ذِكْرُ قِصَّةِ آلِ عِمْرَانَ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقصِدِ العَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (آلِ عِمرَانَ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (الكَنـْزِ)، وَسُورَةَ (الأَمَانِ)، وَتُلقَّبُ بِـ(الزَّهْرَاءِ) |
مقاصدها |
بَيانُ الأَدِلَّةِ وَالبَرَاهِينَ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللهِ وَأَحْكَامِ الجِهَادِ وغَيرِهِ، وَردِّ شُبُهَاتِ النَّصَارَى |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنْقَل سَبَبٌ ِلنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
تُحَاجُّ عَنْ صَاحِبِهَا يَومَ القِيَامَةِ، قَالَ ﷺ: «اقرَؤوا الزَّهْرَاوَيْنِ: البَقرةَ، وآلَ عِمرانَ؛ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ -أي سَحَابتانِ- أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِما». (رَوَاهُ مُسْلِم).
هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَنْ أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ مِنَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَالإِشَارَةُ إِلَيهَا.
فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ﴾ ...الآيَاتِ،وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ﴾ ...الآيَاتِ.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (آلِ عِمْرانَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (البَقَرَةِ):
ذِكْرُ دُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي خَوَاتِيم سُورَةِ (البَقَرَةِ) وفي أوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ). |