«ولقد استهزئ برسل من قبلك» كما استهزئ بك وهذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم «فأمْليتُ» أمهلت «للذين كفروا ثم أخذتهم» بالعقوبة «فكيف كان عقاب» أي هو واقع موقعه فكذلك أفعل بمن استهزأ بك.
وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)
" فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً» يعني المكر المضاف إلى عباده والمكر المضاف إليه سبحانه فنفى المكر عنهم «يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ» فأتى بلفظ كل وهي حرف شمول فشملت كل نفس فما تركت شيئا في هذا الموضع «وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ» الكافر الذي ستر عنه هذا العلم في الحياة الدنيا «لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ» في الدار الآخرة حيث ينكشف الغطاء عن الأعين فيعلم من كان يجهل .
------------
(42) الفتوحات ج 1 /
698 - ج 4 /
249
يقول تعالى مسليا لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في تكذيب من كذبه من قومه : ( ولقد استهزئ برسل من قبلك ) أي : فلك فيهم أسوة ، ( فأمليت للذين كفروا ) أي : أنظرتهم وأجلتهم ، ( ثم أخذتهم ) أخذة رابية ، فكيف بلغك ما صنعت بهم وعاقبتهم ؟ كما قال تعالى : ( وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير ) [ الحج : 48 ] وفي الصحيحين : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ، ثم قرأ رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) [ هود : 102 ] .
قوله تعالى {ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم} تقدم معنى الاستهزاء في [البقرة] ومعنى الإملاء في [آل عمران] أي سخر بهم، وأزرى عليهم؛ فأمهلت الكافرين مدة ليؤمن من كان في علمي أنه يؤمن منهم؛ فلما حق القضاء أخذتهم بالعقوبة. {فكيف كان عقاب} أي فكيف رأيتم ما صنعت بهم، فكذلك أصنع بمشركي قومك. قوله تعالى {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} ليس هذا القيام القيام الذي هو ضد القعود، بل هو بمعنى التولي لأمور الخلق؛ كما يقال: قام فلان بشغل كذا؛ فإنه قائم على كل نفس بما كسبت أي يقدرها على الكسب، ويخلقها ويرزقها ويحفظها ويجازيها على عملها؛ فالمعنى: أنه حافظ لا يغفل، والجواب محذوف؛ والمعنى: أفمن هو حافظ لا يغفل كمن يغفل. وقيل {أفمن هو قائم} أي عالم؛ قاله الأعمش. قال الشاعر: فلولا رجال من قريش أعزة ** سرقتم ثياب البيت والله قائم أي عالم؛ فالله عالم بكسب كل نفس. وقيل: المراد بذلك الملائكة الموكلون ببني آدم، عن الضحاك. {وجعلوا} حال؛ أي أوقد جعلوا، أو عطف على {استهزئ} أي استهزؤوا وجعلوا؛ أي سموا {لله شركاء} يعني أصناما جعلوها آلهة. {قل سموهم} أي قل لهم يا محمد {سموهم} أي بينوا أسماءهم، على جهة التهديد؛ أي إنما يسمون: اللات والعزى ومناة وهبل. {أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض} {أم} استفهام توبيخ، أي أتنبئونه؛ وهو على التحقيق عطف على استفهام متقدم في المعنى؛ لأن قوله {سموهم} معناه: ألهم أسماء الخالقين. {أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض}؟. وقيل: المعنى قل لهم أتنبئون الله بباطن لا يعلمه. {أم بظاهر من القول} يعلمه؟ فإن قالوا: بباطن لا يعلمه أحالوا، وإن قالوا: بظاهر يعلمه فقل لهم: سموهم؛ فإذا سموهم اللات والعزى فقل لهم: إن الله لا يعلم لنفسه شريكا. وقيل {أم تنبئونه} عطف على قوله {أفمن هو قائم} أي أفمن هو قائم، أم تنبئون الله بما لا يعلم؛ أي أنتم تدعون لله شريكا، والله لا يعلم لنفسه شريكا؛ أفتنبئونه بشريك له في الأرض وهو لا يعلمه! وإنما خص الأرض بنفي الشريك عنها وإن لم يكن له شريك في غير الأرض لأنهم ادعوا له شركاء في الأرض. ومعنى. {أم بظاهر من القول}: الذي أنزل الله على أنبيائه. وقال قتادة: معناه بباطل من القول؛ ومنه قول الشاعر: أعيرتنا ألبانها ولحومها ** وذلك عار يا ابن ريطة ظاهر أي باطل. وقال الضحاك: بكذب من القول. ويحتمل خامسا - أن يكون الظاهر من القول حجة يظهرونها بقولهم؛ ويكون معنى الكلام: أتجبرونه بذلك مشاهدين، أم تقولون محتجين. {بل زين للذين كفروا مكرهم} أي دع هذا! بل زين للذين كفروا مكرهم قيل: استدراك. على هذا الوجه، أي ليس لله شريك، لكن زين للذين كفروا مكرهم. وقرأ ابن عباس ومجاهد - {بل زين للذين كفروا مكرهم} مسمى الفاعل، وعلى قراءة الجماعة فالذي زين للكافرين مكرهم الله تعالى، وقيل: الشيطان. ويجوز أن يسمى الكفر مكرا؛ لأن مكرهم بالرسول كان كفرا. {وصدوا عن السبيل} أي صدهم الله؛ وهي قراءة حمزة والكسائي. الباقون بالفتح؛ أي صدوا غيرهم؛ واختاره أبو حاتم، اعتبارا بقوله {ويصدون عن سبيل الله} [الأنفال: 47] وقوله {هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام} [الفتح: 25]. وقراءة الضم أيضا حسنة في {زين} و{صدوا} لأنه معلوم أن الله فاعل، ذلك في مذهب أهل السنة؛ ففيه إثبات القدر، وهو اختيار أبي عبيد. وقرأ يحيى بن وثاب وعلقمة - {وصِدوا} بكسر الصاد؛ وكذلك. {هذه بضاعتنا ردت إلينا} [يوسف: 65] بكسر الراء أيضا على ما لم يسم فاعله؛ وأصلها صددوا ورددت، فلما أدغمت الدال الأولى في الثانية نقلت حركتها على ما قبلها فانكسر. {ومن يضلل الله} بخذلانه. {فما له من هاد} أي موفق؛ وفي هذا إثبات قراءة الكوفيين ومن تابعهم؛ لقوله {ومن يضلل الله} فكذلك قوله {وصدوا}. ومعظم القراء يقفون على الدال من غير الياء؛ وكذلك {وال} و{واق}؛ لأنك تقول في الرجل: هذا قاض ووال وهاد، فتحذف الياء لسكونها والتقائها مع التنوين. وقرئ "فما له من هادي" و"والي" و"واقي" بالياء؛ وهو على لغة من يقول: هذا داعي وواقي بالياء؛ لأن حذف الياء في حالة الوصل لالتقائها مع التنوين، وقد أمنا هذا في الوقف؛ فردت الياء فصار هادي ووالي وواقي. وقال الخليل في نداء قاض: يا قاضي بإثبات الياء؛ إذ لا تنوين مع النداء، كما لا تنوين في نحو الداعي والمتعالي. قوله تعالى {لهم عذاب في الحياة الدنيا} أي للمشركين الصادين: بالقتل والسبي والإسار، وغير ذلك من الأسقام والمصائب. {ولعذاب الآخرة أشق} أي أشد؛ من قولك: شق علي كذا يشق. {وما لهم من الله من واق} أي مانع يمنعهم من عذابه ولا دافع. و{من} زائدة.
وإذا كانوا قد سخروا من دعوتك -أيها الرسول- فلقد سَخِرَتْ أمم من قبلك برسلهم، فلا تحزن فقد أمهلتُ الذين كفروا، ثم أخذتُهم بعقابي، وكان عقابًا شديدًا.
يقول تعالى لرسوله -مثبتا له ومسليا- { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ } فلست أول رسول كذب وأوذي { فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا } برسلهم أي: أمهلتهم مدة حتى ظنوا أنهم غير معذبين. { ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ } بأنواع العذاب { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } كان عقابا شديدا وعذابا أليما، فلا يغتر هؤلاء الذين كذبوك واستهزؤوا بك بإمهالنا، فلهم أسوة فيمن قبلهم من الأمم، فليحذروا أن يفعل بهم كما فعل بأولئك.
( ولقد استهزئ برسل من قبلك ) كما استهزءوا بك ( فأمليت للذين كفروا ) أمهلتهم ، وأطلت لهم المدة ، ومنه " الملوان " ، وهما : الليل والنهار ( ثم أخذتهم ) عاقبتهم في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار ( فكيف كان عقاب ) أي : عقابي لهم .
(وَ لَقَدِ) الواو حرف قسم واللام واقعة في جواب قسم وقد حرف تحقيق وجملة القسم مستأنفة (اسْتُهْزِئَ) ماض مبني للمجهول (بِرُسُلٍ) سد مسد نائب الفاعل والجملة لا محل لها لأنها جواب قسم (مِنْ قَبْلِكَ) متعلقان بصفة لرسل (فَأَمْلَيْتُ) الفاء عاطفة وماض وفاعله والجملة معطوفة (لِلَّذِينَ) موصولة متعلقان بأمليت (كَفَرُوا) ماض وفاعله والجملة صلة (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) ماض وفاعله ومفعوله والجملة معطوفة بثم (فَكَيْفَ) الفاء حرف عطف وكيف خبر مقدم لكان (كانَ عِقابِ) كان واسمها والجملة معطوفة
Traslation and Transliteration:
Walaqadi istuhzia birusulin min qablika faamlaytu lillatheena kafaroo thumma akhathtuhum fakayfa kana AAiqabi
And verily messengers (of Allah) were mocked before thee, but long I bore with those who disbelieved. At length I seized them, and how (awful) was My punishment!
Andolsun ki senden önceki peygamberlerle de alay edildi de kafirlere mühlet verdim, sonra da onları helak ediverdim. Nasıl bu azap?
On s'est certes moqué des messagers avant toi. Alors, J'ai donné un répit aux mécréants. Ensuite, Je les ai saisis. Et quel fut Mon châtiment!
Und gewiß, bereits wurden vor dir Gesandte verspottet, dann gewährte ICH denjenigen, die Kufr betrieben haben, noch längere Zeit, dann beseitigte ICH sie. Und wie war Meine Bestrafung?!
 |
بيانات السورة |
| اسم السورة |
سورة الرعد (Ar-Ra'd - The Thunder) |
| ترتيبها |
13 |
| عدد آياتها |
43 |
| عدد كلماتها |
854 |
| عدد حروفها |
3450 |
| معنى اسمها |
(الرَّعْدُ): الصَّوتُ القَوِيُّ الَّذِي يُسْمَعُ مِنَ السَّحَابِ |
| سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ صِفَةِ تَسْبِيحِ الرَّعْدِ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقْصِدِ العَامِّ للسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
| أسماؤها الأخرى |
لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الرَّعْدِ) |
| مقاصدها |
بَيَانُ الأَدِلَّةِ العَدِيدَةِ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ تعَالَى وَتَوحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ |
| أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِن صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
| فضلها |
هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾، فَفِي الحَدِيثِ الطَّوِيْلِ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَقرِئْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «اقرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ﴿الٓر﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
| مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الرَّعْدِ) بِآخِرِهَا:
ذِكْرُ القُرْآنِ الكَرِيمِ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ...١﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَمَنۡ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلۡكِتَٰبِ ...٤٣﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الرَّعْدِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام):
قَالَ عَنِ القُرْآنِ فِي آخِرِ (يُوسُفَ عليه السلام): ﴿مَا كَانَ حَدِيثٗا يُفۡتَرَىٰ ...١١١﴾، وَوَصَفَ المُعْرِضِينَ عَنْهُ فِي أَوَّلِ (الرَّعْدِ) فَقَالَ: ﴿الٓمٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِۗ وَٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ ١﴾. |