«الذين يوفون بعهد الله» المأخوذ عليهم وهم في عالم الذر أو كل عهد «ولا ينقضون الميثاق» بترك الأيمان أو الفرائض.
وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)
" فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً» يعني المكر المضاف إلى عباده والمكر المضاف إليه سبحانه فنفى المكر عنهم «يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ» فأتى بلفظ كل وهي حرف شمول فشملت كل نفس فما تركت شيئا في هذا الموضع «وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ» الكافر الذي ستر عنه هذا العلم في الحياة الدنيا «لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ» في الدار الآخرة حيث ينكشف الغطاء عن الأعين فيعلم من كان يجهل .
------------
(42) الفتوحات ج 1 /
698 - ج 4 /
249
( الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق ) وليسوا كالمنافقين الذين إذا عاهد أحدهم غدر ، وإذا خاصم فجر ، وإذا حدث كذب ، وإذا ائتمن خان .
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى {الذين يوفون بعهد الله} هذا من صفة ذوي الألباب، أي إنما يتذكر أولو الألباب الموفون بعهد الله. والعهد: اسم الجنس؛ أي بجميع عهود الله، وهي أوامره ونواهيه التي وصى بها عبيده؛ ويدخل في هذه الألفاظ التزام جميع الفروض، وتجنب جميع المعاصي. وقوله {ولا ينقضون الميثاق} يحتمل أن يريد به جنس المواثيق، أي إذا عقدوا في طاعة الله عهدا لم ينقضوه. قال قتادة : تقدم الله إلى عباده في نقض الميثاق ونهى عنه في بضع وعشرين آية؛ ويحتمل أن يشير إلى ميثاق بعينه، هو الذي أخذه الله على عباده حين أخرجهم من صلب أبيهم آدم. وقال القفال : هو ما ركب في عقولهم من دلائل التوحيد والنبوات. الثانية: روى أبو داود وغيره عن عوف بن مالك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أو ثمانية أو تسعة فقال : (ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم) وكنا حديث عهد ببيعة فقلنا : قد بايعناك حتى قالها ثلاثا؛ فبسطنا أيدينا فبايعناه، فقال قائل : يا رسول الله! إنا قد بايعناك فعلى ماذا نبايعك؟ قال : (أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وتصلوا الصلوات الخمس وتسمعوا وتطيعوا ـ وأسر كلمة خفية - قال : لا تسألوا الناس شيئا). قال : ولقد كان بعض أولئك النفر يسقط سوطه فما يسأل أحدا أن يناوله إياه. قال ابن العربي : من أعظم المواثيق في الذكر ألا يسأل سواه؛ فقد كان أبو حمزة الخراساني من كبار العباد سمع أن أناسا بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يسألوا أحدا شيئا، الحديث؛ فقال أبو حمزة : رب! إن هؤلاء عاهدوا نبيك إذ رأوه، وأنا أعاهدك ألا أسأل أحدا شيئا؛ قال : فخرج حاجا من الشام يريد مكة فبينما هو يمشي في الطريق من الليل إذ بقي عن أصحابه لعذر ثم أتبعهم، فبينما هو يمشي إليهم إذ سقط في بئر على حاشية الطريق؛ فلما حل في قعره قال : أستغيث لعل أحدا يسمعني. ثم قال : إن الذي عاهدته يراني ويسمعني، والله! لا تكلمت بحرف للبشر، ثم لم يلبث إلا يسيرا إذ مر بذلك البئر نفر، فلما رأوه على حاشية الطريق قالوا : إنه لينبغي سد هذا البئر؛ ثم قطعوا خشبا ونصبوها على فم البئر وغطوها بالتراب؛ فلما رأى ذلك أبو حمزة قال : هذه مهلكة، ثم أراد أن يستغيث بهم، ثم قال : والله! لا أخرج منها أبدا؛ ثم رجع إلى نفسه فقال : أليس قد عاهدت من يراك؟ فسكت وتوكل، ثم استند في قعر البئر مفكرا في أمره، فإذا بالتراب يقع عليه؛ والخشب يرفع عنه، وسمع في أثناء ذلك من يقول : هات يدك! قال : فأعطيته يدي فأقلني في مرة واحدة إلى فم البئر؛ فخرجت فلم أر أحدا؛ فسمعت هاتفا يقول : كيف رأيت ثمرة التوكل؛ وأنشد : نهاني حيائي منك أن أكشف الهوى ** فأغنيتني بالعلم منك عن الكشف تلطفت في أمري فأبديت شاهدي ** إلى غائبي واللطف يدرك باللطف تراءيت لي بالعلم حتى كأنما ** تخبرني بالغيب أنك في كف أراني وبي من هيبتي لك وحشة ** فتؤنسني باللطف منك وبالعطف وتحيي محبا أنت في الحب حتفه ** وذا عجب كيف الحياة مع الحتف قال ابن العربي : هذا رجل عاهد الله فوجد الوفاء على التمام والكمال، فاقتدوا به إن شاء الله تهتدوا. قال أبو الفرج الجوزي : سكوت هذا الرجل في هذا المقام على التوكل بزعمه إعانة على نفسه، وذلك لا يحل؛ ولو فهم معنى التوكل لعلم أنه لا ينافي استغاثته في تلك الحالة؛ كما لم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من التوكل بإخفائه الخروج من مكة، واستئجاره دليلا، واستكتامه ذلك الأمر، واستتاره في الغار، وقوله لسراقة : (أخف عنا). فالتوكل الممدوح لا ينال بفعل محظور؛ وسكوت هذا الواقع في البئر محظور عليه، وبيان ذلك أن الله تعالى قد خلق للآدمي آلة يدفع عنه بها الضرر، وآلة يجتلب بها النفع، فإذا عطلها مدعيا للتوكل كان ذلك جهلا بالتوكل، وردا لحكمة التواضع؛ لأن التوكل إنما هو اعتماد القلب على الله تعالى، وليس من ضرورته قطع الأسباب؛ ولو أن إنسانا جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار؛ قاله سفيان الثوري وغيره، لأنه قد دل على طريقة السلامة، فإذا تقاعد عنها أعان على نفسه. وقال أبو الفرج : ولا التفات إلى قول أبي " فجاء أسد فأخرجني " فإنه إن صح ذلك فقد يقع مثله اتفاقا وقد يكون لطفا من الله تعالى بالعبد الجاهل، ولا ينكر أن يكون الله تعالى لطف به، إنما ينكر فعله الذي هو كسبه، وهو إعانته على نفسه التي هي وديعة لله تعالى عنده، وقد أمره بحفظها.
هل الذي يعلم أن ما جاءك -أيها الرسول- من عند الله هو الحق فيؤمن به، كالأعمى عن الحق الذي لم يؤمن؟ إنما يتعظ أصحاب العقول السليمة الذين يوفون بعهد الله الذي أمرهم به، ولا ينكثون العهد المؤكد الذي عاهدوا الله عليه.
فإن سألت عن وصفهم، فلا تجد أحسن من وصف الله لهم بقوله:
{ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ } الذي عهده إليهم والذي عاهدهم عليه من القيام بحقوقه كاملة موفرة، فالوفاء بها توفيتها حقها من التتميم لها، والنصح فيها { و } من تمام الوفاء بها أنهم { لَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ } أي: العهد الذي عاهدوا عليه الله، فدخل في ذلك جميع المواثيق والعهود والأيمان والنذور، التي يعقدها العباد. فلا يكون العبد من أولي الألباب الذين لهم الثواب العظيم، إلا بأدائها كاملة، وعدم نقضها وبخسها.
( الذين يوفون بعهد الله ) بما أمرهم الله تعالى به وفرضه عليهم فلا يخالفونه ( ولا ينقضون الميثاق ) وقيل : أراد العهد الذي أخذه على ذرية آدم عليه السلام حين أخرجهم من صلبه .
(الَّذِينَ) اسم موصول في محل رفع بدل من أولو (يُوفُونَ) مضارع والواو فاعله والجملة صلة (بِعَهْدِ اللَّهِ) متعلقان بيوفون ولفظ الجلالة مضاف إليه (وَلا يَنْقُضُونَ) الواو عاطفة ولا نافية ومضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعله والجملة معطوفة على ما سبق (الْمِيثاقَ) مفعول به
Traslation and Transliteration:
Allatheena yoofoona biAAahdi Allahi wala yanqudoona almeethaqa
Such as keep the pact of Allah, and break not the covenant;
Onlardır Allah'la ahdettikleri şeye vefa edenler ve verdikleri sözden caymayanlar.
ceux qui remplissent leur engagement envers Allah et ne violent pas le pacte,
Es sind diejenigen, die das ihnen von ALLAH Auferlegte erfüllen und das Gelöbnis nicht verletzen.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الرعد (Ar-Ra'd - The Thunder) |
ترتيبها |
13 |
عدد آياتها |
43 |
عدد كلماتها |
854 |
عدد حروفها |
3450 |
معنى اسمها |
(الرَّعْدُ): الصَّوتُ القَوِيُّ الَّذِي يُسْمَعُ مِنَ السَّحَابِ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ صِفَةِ تَسْبِيحِ الرَّعْدِ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقْصِدِ العَامِّ للسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الرَّعْدِ) |
مقاصدها |
بَيَانُ الأَدِلَّةِ العَدِيدَةِ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ تعَالَى وَتَوحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِن صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾، فَفِي الحَدِيثِ الطَّوِيْلِ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَقرِئْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «اقرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ﴿الٓر﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الرَّعْدِ) بِآخِرِهَا:
ذِكْرُ القُرْآنِ الكَرِيمِ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ...١﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَمَنۡ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلۡكِتَٰبِ ...٤٣﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الرَّعْدِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام):
قَالَ عَنِ القُرْآنِ فِي آخِرِ (يُوسُفَ عليه السلام): ﴿مَا كَانَ حَدِيثٗا يُفۡتَرَىٰ ...١١١﴾، وَوَصَفَ المُعْرِضِينَ عَنْهُ فِي أَوَّلِ (الرَّعْدِ) فَقَالَ: ﴿الٓمٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِۗ وَٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ ١﴾. |