المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة القصص: [الآية 77]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة القصص | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ88)
)
[ وحدة الوجود ]
تفسير هذه الآية من وجوه ، وذلك راجع إلى الضمير في قوله تعالى : «إِلَّا وَجْهَهُ» فإنه من وجه يعود على الشيء ، ومن وجه يعود على الحق ، فمن الوجه الذي يعود فيه الضمير على الحق يقول تعالى : «وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ» نهى تعالى أن يدعو مع اللّه إلها ، فنكّر المنهي عنه ، إذ لم يكن ثمّ ، إذ لو كان ثمّ لتعين ، ولو تعين لم يتنكر ، فدل على أنه من دعا مع اللّه إلها آخر فقد نفخ في غير ضرم ، واستسمن ذا ورم ، وكان دعاؤه لحما على وضم ، ليس له متعلق يتعين ، ولا حق يتضح ويتبين ، فكان مدلول دعائه العدم المحض ، فلم يبق إلا من له الوجود المحض «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» «كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ» فكل شيء يتخيل فيه أنه شيء هالك في عين شيئيته عن نسبة الألوهية إليه لا عن شيئيته «إِلَّا وَجْهَهُ» فوجه الحق باق ، وهو ذو الجلال والإكرام والآلاء الجسام ، فالحق الخالص من كان في ذاته يعلم فلا يجهل ، ويجهل فلا يحاط به علما ، فعلم من حيث أنه لا يحاط به علما ، وجهل من حيث أنه لا يحاط به علما ، فعلم من حيث جهل ، فالعلم به عين الجهل به ، فإذا علمنا أن الحقيقة واحدة دون
أن تنسب إلى قديم أو حديث ، نقول : جعل اللّه نفسه عين كل شيء بقوله تعالى : «كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ» لأن السبحات له ، فهي مهلكة ، والمهلك لا يكون هالكا ، فكل شيء هو موجود تشاهده حسا وعقلا ليس بهالك ، لأن وجه الشيء حقيقته ، فما في الوجود إلا اللّه ، فما في الوجود إلا الخير وان تنوعت الصور ، فكل ما ظهر فما هو إلا هو ، لنفسه ظهر ، فما يشهده أمر ولا يكثّره غير ،
ولذلك قال : «لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» أي من يعتقد أن كل شيء جعلناه هالكا ، وما عرف ما قصدناه إذا رآه ما يهلك ، ويرى بقاء عينه مشهودا له دنيا وآخرة ، علم ما أردنا بالشيء الهالك ، وأن كل شيء لم يتصف بالهلاك فهو وجهي ، فعلم أن الأشياء ليست غير وجهي فإنها لم تهلك ، فرد حكمها إلي ، فهذا معنى قوله : «وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» وهو معنى لطيف يخفى على من لم يستظهر القرآن ، فالعالم لم يزل مفقود العين هالكا بالذات في حضرة إمكانه ، وأحكامه يظهر بها الحق لنفسه بما هو ناظر من حقيقة حكم ممكن آخر ،
فالعالم هو الممد بذاته ما يظهر في الكون من الموجودات ، وليس إلا الحق لا غيره ، وبعبارة أخرى «لَهُ الْحُكْمُ» وهو ما ظهر في عين الأشياء ،
ثم قال : «وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» أي مردكم من كونكم أغيارا إليّ ، فيذهب حكم الغير ، فالأحكام في الحق صور العالم كله ، ما ظهر منه وما يظهر ، والأحكام منه ولهذا قال : «لَهُ الْحُكْمُ» ثم يرجع الكل إلى أنه عينه ، فهو الحاكم بكل حكم في كل شيء حكما ذاتيا لا يكون إلا هكذا ، فسمى نفسه بأسمائه ، فحكم عليه بها ، وسمى ما ظهر به من الأحكام الإلهية في أعيان الأشياء ليميز بعضها عن بعض ،
فأعيان العالم لا يقال :إنها عين الحق ولا غير الحق ، بل الوجود كله حق ، ولكن من الحق ما يتصف بأنه مخلوق ، ومنه ما يوصف بأنه غير مخلوق ، لكنه كل موجود ، فإنه موصوف بأنه محكوم عليه بكذا ، فالكل محكوم عليه ، كما حكمنا على كل شيء بالهلاك ، وحكمنا على وجهه بالاستثناء من حكم الهلاك ،
ومن ذلك يكون وجه الشيء حقيقته ، فالشيء هنا ما يعرض لهذه الذات ، فإن كان للعارض وجه فما يهلك في نفسه ، وإنما يهلك بنسبته إلى ما عرض له ، فكل شيء وهو جميع صور العالم «هالِكٌ» موصوف بالهلاك يعني من حيث صوره ، فهو هالك بالصورة للاستحالات ، لأن هالك خبر المبتدأ الذي هو «كُلُّ شَيْءٍ» أي كل ما ينطلق عليه اسم شيء ، فهو هالك في حال اتصافه بالوجود ، كما هو هالك في حال اتصافه بالهلاك الذي
هو العدم ، فلا يزال كل شيء هالك كما لم يزل ، لم يتغير عليه نعت ولا تغير على الوجود نعت ، والموصوف بأنه موجود موجود ، والموصوف بأنه معدوم معدوم ، فإن وصف الممكن بالوجود فهو مجاز لا حقيقة ، لأن الحقيقة تأبى أن يكون موجودا ، فإن العدم للممكن ذاتي ، أي من حقيقة ذاته أن يكون معدوما «إِلَّا وَجْهَهُ»
الاستثناء هنا استثناء منقطع ، والضمير في وجهه يعود على الشيء ، ووجهه ذاته وعينه وكونه وحقيقته ، فهي شيئية ذاته ، وهي المستثناة ولا بد ، لأن الحقائق لا تتصف بالهلاك ، وإنما يتصف بالهلاك الأمور العوارض للحقائق من نسبة بعضها إلى بعض ، فكل شيء من صور العالم هالك من حيث صورته ، إلا من حقائقه فليس بهالك ، ولا يتمكن أن يهلك ، فهو غير هالك من حيث وجهه وحقيقته ، فتختلف عليه الأحكام باختلاف الصور ، فما ثمّ إلا هلاك وإيجاد في عين واحدة ، ومثال ذلك للتقريب ، أن صورة الإنسان إذا هلكت ولم يبق لها في الوجود أثر ، لم تهلك حقيقته التي يميزها الحد ، وهي عين الحد له ،
فنقول : الإنسان حيوان ناطق ، ولا نتعرض لكونه موجودا أو معدوما ، فإن هذه الحقيقة لا تزال له وإن لم تكن له صورة في الوجود ، فالحقائق في العلم معقولات ، وهي للحق معلومات ، وللحق ولأنفسها معقولات ، ولا وجود لها في الوجود الوجودي ولا في الوجود الإمكاني ، فيظهر حكمها في الحق فتنسب إليه وتسمى أسماء إلهية ، فينسب إليها من نعوت الأزل ما ينسب إلى الحق ، وتنسب أيضا إلى الخلق بما يظهر من حكمها فيه ، فينسب إليها من نعوت الحدوث ما ينسب إلى الخلق ، فهي الحادثة القديمة ، والأبدية الأزلية ، فالعالم إن نظرت حقيقته وجدته عرضا زائلا ، أي في حكم الزوال ، وهو قوله تعالى : «كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ»
وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : [ أصدق بيت قالته العرب قول لبيد : ألا كل شيء ما خلا اللّه باطل ] يقول ما له حقيقة يثبت عليها من نفسه ، فما هو موجود إلا بغيره ، ولذلك قال صلّى اللّه عليه وسلم : [ أصدق بيت قالته العرب : ألا كل شيء ما خلا اللّه باطل ]
-وجه آخر - «كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ» فإنه لا يبقى حالة أصلا في العالم كونية ولا إلهية ، وهو قوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) «إِلَّا وَجْهَهُ» يريد ذاته ، إذ وجه الشيء ذاته ، فلا تهلك ، فكل ما سوى ذات الحق فهو في مقام الاستحالة السريعة والبطيئة ، وهو تبدله من صورة إلى صورة دائما أبدا ، فالضمير في وجهه يعود على الشيء ، فالشيء هالك من حيث صورته ، غير هالك من حيث وجهه
وحقيقته ، وليس إلا وجود الحق الذي ظهر به لنفسه . «لَهُ الْحُكْمُ» أي لذلك الشيء الحكم في الوجه ، فتختلف عليه الأحكام باختلاف الصور «وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» في ذلك الحكم ، أي إلى ذلك الشيء يرجع الحكم الذي حكم به على الوجه ، فما ثم إلا هلاك وإيجاد في عين واحدة ، ومن هذه الآية لا نثبت إطلاق لفظ الشيئية على ذات الحق ، لأنها ما وردت ولا خوطبنا بها ، والأدب أولى ،
" وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"
[ توحيد الحكم ]
هذا هو التوحيد الرابع والعشرون في القرآن ، وهو توحيد الحكم بالتوحيد الذي إليه رجوع الكثرة إذ كان عينها ، وهو توحيد الهوية «لَهُ الْحُكْمُ» وهو القضاء «وَإِلَيْهِ» الضمير في إليه يعود على الحكم فإنه أقرب مذكور ، فالقضاء الذي له المضي في الأمور هو الحكم الإلهي على الأشياء «تُرْجَعُونَ» أي إلى القضاء .
(29) سورة العنكبوت مكيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(88) الفتوحات ج 4 / 417 - ج 2 / 417 - ج 3 / 419 - ج 2 / 100 - ج 3 / 373 ، 419 - ج 4 / 417 - ج 3 / 419 - ج 2 / 99 - ج 3 / 255 - ج 2 / 99 ، 224 - ج 4 / 349 - ج 3 / 255 ، 419 ، 443 - ج 2 / 313 - ج 3 / 255 - ج 2 / 99 ، 416 -ح 3 / 112تفسير ابن كثير:
وقوله : ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ) أي : استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة ، في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات ، التي يحصل لك بها الثواب في الدار الآخرة . ( ولا تنس نصيبك من الدنيا ) أي : مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح ، فإن لربك عليك حقا ، ولنفسك عليك حقا ، ولأهلك عليك حقا ، ولزورك عليك حقا ، فآت كل ذي حق حقه .
( وأحسن كما أحسن الله إليك ) أي : أحسن إلى خلقه كما أحسن هو إليك ( ولا تبغ الفساد في الأرض ) أي : لا تكن همتك بما أنت فيه أن تفسد به الأرض ، وتسيء إلى خلق الله ( إن الله لا يحب المفسدين ) .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
{ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ } أي: قد حصل عندك من وسائل الآخرة ما ليس عند غيرك من الأموال، فابتغ بها ما عند اللّه، وتصدق ولا تقتصر على مجرد نيل الشهوات، وتحصيل اللذات، { وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا } أي: لا نأمرك أن تتصدق بجميع مالك وتبقى ضائعا، بل أنفق لآخرتك، واستمتع بدنياك استمتاعا لا يثلم دينك، ولا يضر بآخرتك، { وَأَحْسَنُ } إلى عباد اللّه { كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ } بهذه الأموال، { وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ } بالتكبر والعمل بمعاصي اللّه والاشتغال بالنعم عن المنعم، { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } بل يعاقبهم على ذلك، أشد العقوبة.
تفسير البغوي
( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ) اطلب فيما أعطاك الله من الأموال والنعمة والجنة وهو أن تقوم بشكر الله فيما أنعم عليك وتنفقه في رضا الله تعالى ( ولا تنس نصيبك من الدنيا ) قال مجاهد ، وابن زيد : لا تترك أن تعمل في الدنيا للآخرة حتى تنجو من العذاب ، لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا أن يعمل للآخرة . وقال السدي : بالصدقة وصلة الرحم . وقال علي : لا تنس صحتك وقوتك وشبابك وغناك أن تطلب بها الآخرة . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن شاذان ، أخبرنا أبو يزيد حاتم بن محبوب الشامي ، أخبرنا حسين المروزي ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، أخبرنا جعفر بن برقان ، عن زياد بن الجراح ، عن عمرو بن ميمون الأودي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل : وهو يعظه : " اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك " الحديث مرسل . قال الحسن : أمره أن يقدم الفضل ويمسك ما يغنيه ، قال منصور بن زاذان في قوله : " ولا تنس نصيبك من الدنيا " ، قال : قوتك وقوت أهلك .
( وأحسن كما أحسن الله إليك ) [ أي : أحسن بطاعة الله ] كما أحسن الله إليك بنعمته . وقيل : أحسن إلى الناس كما أحسن الله إليك ( ولا تبغ الفساد في الأرض ) من عصى الله فقد طلب الفساد في الأرض ( إن الله لا يحب المفسدين )
الإعراب:
(وَابْتَغِ) الواو حرف عطف وأمر مبني على حذف حرف العلة والفاعل مستتر (فِيما) متعلقان بالفعل والجملة معطوفة على جملة لا تفرح (آتاكَ) ماض ومفعوله (اللَّهُ) لفظ الجلالة فاعل والجملة صلة ما (الدَّارَ) مفعول ابتغ (الْآخِرَةَ) صفة الدار (وَلا) الواو حرف عطف ولا ناهية (تَنْسَ) مضارع مجزوم بلا الناهية والفاعل مستتر (نَصِيبَكَ) مفعول به (مِنَ الدُّنْيا) متعلقان بالفعل والجملة معطوفة على ما قبلها (وَأَحْسِنْ) أمر فاعله مستتر والجملة معطوفة على ما قبلها (كَما) الكاف حرف تشبيه وجر وما: مصدرية (أَحْسِنْ) ماض مبني على الفتح (اللَّهُ) لفظ الجلالة فاعل (إِلَيْكَ) متعلقان بالفعل والمصدر المؤول من ما والفعل في محل جر بالكاف والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة مفعول مطلق محذوف (وَلا) الواو حرف عطف ولا ناهية (تَبْغِ) مضارع مجزوم بلا الناهية والفاعل مستتر (الْفَسادَ) مفعول به (فِي الْأَرْضِ) متعلقان بالفعل والجملة معطوفة على ما قبلها.
(إِنَّ) حرف مشبه بالفعل (اللَّهُ) لفظ الجلالة اسمه (لا) نافية (يُحِبُّ) مضارع فاعله مستتر (الْمُفْسِدِينَ) مفعول به والجملة الفعلية خبر إن، والجملة الاسمية تعليل لا محل لها.