المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة البقرة: [الآية 132]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة البقرة | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286)
أصل التكاليف مشتق من الكلف وهي المشقات «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» وهو ما آتاها من التمكن الذي هو وسعها ، فقد خلق سبحانه لنا التمكن من فعل بعض الأعمال ، نجد ذلك من نفوسنا ولا ننكره ، وهي الحركة الاختيارية ، كما جعل سبحانه فينا المانع من بعض الأفعال الظاهرة فينا ، ونجد ذلك من نفوسنا ، كحركة المرتعش الذي لا اختيار للمرتعش فيها ، وبذلك القدر من التمكن الذي يجده الإنسان في نفسه صح أن يكون مكلفا ، ولا يحقق الإنسان بعقله لما ذا يرجع ذلك التمكن ، هل لكونه قادرا أو لكونه مختارا ؟ وإن كان مجبورا في اختياره ، ولا يمكن رفع الخلاف في هذه المسألة ، فإنها من المسائل المعقولة ولا يعرف الحق فيها إلا بالكشف ، وإذا بذلت النفس الوسع في طاعة اللّه لم يقم عليها حجة ،
فإن اللّه أجلّ أن يكلف نفسا إلا وسعها ، ولذلك كان الاجتهاد في الفروع والأصول «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» لما كانت النفوس ولاة الحق على الجوارح ، والجوارح مأمورة مجبورة غير مختارة فيما تصرف فيه ، مطيعة بكل وجه ، والنفوس ليست كذلك ، فإذا عملت لغير عبادة لا يقبل العمل من حيث القاصد لوقوعه الذي هو النفس المكلفة ، لكن من حيث أن العمل صدر من الجوارح أو من جارحة مخصوصة ، فإنها تجزى به تلك الجارحة ، فيقبل العمل لمن ظهر منه ولا يعود منه على النفس الآمرة به للجوارح شيء إذا كان العمل خيرا بالصورة كصلاة المرائي والمنافق وجميع ما يظهر على جوارحه من أفعال الخير الذي لم تقصد به النفس عبادة ، وأما أعمال الشر المنهي عنها فإن النفس تجزى بها للقصد ، والجوارح لا تجزى بها لأنها ليس في قوتها الامتناع عما تريد النفوس بها من الحركات ، فإنها مجبورة على السمع والطاعة لها ، فإن جارت النفوس فعليها ، وللجوارح رفع الحرج ، بل لهم الخير الأتم ، وإن عدلت النفوس فلها وللجوارح ، لذلك قال تعالى : «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فميز اللّه بين الكسب والاكتساب باللام وعلى ، وهذه الآية بشرى من اللّه حيث جعل المخالفة اكتسابا والطاعة كسبا ، فقال : «لَها ما كَسَبَتْ» فأوجبه لها .
وقال في المعصية والمخالفة : «وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فما أوجب لها الأخذ بما اكتسبته ، فالاكتساب ما هو حق لها فتستحقه ، فتستحق الكسب ولا تستحق الاكتساب ، والحق لا يعامل إلا بالاستحقاق ، والعفو من اللّه يحكم على الأخذ بالجريمة «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا» اعلم أن الرحمة أبطنها اللّه في النسيان الموجود في العالم ، وأنه لو لم يكن لعظم الأمر وشق ، وفيما يقع فيه التذكر كفاية ، وأصل هذا وضع الحجاب بين العالم وبين اللّه في موطن التكليف ، إذ كانت المعاصي والمخالفات مقدرة في علم اللّه فلا بد من وقوعها من العبد ضرورة ، فلو وقعت مع التجلي والكشف لكان مبالغة في قلة الحياء من اللّه حيث يشهده ويراه ، والقدر حاكم بالوقوع فاحتجب رحمة بالخلق لعظيم المصاب ، قال صلّى اللّه عليه وسلم:
إن اللّه إذا أراد نفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم ، حتى إذا أمضى فيهم قضاءه وقدره ردها عليهم ليعتبروا ، وقال صلّى اللّه عليه وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ، فلا يؤاخذهم اللّه به في الدنيا ولا في الآخرة ، فأما في الآخرة فمجمع عليه من الكل ، وأما في الدنيا فأجمعوا على رفع الذنب ، واختلفوا في الحكم ، وكذلك في الخطأ على قدر ما شرع الشارع في
أشخاص المسائل ، مثل الإفطار ناسيا في رمضان وغير ذلك من المسائل ، فإن اللّه تعالى الذي شرع المعصية والطاعة وبيّن حكمهما ، رفع حكم الأخذ بالمعصية في حق الناسي والمخطئ «رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ» وهذا تعليم من الحق لنا أن نسأله في أن لا يقع منه في المستقبل ما لم يقع في الحال ، «وَاعْفُ عَنَّا» أي كثر خيرك لنا وقلل بلاءك عنا ، أي قلل ما ينبغي أن يقلل وكثر ما ينبغي أن يكثر ، فإن العفو من الأضداد يطلق بإزاء الكثرة والقلة ، وليس إلا عفوك عن خطايانا التي طلبنا منك أن تسترنا عنها حتى لا تصيبنا ، وهو قولنا : «وَاغْفِرْ لَنا» أي استرنا من المخالفات حتى لا تعرف مكاننا فتقصدنا «وَارْحَمْنا» برحمة الامتنان ورحمة الوجوب ، أي برحمة الاختصاص.
------------
(286) التنزلات الموصلية - الفتوحات ج 1 / 341 - ج 2 / 381 - ج 3 / 348 ، 123 ، 511 - ج 2 / 535 ، 684 - ج 3 / 381 - ج 1 / 435 ، 434تفسير ابن كثير:
وقوله : ( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب ) أي : وصى بهذه الملة وهي الإسلام لله [ أو يعود الضمير على الكلمة وهي قوله : ( أسلمت لرب العالمين ) ] . لحرصهم عليها ومحبتهم لها حافظوا عليها إلى حين الوفاة ووصوا أبناءهم بها من بعدهم ; كقوله تعالى : ( وجعلها كلمة باقية في عقبه ) [ الزخرف : 28 ] وقد قرأ بعض السلف " ويعقوب " بالنصب عطفا على بنيه ، كأن إبراهيم وصى بنيه وابن ابنه يعقوب بن إسحاق وكان حاضرا ذلك ، وقد ادعى القشيري ، فيما حكاه القرطبي عنه أن يعقوب إنما ولد بعد وفاة إبراهيم ، ويحتاج مثل هذا إلى دليل صحيح ; والظاهر ، والله أعلم ، أن إسحاق ولد له يعقوب في حياة الخليل وسارة ; لأن البشارة وقعت بهما في قوله : ( فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) [ هود : 71 ] وقد قرئ بنصب يعقوب هاهنا على نزع الخافض ، فلو لم يوجد يعقوب في حياتهما لما كان لذكره من بين ذرية إسحاق كبير فائدة ، وأيضا فقد قال الله تعالى في سورة العنكبوت : ( ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) [ الآية : 27 ] وقال في الآية الأخرى : ( ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة ) [ الأنبياء : 72 ] وهذا يقتضي أنه وجد في حياته ، وأيضا فإنه باني بيت المقدس ، كما نطقت بذلك الكتب المتقدمة ، وثبت في الصحيحين من حديث أبي ذر قلت : يا رسول الله ، أي مسجد وضع أول ؟ قال : " المسجد الحرام " ، قلت : ثم أي ؟ قال : " بيت المقدس " . قلت : كم بينهما ؟ قال : " أربعون سنة " الحديث . فزعم ابن حبان أن بين سليمان الذي اعتقد أنه باني بيت المقدس وإنما كان جدده بعد خرابه وزخرفه وبين إبراهيم أربعين سنة ، وهذا مما أنكر على ابن حبان ، فإن المدة بينهما تزيد على ألوف سنين ، والله أعلم ، وأيضا فإن ذكر وصية يعقوب لبنيه سيأتي ذكرها قريبا ، وهذا يدل على أنه هاهنا من جملة الموصين .
وقوله : ( يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) أي : أحسنوا في حال الحياة والزموا هذا ليرزقكم الله الوفاة عليه . فإن المرء يموت غالبا على ما كان عليه ، ويبعث على ما مات عليه . وقد أجرى الله الكريم عادته بأن من قصد الخير وفق له ويسر عليه . ومن نوى صالحا ثبت عليه . وهذا لا يعارض ما جاء ، في الحديث [ الصحيح ] " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها . وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " ; لأنه قد جاء في بعض روايات هذا الحديث : " فيعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس ، ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس . وقد قال الله تعالى : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) [ الليل : 5 - 10 ] .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
ثم ورثه في ذريته, ووصاهم به, وجعلها كلمة باقية في عقبه, وتوارثت فيهم, حتى وصلت ليعقوب فوصى بها بنيه. فأنتم - يا بني يعقوب - قد وصاكم أبوكم بالخصوص, فيجب عليكم كمال الانقياد, واتباع خاتم الأنبياء قال: { يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ } أي: اختاره وتخيره لكم, رحمة بكم, وإحسانا إليكم, فقوموا به, واتصفوا بشرائعه, وانصبغوا بأخلاقه, حتى تستمروا على ذلك فلا يأتيكم الموت إلا وأنتم عليه, لأن من عاش على شيء, مات عليه, ومن مات على شيء, بعث عليه.
تفسير البغوي
{ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب} قرأ أهل المدينة والشام: ((وأوصى)) بالألف، وكذلك هو في مصاحفهم، وقرأ الباقون: ((ووصى)) مشدداً، وهما لغتان مثل (أنزل) و(نَزَّل).
معناه ووصى بها إبراهيم بنيه ووصى يعقوب بنيه، قال الكلبي ومقاتل: "يعني بكلمة الإخلاص لا إله إلا الله"، قال أبو عبيدة: "إن شئت رددت الكناية إلى الملة لأنه ذكر ملة إبراهيم، وإن شئت رددتها إلى الوصية: أي وصى إبراهيم بنيه الثمانية".
إسماعيل وأمه هاجر القبطية، وإسحاق وأمه سارة، وستة أمهم قنطورة بنت يقطن الكنعانية تزوجها إبراهيم بعد وفاة سارة ويعقوب، سمي بذلك لأنه والعيص كانا توأمين فتقدم عيص في الخروج من بطن أمه وخرج يعقوب على أثره آخذاً بعقبه" قال ابن عباس.
وقيل: سمي يعقوب لكثرة عقبه يعني: ووصى أيضاً يعقوب بنيه الاثنى عشر.
{يا بني} معناه أن يا بني.
{إن الله اصطفى} اختار.
{لكم الدين} أي دين الإسلام.
{فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} مؤمنون، وقيل: مخلصون، وقيل: مفوضون.
والنهي في ظاهر الكلام وقع على الموت، وإنما نهوا في الحقيقة عن ترك الإسلام، داوموا على الإسلام حتى لا يصادفكم الموت إلا وأنتم مسلمون، وعن الفضيل بن عياض رحمه الله أنه قال: "(إلا وأنتم مسلمون) أي محسنون بربكم الظن".
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي أنا علي بن الجعد أنا أبو جعفر الرازي عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل".
الإعراب:
(وَوَصَّى) الواو عاطفة وصى فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر.
(بِها) متعلقان بوصي.
(إِبْراهِيمُ) فاعل.
(بَنِيهِ) مفعول به منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، والهاء في محل جر بالإضافة.
(وَيَعْقُوبُ) معطوف على ابراهيم.
(يا بَنِيَّ) يا أداة نداء، بني منادى مضاف منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم وحذفت النون للإضافة والياء في محل جر بالإضافة.
(إِنَّ) حرف مشبه بالفعل.
(اللَّهَ) لفظ الجلالة اسم إن.
(اصْطَفى) فعل ماض والجملة خبر إن.
(لَكُمُ) متعلقان باصطفى.
(الدِّينَ) مفعول به، وجملة (إِنَّ اللَّهَ) مقول القول المحذوف على لسان ابراهيم.
(فَلا) الفاء الفصيحة لا ناهية جازمة.
(تَمُوتُنَّ) فعل مضارع مجزوم بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو المحذوفة فاعل وأصلها تموتونن، ونون التوكيد الثقيلة لا محل لها من الإعراب.
(إِلَّا) أداة حصر.
(وَأَنْتُمْ) الواو حالية أنتم ضمير منفصل مبتدأ.
(مُسْلِمُونَ) خبر مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم، والجملة حالية، وجملة: (تموتن) جواب شرط مقدر.