المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الزمر: [الآية 36]
سورة الزمر | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75)
-الوجه الأول -الملائكة الحافون حول العرش ما لهم سباحة إلا في العماء الذي ظهر فيه العرش ، وهؤلاء الملائكة خلقهم اللّه تعالى من نور العرش الذي استوى عليه الرحمن ، فإنهم إليه يتوجهون وعليه يعولون ، وحوله يحومون وبه يطوفون ، وحيثما كانوا فإليه يشيرون ، فمتى حدث في الكون حادثة أو نزلت به نازلة ، رفعوا أيدي المسألة والتضرع إلى جهة عرشه ، يطلبون الشفا ويستعفون عن الخطا ، لأن موجد الكون لا جهة له يشار إليها ، ولا أينية له يقصدونها ، ولا كيفية له يعرفونها ، فلو لم يكن العرش جهة يتوجهون إليه للقيام بخدمته ، ولأداء طاعته ، لضلوا في طلبهم ، فهو سبحانه إنما أوجد العرش إظهارا لقدرته ، لا محلا لذاته ، وأوجد الوجود لا لحاجة إليه ، وإنما هو إظهار لأسمائه وصفاته
- الوجه الثاني -هذا العرش الذي تحف به الملائكة ما هو العرش الذي استوى عليه الرحمن ، فإن الثاني قد عمر الخلاء ، وإنما العرش الذي تحف به الملائكة هو العرش الذي يأتي اللّه به للفصل والقضاء يوم القيامة ، ولذلك تمم الآية بقوله «وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» عند الفراغ من القضاء ، فذلك العرش يوم القيامة تحمله الثمانية الأملاك ، وذلك بأرض المحشر ونسبة العرش إلى تلك الأرض نسبة الجنة إلى عرض الحائط في قبلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، من غير أن يوسع الضيق أو يضيق الواسع ، «وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ»
اعلم أن الحكم للرحمة ، ويوم القيامة يوم العدل في القضاء ، وإنما تأتي الرحمة في القيامة ليشهد الأمر ، حتى إذا انته حكم العدل وانقضت مدته في المحكوم عليه ، تولت الرحمة الحكم فيه إلى غير نهاية «وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» - إشارة - من قام باللام وحده ، ووقف على ما حصل عنده ، وجاوزه إلى مطلعه وحده ، ولم ير مثله ولا ضده ، وملك وعيده ووعده ، وأمن قربه وبعده ، وعرف أنه لا يأتي أحد بعده ، قال : الحمد للّه الذي صدقنا وعده – شرح
[إشارة :من قام باللام وحده ]
هذه الإشارة - قوله «من قام باللام وحده» يريد أن اللام للفناء ، فيكون القائم الحق لا هو ، لأنك تقول «الحمد للّه» فجعلته حامدا لنفسه ، قائما بحمده ، وإذا قلت «الحمد باللّه» فقد جعلت الباء للاستعانة ، فاللام له ، والباء لنا ،
ولذلك قال : العلماء لي والعارفون بي «1» - قوله «ووقف على ما حصل عنده» يعني تميزت له نفسه بما كشف الحق له من المراتب ، قوله «
ولم ير مثله ولا ضده» يعني لشغله بربه ، أو بموازنة نفسه مع ربه فيم وجّه عليها ، قوله «وملك وعيده ووعده» أي لم يؤثر فيه لا رغبة ولا رهبة ، أي لا صفة حكمت عليه ، فهو عبد ذات لا عبد صفة ، قوله «وأمن قربه وبعده»
أي لم يتأثر للأسماء المؤثرات في القرب والبعد ، وأما الوعد والوعيد فلآثار الأسماء ، وقوله «وعرف أنه لا يأتي أحد بعده» أي لا يأتي أحد بعد بأكمل من هذا المقام ، وإنما يتفاوتون في استصحابه أو عدم استصحابه ،
قال : الحمد للّه الذي صدقنا وعده .
------------
(75) الفتوحات ج 3 / 420 ، 431 - كتاب شجرة الكون - الفتوحات ج 2 / 436 - ج 3 / 492 - كتاب الإسراء - كتاب النجاةتفسير ابن كثير:
يقول تعالى : ( أليس الله بكاف عبده ) - وقرأ بعضهم : " عباده " - يعني أنه تعالى يكفي من عبده وتوكل عليه .
وقال ابن أبي حاتم هاهنا : حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب حدثنا عمي ، حدثنا أبو هانئ ، عن أبي علي عمرو بن مالك الجنبي ، عن فضالة بن عبيد الأنصاري ; أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " أفلح من هدي إلى الإسلام ، وكان عيشه كفافا ، وقنع به " .
ورواه الترمذي والنسائي من حديث حيوة بن شريح ، عن أبي هانئ الخولاني ، به . وقال الترمذي : صحيح .
( ويخوفونك بالذين من دونه ) يعني : المشركين يخوفون الرسول ويتوعدونه بأصنامهم وآلهتهم التي يدعونها من دونه ; جهلا منهم وضلالا ; ولهذا قال تعالى : ( ومن يضلل الله فما له من هاد)
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } أي: أليس من كرمه وجوده، وعنايته بعبده، الذي قام بعبوديته، وامتثل أمره واجتنب نهيه، خصوصا أكمل الخلق عبودية لربه، وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم، فإن اللّه تعالى سيكفيه في أمر دينه ودنياه، ويدفع عنه من ناوأه بسوء.
{ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } من الأصنام والأنداد أن تنالك بسوء، وهذا من غيهم وضلالهم.
{ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }
تفسير البغوي
قوله عز وجل : ( أليس الله بكاف عبده ) ؟ يعني : محمدا - صلى الله عليه وسلم - وقرأ أبو جعفر وحمزة والكسائي : " عباده " بالجمع يعني : الأنبياء عليهم السلام ، قصدهم قومهم بالسوء كما قال : " وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه " ( غافر - 5 ) فكفاهم الله شر من عاداهم ، ( ويخوفونك بالذين من دونه ) وذلك أنهم خوفوا النبي - صلى الله عليه وسلم - معرة الأوثان . وقالوا : لتكفن عن شتم آلهتنا أو ليصيبنك منهم خبل أو جنون ( ومن يضلل الله فما له من هاد ) .
الإعراب:
(أَلَيْسَ) الهمزة حرف استفهام تقريري وماض ناقص (اللَّهُ) لفظ الجلالة اسم ليس (بِكافٍ) حرف جر زائد واسم مجرور لفظا منصوب محلا خبر ليس (عَبْدَهُ) مفعول به لاسم الفاعل كاف والجملة استئنافية (وَيُخَوِّفُونَكَ) الواو حالية ومضارع مرفوع والواو فاعله والكاف مفعوله (بِالَّذِينَ) متعلقان بالفعل والجملة حال (مِنْ دُونِهِ) متعلقان بمحذوف صلة (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ): إعرابه في الآية 23.