الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى
وهو الباب 558 من الفتوحات المكية
«الواحد الأحد حضرة التوحيد»
[78] - «الواحد الأحد حضرة التوحيد»
وحد إلهك فالأفعال لله *** ولا تكن فيه بالساهي ولا اللاهي
واحذر من الشرك أن الشرك منقصة *** يرديك سلطانها فإنها ما هي
سواك والغير شيء لا وجود له *** واثبت فبيتك لا ملغى ولا واه
لكن له لذة كبرى تعن لها *** أعضاؤنا كلها كلذة الباه
الله يعلم أني في الذي ذكرت *** أبياتنا صادق والله والله
[الوحدانية هي قيام الأحدية به]
يدعى صاحبها عبد الواحد بالحاء المهملة إذا أراد الاسم وإذا أراد الصفة يقال له عبد الأحد وأما الوحدانية فهي قيام الأحدية به أعني بالواحد فما هي الأحدية ولا الواحد كالجسماني ما هو الجسم وإنما هو ما لا تظهر له عين إلا بقيامه بالجسم أو الجوهر وهو ما يقوم به من الصفات التي محلها الأجسام وكذلك الروح والروحاني فالوحدانية نسبة محققة بين الأحدية والواحد وكون الشيء يسمى واحد قد يكون لعين ذاته فلا يكون مركبا وهو الشيء فإن تركب فليس بشيء
وإنما هو شيئان أو ما بلغ به التركيب حتى يكون أشياء ومع هذا يقال فيه شيء من حيث أحدية المجموع والتركيب لا من حيث أحدية كل شيء في هذا المجموع وقد يكون واحد العين مرتبته فإن الله واحد في ألوهيته فهو واحد المرتبة ولهذا أمرنا أن نعلم أنه لا إله إلا هو وما تعرض للذات جملة واحدة فإن أحدية الذات تعقل ولكن هل في الوجود من هو واحد من جميع الوجوه أم لا في ذلك وقفة فإن الأحدية لكل شيء قديما وحديثا معقولة بلا شك لا يمتري فيها من له مسكة عقل ونظر صحيح ثم إذا نظرت في هذا الواحد لا بد وإن تحكم عليه بنسبة ما أدناها الرتبة فإنه لا يخلو عن رتبة يكون عليها في الوجود فأما أن يكون مؤثرا اسم فاعل أو مؤثرا فيه اسم مفعول أو المجموع أو لا واحدا منهما فالمؤثر هو الفاعل والمؤثر فيه هو محل الانفعال فما في الوجود إلا المجموع وما وقع من التقسيم العقلي إلا المجموع فما ثم مستقل بالتأثير فإن القابل للأثر له أثر بالقبول في نفسه كما للقادر على التأثير فيه ومن حيث إن المنفعل يطلب أن يفعل فيه ما هو طالب له ففعل المطلوب منه ما طلبه هذا الممكن فهو تأثير الممكن في الواجب الفاعل فإنه جعله أن يفعل ففعل كما قال أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فالسؤال والدعاء أثر الإجابة في المجيب وإن لم يحدث في نفسه شيء لأنه ليس محلا للحوادث وإنما هذا الذي نثبته إنما هو أعيان النسب وهذا الذي عبر عنه الشرع بالأسماء فما من اسم إلا وله معنى ليس للآخر وذلك المعنى منسوب إلى ذات الحق وهو المسمى صفة عند أهل الكلام من النظار وهو المسمى نسبة عند المحققين فما في الوجود واحد من جميع الوجوه وما في الوجود إلا واحد واحد لا بد من ذلك ثم تكون النسب بين الواحد والأحد بحسب معقولية تلك النسبة فإن النسب متميزة بعضها عن بعض أين الإرادة من القدرة من الكلام من الحياة من العلم فاسم العليم يعطي ما لا يعطي القدير والحكيم يعطي ما لا يعطي غيره من الأسماء فاجعل ذلك كله نسبا أو اسما أو صفات والأولى أن تكون اسما ولا بد لأن الشرع الإلهي ما ورد في حق الحق بالصفات ولا بالنسب وإنما ورد بالأسماء فقال ولِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وليست سوى هذه النسب وهل لها أعيان وجودية أم لا ففيه خلاف بين أهل النظر وأما عندنا فما فيها خلاف إنها نسب واسما على حقائق معقولة غير وجودية فالذات غير متكثرة بها لأن الشيء لا يتكثر إلا بالأعيان الوجودية لا بالأحكام والإضافات والنسب فما من شيء معلوم إلا وله أحدية بها يقال فيه إنه واحد وأما قول أبي العتاهية
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد
فموجه مع التعري عن القرائن إلى أمور منها أن يكون الضمير في له وفي أنه يعودان إن على الشيء المذكور فكأنه يقول وفي كل شيء آية لذلك الشيء إنه يدل على إن ذلك الشيء واحد في نفسه وليس كذلك إلا عينه خاصة وقد يكون الضمير يعود على الله في له وفي أنه أي فيه دلالة على إن الذي أوجده واحد لا شريك له في إيجاد هذا الشيء وهو مقصود الشاعر بلا شك وما هي تلك العلامة والدلالة ومن هو العالم الذي تعطيه هذه الدلالة توحيد الموجد فاعلم إن الدلالة هي أحدية كل عين سواء كانت أحدية الواحد أو أحدية الكثرة فأحدية كل عين ممكنة تدل على أحدية عين الحق مع كثرة أسمائه ودلالة كل اسم على معنى يغاير مدلول الآخر فيحصل من هذا أحدية الحق في عينه واحدية الكثرة من أسمائه فكل شيء في الوجود قد دل على إن الحق واحد في أسمائه وفي ذاته فاعلم ذلك