الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«الآخر حضرة الآخر»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[84] - «الآخر حضرة الآخر»

والله ما الأول والآخر *** إلا لحفظ العالم الدائر

فإنه يعجز عن حفظه *** لوصفه المخلوق بالقاصر

فكان بالآخر حفظا له *** ليلتقي الواحد بالآخر

فأمرنا دائرة كله *** فالتحق الأول بالآخر

وإنه جلى لنا ذاته *** في صورة الباطن والظاهر

[التقدم والتأخر]

يدعى صاحبها عبد الآخر وحده من الثاني الذي يلي الأول إلى ما تحته فهو المسمى بالآخر لأن له حكم التأخر عن الأولية بلا شك وإن استحق الأولية هذا المتأخر فما تأخر عن الأول إلا لأمر أيسره وأبينه الزمان لأن وجود الأهلية فيه من جميع الوجوه فيعلم إن الحكم في تأخيره وتقدم غيره للزمان كخلافة أبي بكر وعمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عن جميعهم فما منهم واحد إلا وهو مترشح للتقدم والخلافة مؤهل لها فلم يبق حكم لتقدم بعضهم على بعض فيها عند الله لفضل يعلم تطلبه الخلافة فما كان إلا الزمان فلما كان في علم الله أن أبا بكر يموت قبل عمر وعمر يموت قبل عثمان وعثمان يموت قبل علي رضي الله عن جميعهم والكل له حرمة عند الله فجعل خلافة الجماعة كما وقع فقدم من علم إن أجله يسبق أجل غيره من هؤلاء الأربعة فما قدم من قدم منهم لكونه أكثر أهلية من المتأخر منهم في نظري والله أعلم فالظاهر أنه من كون الآجال فإنه لو بويع خليفتان قتل الآخر منهما للنص الوارد فلو بايع الناس أحد الثلاثة دون أبي بكر ولا بد في علم الله أن يكون أبو بكر خليفة وخليفتان فلا يكون فإن خلع أحد الثلاثة وولي أبو بكر كان عدم احترام في حق المخلوع ونسب الساعي في خلعه إلى أنه خلع من يستحقها ونسب إلى الهوى والظلم والتعدي‏

في حقه ولو لم يخلع لمات أبو بكر في أيامه دون أن يكون خليفة ولا بد له من الخلافة أن يليها في علم الله فلا بد من تقدمه لتقدم أجله قبل صاحبه وكذلك تقدم عمر بن الخطاب وعثمان وعلي والحسن فما تقدم من تقدم لكونه أحق بها من هؤلاء الباقين ولا تأخر من تأخر منهم عنها لعدم الأهلية وما علم الناس ذلك إلا بعد أن بين الله ذلك بآجالهم وموتهم واحدا بعد آخر في خلافته إن التقدم إنما وقع بالآجال عندنا وفي نظرنا الظاهر أو بأمر آخر في علم الله لم نقف عليه وحفظ الله المرتبة عليهم رضي الله عن جميعهم فهذا من حكم التأخر والتقدم ولله الأولية لأنه موجد كل شي‏ء ولله الآخرية فإنه قال وإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ وقال وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وقال أَلا إِلَى الله تَصِيرُ الْأُمُورُ فهو الآخر كما هو الأول وما بين الأول والآخر تظهر مراتب الأسماء الإلهية كلها فلا حكم للآخر إلا بالرجوع إليه في كل أمر فإذا كان الله الأول فالإنسان الكامل هو الآخر لأنه في الرتبة الثانية وهو الخليفة وهو أيضا الآخر بخلقه الطبيعي فإنه آخر المولدات لأن الله لما أراد به الخلافة والإمامة بدأ بإيجاد العالم وهياه وسواه وعدله ورتبه مملكة قائمة فلما استعد لقبول أن يكون مأموما أنشأ الله جسم الإنسان الطبيعي ونفخ فيه من الروح الإلهي فخلقه على صورته لأجل الاستخلاف فظهر بجسمه فكان المسمى آدم فجعله في الأرض لخليفة وكان من أمره وحاله مع الملائكة ما ذكر الله في كتابه لنا وجعل الإمامة في بنيه إلى يوم القيامة فهو الآخر بالنسبة إلى الصورة الإلهية والآخر أيضا بالنسبة إلى الصورة الكونية الطبيعية فهو آخر نفسا وجسما وهو الآخر برجوع أمر العالم إليه فهو المقصود به عمرت الدنيا وقامت وإذا رحل عنها زالت الدنيا ومارت السماء وانتثرت النجوم وكورت الشمس وسيرت الجبال وعطلت العشار وسجرت البحار وذهبت الدار الدنيا بأسرها وانتقلت العمارة إلى الدار الآخرة بانتقال الإنسان فعمرت الجنة والنار وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة والنار فالاسم الأول للأولى وهي الدار الدنيا والاسم الآخر للأخرى وهي الآخرة وإنما قال الله تعالى لمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ولَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ من الْأُولى‏ لأن الآخر ما ورآه مرمى فهو الغاية فمن حصل في درجته فإنه لا ينتقل فله الثبوت والبقاء والدوام والأول ليس كذلك فإنه ينتقل في المراتب حتى ينتهي إلى الآخر وهو الغاية فيقف عنده فلهذا قال له ولَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ من الْأُولى‏ ولَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى‏ فأعطاه صفة البقاء والدوام والنعيم الدائم الذي لا انتقال عنه ولا زوال فهذا ما أعطاه حكم هذه الحضرة والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!