المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الزمر: [الآية 24]
سورة الزمر | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75)
-الوجه الأول -الملائكة الحافون حول العرش ما لهم سباحة إلا في العماء الذي ظهر فيه العرش ، وهؤلاء الملائكة خلقهم اللّه تعالى من نور العرش الذي استوى عليه الرحمن ، فإنهم إليه يتوجهون وعليه يعولون ، وحوله يحومون وبه يطوفون ، وحيثما كانوا فإليه يشيرون ، فمتى حدث في الكون حادثة أو نزلت به نازلة ، رفعوا أيدي المسألة والتضرع إلى جهة عرشه ، يطلبون الشفا ويستعفون عن الخطا ، لأن موجد الكون لا جهة له يشار إليها ، ولا أينية له يقصدونها ، ولا كيفية له يعرفونها ، فلو لم يكن العرش جهة يتوجهون إليه للقيام بخدمته ، ولأداء طاعته ، لضلوا في طلبهم ، فهو سبحانه إنما أوجد العرش إظهارا لقدرته ، لا محلا لذاته ، وأوجد الوجود لا لحاجة إليه ، وإنما هو إظهار لأسمائه وصفاته
- الوجه الثاني -هذا العرش الذي تحف به الملائكة ما هو العرش الذي استوى عليه الرحمن ، فإن الثاني قد عمر الخلاء ، وإنما العرش الذي تحف به الملائكة هو العرش الذي يأتي اللّه به للفصل والقضاء يوم القيامة ، ولذلك تمم الآية بقوله «وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» عند الفراغ من القضاء ، فذلك العرش يوم القيامة تحمله الثمانية الأملاك ، وذلك بأرض المحشر ونسبة العرش إلى تلك الأرض نسبة الجنة إلى عرض الحائط في قبلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، من غير أن يوسع الضيق أو يضيق الواسع ، «وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ»
اعلم أن الحكم للرحمة ، ويوم القيامة يوم العدل في القضاء ، وإنما تأتي الرحمة في القيامة ليشهد الأمر ، حتى إذا انته حكم العدل وانقضت مدته في المحكوم عليه ، تولت الرحمة الحكم فيه إلى غير نهاية «وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» - إشارة - من قام باللام وحده ، ووقف على ما حصل عنده ، وجاوزه إلى مطلعه وحده ، ولم ير مثله ولا ضده ، وملك وعيده ووعده ، وأمن قربه وبعده ، وعرف أنه لا يأتي أحد بعده ، قال : الحمد للّه الذي صدقنا وعده – شرح
[إشارة :من قام باللام وحده ]
هذه الإشارة - قوله «من قام باللام وحده» يريد أن اللام للفناء ، فيكون القائم الحق لا هو ، لأنك تقول «الحمد للّه» فجعلته حامدا لنفسه ، قائما بحمده ، وإذا قلت «الحمد باللّه» فقد جعلت الباء للاستعانة ، فاللام له ، والباء لنا ،
ولذلك قال : العلماء لي والعارفون بي «1» - قوله «ووقف على ما حصل عنده» يعني تميزت له نفسه بما كشف الحق له من المراتب ، قوله «
ولم ير مثله ولا ضده» يعني لشغله بربه ، أو بموازنة نفسه مع ربه فيم وجّه عليها ، قوله «وملك وعيده ووعده» أي لم يؤثر فيه لا رغبة ولا رهبة ، أي لا صفة حكمت عليه ، فهو عبد ذات لا عبد صفة ، قوله «وأمن قربه وبعده»
أي لم يتأثر للأسماء المؤثرات في القرب والبعد ، وأما الوعد والوعيد فلآثار الأسماء ، وقوله «وعرف أنه لا يأتي أحد بعده» أي لا يأتي أحد بعد بأكمل من هذا المقام ، وإنما يتفاوتون في استصحابه أو عدم استصحابه ،
قال : الحمد للّه الذي صدقنا وعده .
------------
(75) الفتوحات ج 3 / 420 ، 431 - كتاب شجرة الكون - الفتوحات ج 2 / 436 - ج 3 / 492 - كتاب الإسراء - كتاب النجاةتفسير ابن كثير:
يقول تعالى : ( أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة ) ، ويقرع فيقال له ولأمثاله من الظالمين : ( ذوقوا ما كنتم تكسبون ) ، كمن يأتي آمنا يوم القيامة ؟ ! كما قال تعالى : ( أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ) [ الملك : 22 ] ، وقال : ( يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر ) [ القمر : 48 ] ، وقال [ تعالى ] ( أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة ) [ فصلت : 40 ] ، واكتفى في هذه الآية بأحد القسمين عن الآخر ، كقول الشاعر .
فما أدري إذا يممت أرضا أريد الخير : أيهما يليني ؟
يعني : الخير أو الشر .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
أي: أفيستوي هذا الذي هداه اللّه، ووفقه لسلوك الطريق الموصلة لدار كرامته، كمن كان في الضلال واستمر على عناده حتى قدم القيامة، فجاءه العذاب العظيم فجعل يتقي بوجهه الذي هو أشرف الأعضاء، وأدنى شيء من العذاب يؤثر فيه، فهو يتقي فيه سوء العذاب لأنه قد غلت يداه ورجلاه، { وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ } أنفسهم، بالكفر والمعاصي، توبيخا وتقريعا: { ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ }
تفسير البغوي
( أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب ) أي : شدته ، ( يوم القيامة ) قال مجاهد : يجر على وجهه في النار . وقال عطاء : يرمى به في النار منكوسا فأول شيء منه تمسه النار وجهه . قال مقاتل : هو أن الكافر يرمى به في النار مغلولة يداه إلى عنقه ، وفي عنقه صخرة مثل جبل عظيم من الكبريت ، فتشتعل النار في الحجر ، وهو معلق في عنقه فخر ووهجها على وجهه لا يطيق دفعها عن وجهه ؛ للأغلال التي في عنقه ويده .
ومجاز الآية : أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب كمن هو آمن من العذاب ؟ .
) ( وقيل ) يعني : تقول الخزنة ، ( للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون ) أي : وباله .
الإعراب:
(أَفَمَنْ) الهمزة حرف استفهام إنكاري والفاء حرف استئناف واسم موصول مبتدأ (يَتَّقِي) مضارع مرفوع فاعله مستتر (بِوَجْهِهِ) متعلقان بيتقي (سُوءَ) مفعون بصلة الموصول المحذوفة والجملة مستأنفة