الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة التوبة: [الآية 35]

سورة التوبة
يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا۟ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ﴿35﴾

تفسير الجلالين:

«يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى» تحرق «بها جباههم وجنوبهم وظهورهم» وتوسع جلودهم حتى توضع عليها كلها ويقال لهم «هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون» أي جزاءه.

تفسير الشيخ محي الدين:

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)

«فَإِنْ تَوَلَّوْا» عما دعوتموهم إليه «فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ» أي في اللّه الكفاية يكفيني أمرهم

[ توحيد الاستكفاء ]

«لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» وهذا هو التوحيد الحادي عشر ، وهو توحيد الاستكفاء ، وهو من توحيد الهوية لما قال تعالى : «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى» فأحالنا علينا بأمره فبادرنا لامتثال أمره ، فمنا من قال التعاون على البر والتقوى أن يرد كل واحد صاحبه إلى ربه في ذلك ، ويستكفي به فيما كلفه ،

وهو قوله : (واستعينوا بالله) خطاب تحقيق «عليه توكلت» التوكل اعتماد القلب على اللّه تعالى مع عدم الاضطراب عند فقد الأسباب الموضوعة في العالم ، التي من شأن النفوس أن تركن إليها ، فإن اضطرب فليس بمتوكل ، وهو من صفات المؤمنين «وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ»

فإذا كان رب العرش والعرش محيط بعالم الأجسام وأنت من حيث جسميتك أقل الأجسام فاستكف باللّه ، الذي هو رب مثل هذا العرش ، ومن كان اللّه حسبه انقلب بنعمة من اللّه وفضل لم يمسسه سوء ، وجاء في ذلك بما يرضي اللّه ، واللّه ذو فضل عظيم على من جعله حسبه .

(10) سورة يونس مكيّة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

------------

(129) الفتوحات ج 2 / 409 ، 199 ، 409

تفسير ابن كثير:

وقوله تعالى : ( يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) أي : يقال لهم هذا الكلام تبكيتا وتقريعا وتهكما ، كما في قوله : ( ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنك أنت العزيز الكريم ) [ الدخان : 48 ، 49 ] أي : هذا بذاك ، وهو الذي كنتم تكنزون لأنفسكم ؛ ولهذا يقال : من أحب شيئا وقدمه على طاعة الله ، عذب به . وهؤلاء لما كان جمع هذه الأموال آثر عندهم من رضا الله عنهم ، عذبوا بها ، كما كان أبو لهب - لعنه الله - جاهدا في عداوة الرسول ، صلوات الله [ وسلامه ] عليه ، وامرأته تعينه في ذلك ، كانت يوم القيامة عونا على عذابه أيضا ( في جيدها ) أي : [ في ] عنقها ( حبل من مسد ) [ المسد : 5 ] أي : تجمع من الحطب في النار وتلقي عليه ، ليكون ذلك أبلغ في عذابه ممن هو أشفق عليه - كان - في الدنيا ، كما أن هذه الأموال لما كانت أعز الأشياء على أربابها ، كانت أضر الأشياء عليهم في الدار الآخرة ، فيحمى عليها في نار جهنم - وناهيك بحرها - فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم .

قال سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود : والله الذي لا إله غيره ، لا يكوى عبد بكنز فيمس دينار دينارا ، ولا درهم درهما ، ولكن يوسع جلده ، فيوضع كل دينار ودرهم على حدته .

وقد رواه ابن مردويه ، عن أبي هريرة مرفوعا ، ولا يصح رفعه ، والله أعلم .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : بلغني أن الكنز يتحول يوم القيامة شجاعا يتبع صاحبه وهو يفر منه ، ويقول : أنا كنزك ! لا يدرك منه شيئا إلا أخذه .

وقال الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن ثوبان أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : من ترك بعده كنزا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان ، يتبعه ، يقول : ويلك ما أنت ؟ فيقول : أنا كنزك الذي تركته بعدك ! ولا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقصقصها ثم يتبعها سائر جسده .

ورواه ابن حبان في صحيحه ، من حديث يزيد ، عن سعيد به وأصل هذا الحديث في الصحيحين من رواية أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه .

وفي صحيح مسلم ، من حديث سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل يوم القيامة صفائح من نار يكوى بها جنبه وجبهته وظهره ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين الناس ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وذكر تمام الحديث .

وقال البخاري في تفسير هذه الآية : حدثنا قتيبة ، حدثنا جرير ، عن حصين ، عن زيد بن وهب قال : مررت على أبي ذر بالربذة ، فقلت : ما أنزلك بهذه الأرض ؟ قال : كنا بالشام ، فقرأت : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) فقال معاوية : ما هذه فينا ، ما هذه إلا في أهل الكتاب . قال : قلت : إنها لفينا وفيهم .

ورواه ابن جرير من حديث عبثر بن القاسم ، عن حصين ، عن زيد بن وهب ، عن أبي ذر - رضي الله عنه - فذكره ، وزاد : فارتفع في ذلك بيني وبينه القول ، فكتب إلى عثمان يشكوني ، فكتب إلي عثمان أن أقبل إليه ، قال : فأقبلت ، فلما قدمت المدينة ركبني الناس كأنهم لم يروني قبل يومئذ ، فشكوت ذلك إلى عثمان ، فقال لي : تنح قريبا . قلت : والله لن أدع ما كنت أقول .

قلت : كان من مذهب أبي ذر - رضي الله عنه - تحريم ادخار ما زاد على نفقة العيال ، وكان يفتي [ الناس ] بذلك ، ويحثهم عليه ، ويأمرهم به ، ويغلظ في خلافه ، فنهاه معاوية فلم ينته ، فخشي أن يضر بالناس في هذا ، فكتب يشكوه إلى أمير المؤمنين عثمان ، وأن يأخذه إليه ، فاستقدمه عثمان إلى المدينة ، وأنزله بالربذة وحده ، وبها مات - رضي الله عنه - في خلافة عثمان . وقد اختبره معاوية - رضي الله عنه - وهو عنده ، هل يوافق عمله قوله ؟ فبعث إليه بألف دينار ، ففرقها من يومه ، ثم بعث إليه الذي أتاه بها فقال : إن معاوية إنما بعثني إلى غيرك فأخطأت ، فهات الذهب ! فقال : ويحك ! إنها خرجت ، ولكن إذا جاء مالي حاسبناك به .

وهكذا روى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس أنها عامة .

وقال السدي : هي في أهل القبلة .

وقال الأحنف بن قيس : قدمت المدينة ، فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش ، إذ جاء رجل أخشن الثياب ، أخشن الجسد ، أخشن الوجه ، فقام عليهم فقال : بشر الكانزين برضف يحمى عليه في نار جهنم ، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه ، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتزلزل - قال : فوضع القوم رءوسهم ، فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا - قال : وأدبر فاتبعته حتى جلس إلى سارية ، فقلت : ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم . فقال : إن هؤلاء لا يعلمون شيئا .

وفي الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي ذر : ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا يمر عليه ثالثة وعندي منه شيء إلا دينار أرصده لدين

فهذا - والله أعلم - هو الذي حدا أبا ذر على القول بهذا .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن سعيد بن أبي الحسن ، عن عبد الله بن الصامت - رضي الله عنه - أنه كان مع أبي ذر ، فخرج عطاؤه ومعه جارية له ، فجعلت تقضي حوائجه ، ففضلت معها سبعة ، فأمرها أن تشتري به فلوسا . قال : قلت : لو ادخرته للحاجة تنوبك وللضيف ينزل بك ! قال : إن خليلي عهد إلي أن أيما ذهب أو فضة أوكي عليه ، فهو جمر على صاحبه ، حتى يفرغه في سبيل الله - عز وجل - .

ورواه عن يزيد ، عن همام ، به ، وزاد : إفراغا .

وقال الحافظ ابن عساكر بسنده إلى أبي بكر الشبلي في ترجمته ، عن محمد بن مهدي : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن صدقة بن عبد الله ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي فروة الرهاوي ، عن عطاء ، عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الق الله فقيرا ولا تلقه غنيا . قال : يا رسول الله ، كيف لي بذلك ؟ قال : ما سئلت فلا تمنع ، وما رزقت فلا تخبأ ، قال : يا رسول الله ، كيف لي بذلك ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هو ذاك وإلا فالنار إسناده ضعيف .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا جعفر بن سليمان ، حدثنا عتيبة ، عن بريد بن أصرم قال : سمعت عليا - رضي الله عنه - يقول : مات رجل من أهل الصفة ، وترك دينارين - أو : درهمين - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كيتان ، صلوا على صاحبكم .

وقد روي هذا من طرق أخر .

وقال قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي أمامة صدي بن عجلان قال : مات رجل من أهل الصفة ، فوجد في مئزره دينار ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كية . ثم توفي رجل آخر فوجد في مئزره ديناران ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كيتان .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو النضر إسحاق بن إبراهيم الفراديسي ، حدثنا معاوية بن يحيى الأطرابلسي ، حدثني أرطاة ، حدثني أبو عامر الهوزني ، سمعت ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض ، إلا جعل الله بكل قيراط صفحة من نار يكوى بها من قدمه إلى ذقنه .

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا محمد بن خداش ، حدثنا سيف بن محمد الثوري ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يوضع الدينار على الدينار ، ولا الدرهم على الدرهم ، ولكن يوسع جلده فيكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ، هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون سيف هذا كذاب متروك .


تفسير الطبري :

فيه أربع مسائل: الأولى: قوله تعالى: {يوم يحمى عليها في نار جهنم} {يوم} ظرف، والتقدير يعذبون يوم يحمى. ولا يصح أن يكون على تقدير : فبشرهم يوم يحمى عليها، لأن البشارة لا تكون حينئذ. يقال : أحميت الحديدة في النار، أي أوقدت عليها. ويقال : أحميته، ولا يقال : أحميت عليه. وههنا قال عليها، لأنه جعل {على} من صلة معنى الإحماء، ومعنى الإحماء الإيقاد. أي يوقد عليها فتكوى. الكي : إلصاق الحار من الحديد والنار بالعضو حتى يحترق الجلد. والجباه جمع الجبهة، وهو مستوى ما بين الحاجب إلى الناصية. وجبهت فلانا بكذا، أي استقبلته به وضربت جبهته. والجنوب جمع الجنب. والكي في الوجه أشهر وأشنع، وفي الجنب والظهر آلم وأوجع، فلذلك خصها بالذكر من بين سائر الأعضاء. وقال علماء الصوفية : لما طلبوا المال والجاه شان الله وجوههم، ولما طووا كشحا عن الفقير إذا جالسهم كويت جنوبهم، ولما أسندوا ظهورهم إلى أموالهم ثقة بها واعتمادا عليها كويت ظهورهم. وقال علماء الظاهر : إنما خص هذه الأعضاء لأن الغني إذا رأى الفقير زوى ما بين عينيه وقبض وجهه. كما قال : يـــزيد يغض الطرف عني كأنما ** زوى بين عينيه علي المحاجم فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ** ولا تلقني إلا وأنفك راغــم وإذا سأله طوى كشحه، وإذا زاده في السؤال وأكثر عليه ولاه ظهره. فرتب الله العقوبة على حال المعصية. الثانية: واختلفت الآثار في كيفية الكي بذلك، ففي صحيح مسلم من حديث أبي ذر ما ذكرنا من ذكر الرضف. وفيه من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار...). الحديث. وفي البخاري : أنه يمثل له كنزه شجاعا أقرع. وقد تقدم في غير الصحيح عن عبدالله بن مسعود أنه قال : (من كان له مال فلم يؤد زكاته طوقه يوم القيامة شجاعا أقرع ينفر رأسه...) قلت : ولعل هذا يكون في مواطن : موطن يمثل المال فيه ثعبانا، وموطن يكون صفائح وموطن يكون رضفا. فتتغير الصفات والجسمية واحدة، فالشجاع جسم والمال جسم. وهذا التمثيل حقيقة، بخلاف قوله : (يؤتى بالموت كأنه كبش أملح) فإن تلك طريقة أخرى، ولله سبحانه وتعالى أن يفعل ما يشاء. وخص الشجاع بالذكر لأنه العدو الثاني للخلق. والشجاع من الحيات هو الحية الذكر الذي يواثب الفارس والراجل، ويقوم على ذنبه وربما بلغ الفارس، ويكون في الصحارى. وقيل : هو الثعبان. قال اللحياني : يقال للحية شجاع، وثلاثة أشجعة، ثم شجعان. والأقرع من الحيات هو الذي تمعط رأسه وابيض من السم. في الموطأ : له زبيبتان، أي نقطتان منتفختان في شدقيه كالرغوتين. ويكون ذلك في شدقي الإنسان إذا غضب وأكثر من الكلام. قالت أم غيلان بنت جرير ربما أنشدت أبي حتى يتزبب شدقاي. ضرب مثلا للشجاع الذي كثر سمه فيمثل المال بهذا الحيوان فيلقى صاحبه غضبان. وقال ابن دريد : نقطتان سوداوان فوق عينيه. في رواية : مثل له شجاع يتبعه فيضطره فيعطيه يده فيقضمها كما يقضم الفحل. وقال ابن مسعود : (والله لا يعذب الله أحدا بكنز فيمس درهم درهما ولا دينار دينارا، ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل درهم ودينار على حدته) وهذا إنما يصح في الكافر - كما ورد في الحديث - لا في المؤمن. والله أعلم. الثالثة: أسند الطبري إلى أبي أمامة الباهلي قال : مات رجل من أهل الصفة فوجد في بردته دينار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كية). ثم مات آخر فوجد له ديناران. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كيتان). وهذا إما لأنهما كانا يعيشان من الصدقة وعندهما البر، وإما لأن هذا كان في صدر الإسلام، ثم قرر الشرع ضبط المال وأداء حقه. ولو كان ضبط المال ممنوعا لكان حقه أن يخرج كله، وليس في الأمة من يلزم هذا. وحسبك حال الصحابة وأموالهم رضوان الله عليهم. وأما ما ذكر عن أبي ذر فهو مذهب له، رضي الله عنه. وقد روى موسى بن عبيدة عن عمران بن أبي أنس عن مالك بن أوس بن الحدثان عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من جمع دينارا أو درهما أو تبرا أو فضة ولا يعده لغريم ولا ينفقه في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة). قلت : هذا الذي يليق بأبي ذر رضي الله عنه أن يقول به، وأن ما فضل عن الحاجة فليس بكنز إذا كان معدا لسبيل الله. وقال أبو أمامة : من خلف بيضا أوصفرا كوي بها مغفورا له أو غير مغفور له، ألا إن حلية السيف من ذلك. وروى ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (ما من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض إلا جعل الله له بكل قيراط صفيحة يكوى بها من فرقه إلى قدمه مغفورا له بعد ذلك أو معذبا). قلت : وهذا محمول على ما لم تؤد زكاته بدليل ما ذكرنا في الآية قبل هذا. فيكون التقدير : وعنده أحمر أو أبيض لم يؤد زكاته. وكذلك ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه : من ترك عشرة آلاف جعلت صفائح يعذب بها صاحبها يوم القيامة. أي إن لم يؤد زكاتها، لئلا تتناقض الأحاديث. والله أعلم. الرابعة: قوله تعالى: {هذا ما كنزتم لأنفسكم} أي يقال لهم هذا ما كنزتم، فحذف. {فذوقوا ما كنتم تكنزون} أي عذاب ما كنتم تكنزون.

التفسير الميسّر:

يوم القيامة توضع قطع الذهب والفضة في النار، فإذا اشتدت حرارتها أُحرقت بها جباه أصحابها وجنوبهم وظهورهم. وقيل لهم توبيخًا: هذا مالكم الذي أمسكتموه ومنعتم منه حقوق الله، فذوقوا العذاب الموجع؛ بسبب كنزكم وإمساككم.

تفسير السعدي

‏{‏يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا‏}‏ أي‏:‏ على أموالهم، ‏{‏فِي نَارِ جَهَنَّمَ‏}‏ فيحمى كل دينار أو درهم على حدته‏.‏

‏{‏فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ‏}‏ في يوم القيامة كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ويقال لهم توبيخا ولوما‏:‏ ‏{‏هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ‏}‏ فما ظلمكم ولكنكم ظلمتم أنفسكم وعذبتموها بهذا الكنز‏.‏

وذكر اللّه في هاتين الآيتين، انحراف الإنسان في ماله، وذلك بأحد أمرين‏:‏

إما أن ينفقه في الباطل الذي لا يجدي عليه نفعا، بل لا يناله منه إلا الضرر المحض، وذلك كإخراج الأموال في المعاصي والشهوات التي لا تعين على طاعة اللّه، وإخراجها للصد عن سبيل اللّه‏.‏

وإما أن يمسك ماله عن إخراجه في الواجبات، و ‏(‏النهي عن الشيء، أمر بضده‏)‏


تفسير البغوي

( يوم يحمى عليها في نار جهنم ) أي : تدخل النار فيوقد عليها أي على الكنوز ، ( فتكوى بها ) فتحرق بها ، ( جباههم ) أي : جباه كانزيها ، ( وجنوبهم وظهورهم ) روي عن ابن مسعود قال : إنه لا يوضع دينار على دينار ولا درهم على درهم ، ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم في موضع على حدة .

وسئل أبو بكر الوراق : لم خص الجباه والجنوب والظهور بالكي؟ قال : لأن الغني صاحب الكنز إذا رأى الفقير قبض وجهه ، وزوى ما بين عينيه ، وولاه ظهره ، وأعرض عنه بكشحه .

قوله تعالى : ( هذا ما كنزتم ) أي : يقال لهم : هذا ما كنزتم ، ( لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) أي : تمنعون حقوق الله تعالى في أموالكم . وقال بعض الصحابة : هذه الآية في أهل الكتاب . وقال الأكثرون : هي عامة في أهل الكتاب والمسلمين ، وبه قال أبو ذر رضي الله عنه .


الإعراب:

(يَوْمَ) ظرف مكان متعلق ب (عذاب أليم) أو بفعل اذكر المحذوف.

(يُحْمى) مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر.

(عَلَيْها) متعلقان بنائب الفاعل أي يوم تحمى النار عليهم، والجملة في محل جر بالإضافة.

(فِي نارِ) متعلقان بالفعل.

(جَهَنَّمَ) مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة.

(فَتُكْوى) مضارع مبني للمجهول تعلق به الجار والمجرور، والفاء عاطفة.

(جِباهُهُمْ) نائب فاعل.

(وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ) أسماء معطوفة.

(هذا ما) اسم إشارة في محل رفع مبتدأ واسم الموصول في محل رفع خبره والجملة الاسمية مقول القول المقدر.

(كَنَزْتُمْ) فعل ماض والتاء فاعل والميم لجمع الذكور والجملة صلة الموصول لا محل لها.

(لِأَنْفُسِكُمْ) متعلقان بالفعل.

(فَذُوقُوا) فعل أمر مبني على حذف النون وفاعله، والفاء هي الفصيحة.

(ما) اسم موصول في محل نصب مفعول به.

(كُنْتُمْ) فعل ماض ناقص والتاء اسمها والجملة صلة الموصول وجملة (تَكْنِزُونَ) خبرها.

---

Traslation and Transliteration:

Yawma yuhma AAalayha fee nari jahannama fatukwa biha jibahuhum wajunoobuhum wathuhooruhum hatha ma kanaztum lianfusikum fathooqoo ma kuntum taknizoona

بيانات السورة

اسم السورة سورة التوبة (At-Tauba - The Repentance)
ترتيبها 9
عدد آياتها 129
عدد كلماتها 2506
عدد حروفها 10873
معنى اسمها (التَّوْبَةُ): الاعْتِرَافُ بِالذَّنْبِ، وَالنَّدَمُ عَلَيهِ، والعَزْمُ عَلى عَدَمِ العَودَةِ إِلَيهِ.
سبب تسميتها دَعْوةُ المُشْرِكِينَ إِلَى التَّوبَةِ إِلَى اللهِ والإِيمَانِ بِهِ؛ ولِذَا لَمْ تَبْدَأ السُّورةُ بالبَسْمَلَةِ. وتَوبَةُ اللهِ تَعَالَى عَلَى المُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ: (الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عن غَزْوَةِ تَبُوكَ)
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (التَّوْبَةِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (بَرَاءَة)، وَسُورَةَ (الفَاضِحَةِ)، وَسُورَةَ (العَذَابِ)
مقاصدها بَيَانُ أَحْوَالِ المُشْرِكِينَ وَالمُنَافِقِينَ وَأَحْكَامِهِم، وبيَانُ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم .(حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد). قال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: «تَعَلَّمُوا سُورَةَ بَرَاءَةَ، وَعَلِّمُوا نِسَاءَكُمْ سُورَةَ النُّورِ». (أَثَرٌ صَحِيحٌ، سُنَنَ سَعِيدِ بِن مَنصُوْر)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (التَّوْبَةِ) بِآخِرهَا: الحَدِيثُ عَنْ صِفَةِ إِعْرَاضِ المُشْرِكِين، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِ ...٣﴾، ، الآيَاتِ، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُ ...١٢٩﴾ ...الآيَاتِ. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (التَّوْبَةِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الأَنْفَالِ): ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَوَاخِرِ سُورَةِ (الأَنفَالِ) خِيَانةَ المُشْرِكِينَ للهِ ولِرسُولِهِ، فَقَالَ: ﴿وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدۡ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبۡلُ ...٧١﴾، ثُمَّ افتَتَحَ (التَّوْبَةَ) بِالبَرَاءَةِ مِنْهُم، فَقَالَ: ﴿بَرَآءَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!