الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

(الظاهر حضرة الظهور)

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[85] - (الظاهر حضرة الظهور)

إن الظهور له شرط يؤيده *** وليس يظهره إلا الذي غلبا

إن الفتاة التي في طرفها حور *** تفني الدموع وتذكى قلبنا لهبا

فإن أتوك وقالوا إنها نصف *** فإن أفضل نصفيها الذي ذهبا

أنقدتها ورقا حتى أفوز بها *** فمانعت فلهذا صغته ذهبا

لو أنها ظهرت لكل ذي بصر *** أعمى سناها لهذا عينها احتجبا

[إن الله هو الظاهر لنفسه لا لخلقه فلا يدركه سواه‏]

يدعى صاحبها عبد الظاهر ويلقب بالظاهر بأمر الله هذه الحضرة له تعالى لأنه الظاهر لنفسه لا لخلقه فلا يدركه سواه أصلا والذي تعطينا هذه الحضرة ظهور أحكام أسمائه الحسنى وظهور أحكام أعياننا في وجود الحق وهو من وراء ما ظهر فلا أعياننا تدرك رؤية ولا عين الحق تدرك رؤية ولا أعيان أسمائه تدرك رؤية ونحن لا نشك إنا قد أدركنا أمرا ما رؤية وهو الذي تشهده الأبصار منا فما ذلك إلا الأحكام التي لأعياننا ظهرت لنا في وجود الحق فكان مظهر إلها فظهرت أعياننا ظهور الصور في المرائي ما هي عين الرائي لما فيها من حكم المجلى ولا هي عين المجلى لما فيها مما يخالف حكم المجلى وما ثم أمر ثالث من خارج يقع عليه الإدراك وقد وقع فما هو هذا المدرك ومن هو هذا المدرك فمن العالم ومن الحق ومن الظاهر ومن المظهر ومن المظيهر فإن كانت النسب فالنسب أمور عدمية إلا أن علة الرؤية استعداد المرئي لقبول الإدراك فيرى المعدوم سلمنا إن المعدوم يرى فمن الرائي فإن كان نسبة أيضا فكما هو مستعد أن يرى يكون مستعدا أن يرى وإن لم يكن نسبة وكان أمرا وجوديا فكما هو الرائي هو المرئي لأن الذي نراه يرانا فإذا قلنا إنه نسبة من حيث إنه مرئي لنا

فنقول إنه أمر وجودي من حيث إنه يرانا كما قلنا فينا من حيث إنا ندركه فالأمر واحد فقد حرنا فينا وفيه فمن نحن ومن هو وقد قال له بعضنا أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وقال عن نفسه أَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ الله يَرى‏ وخبره صدق‏

[أن الله يرى‏]

وقد أعلم أن بعض العالم يعلم أن الله يرى ثم قال بآلة الاستدراك فعطف ولكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي ثم تجلى للجبل فاندك الجبل ولا أدري عن رؤية أو عن مقدمة رؤية لا بل عن مقدمة رؤية وصعق موسى عن تلك المقدمة فَلَمَّا أَفاقَ قالَ (سُبْحانَكَ) تُبْتُ أي رجعت إلى الحالة التي لم أكن سألتك فيها الرؤية وأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ أي المصدقين بقولك لَنْ تَرانِي فإنه ما نزل هذا القول ابتداء إلا علي فإنا أول المؤمنين به ثم يتبعني في الايمان به من سمعه إلى يوم القيامة فما ظهر لطالب الرؤية ولا للجبل لأنه لو رآه الجبل أو موسى لثبت ولم يندك ولا صعق فإنه تعالى الوجود فلا يعطي إلا الوجود لأن الخير كله بيديه والوجود هو الخير كله فلما لم يكن مرئيا أثر الصعق والاندكاك وهي أحوال فناء والفناء شبيه بالعدم والحق لا يعدم عدم العين ولكن يكون عنه العدم الإضافي وهو الذهاب والانتقال فينقلك أو يذهبك من حال إلى حال مع وجود عينك في الحالين من مكان إلى مكان مع وجود عينك في كل واحد منهما وبينهما وهو قوله إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ... ويَأْتِ بِآخَرِينَ فالإتيان بصفة القدرة والذهاب بالإرادة من حيث ما هو ذهاب خاصة وهذه التفاصيل في غير مفصل لا يكون وليس من شأن المفصل الوجود فإنا نفصل المعدوم إلى محال وإلى ممكن مع كونه معدوما وبقي الكلام فيمن يفصله والكلام عليه مثل الكلام في الرائي والمرئي وقد تقدم فما ذا نقول أو ما نعول عليه فرأينا أن نترك الأمر على حاله كان ما كان إذ الأغراض حاصلة والإدراكات واقعة واللذات حاكمة والشهود دائم والنعيم به قائم ودع يكون ما يكون من عدم أو وجود أو حق أو خلق بعد أنه لا ينقصنا شي‏ء مما نحتاج إليه لا نبالي ولو وقع الإخبار الإلهي لكان الكلام فيه والنظر على ما هو عليه الآن لا يزيد الأمر ولا ينقص فإنه إذا ورد فلا بد من سمع يتعلق به ذلك الخطاب وفهم ومدلول ومتكلم وسامع وهذا عين ما كنا فيه فترك ذلك أولى ونقول ما يقول كل قائل فإن الأمر كله عين واحدة في الحيرة في ذلك فكله صدق ما هو باطل فإنه واقع في الذهن وفي العين وفي جميع الإدراكات فالجنوح إلى السلم أولى بالإنسان ف إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ يعني في الاعتبار والإشارات هذه الخواطر التي أدتك إلى النظر فيما أنت مستغن عنه فأنزلهم الحق هنا منزلة الأعداء لأهل الإشارات ف إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ وهو الصلح بأن يترك الأمر على ما هو عليه ولا يخاض فيه فاتك إنما تخوض فيه لكونه آية من الله عليه وقد قال وإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ وليس إلا الاشتعال بما نأكل ونشرب وننكح وتتصرف فيه من الأعمال المسروعة التي تؤدي إلى السعادة الأخروية وما هذه الأمور قلنا لا ندري إنما نعمل كما أمرنا لنصل إلى ما قيل لنا فإنا ما كذبنا بل رأينا ما مضى كله حق لم يختل شي‏ء منه كذلك ما بقي وقد جنحوا للسلم فأمرنا الله فقال لنبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فَاجْنَحْ لَها وتَوَكَّلْ عَلَى الله فالعاقل يقول بالسمع والطاعة لأمر الله وهذه حالة معجلة وراحة

فليس الظهور سوى ما ظهر *** وليس البطون سوى ما استسر

فأين الذهاب وأين الإياب *** وأين القرار وأين المقر

فمنا إليه ومنه إلينا *** وكل بحكم القضاء والقدر

فلا تبكين على فائت *** فما فات شي‏ء وما ساء سر

فما ثم إلا مضاف وما *** يضاف إليه فجز واعتبر

وقل ما تشاء على من تشاء *** فإن الوجود بهذا ظهر

والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!