الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«حضرة الوجدان وهي حضرة كن»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[77] - «حضرة الوجدان وهي حضرة كن»

إن الوجود بجود الحق مرتبط *** وكلنا فيه مسرور ومغتبط

إن الذي توجد الأعيان همته *** هو الوجود الذي بالجود يرتبط

لو أن ما عنده عندي لقلت به *** لكنني مفلس لذاك نشترط

كشرط موسى عليه حين أرسله *** إلى جبابرة من ربهم قنطوا

فجاء من عندهم صفر اليدين وما *** خابت مقاصده لكنهم قسطوا

[الواجد وهو الذي لا يعتاص عليه شي‏ء]

يدعى صاحبها عبد الواجد بالجيم وهو الذي لا يعتاص عليه شي‏ء وهو الغني بالأشياء فإذا طلب أمرا ما ولم يكن ذلك المطلوب أي لم يحصل فيكون تعويقه من قبله فإنه لا يعتاص عليه شي‏ء مثاله طلب من أبي جهل أن يؤمن بأحدية الله وبرسوله وبما جاء من عنده فلم يجبه إلى ما طلبه منه فالظاهر من إبايته أنه ليس بواجد لما طلب منه والمنع إنما كان منه إذ لم يعطه التوفيق ولو شاء لهديكم أجمعين فهو الواجد بكن إذا تعلقت الإرادة بكونه فما يعتاص عليه شي‏ء يقول له كن فلو قال للإيمان كن في محل أبي جهل وغيره ممن لم يؤمن وخاطبه بالإيمان لكان الايمان في محل المخاطب أبي جهل وغيره فكونه واجدا إنما هو بكن وما عدا كن فما هو من حضرة الوجدان وكذلك عرضه عز وجل الأمانة على السماوات والأرض والجبال أن يحملنها فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها من أجل الذم الذي كان من الله لمن حملها وهو أن الله وصف حاملها بالظلم والجهل ببنية المبالغة فإن حاملها ظلوم لنفسه جهول بقدر الأمانة وإذا تحقق العبد بهذه الحضرة لم يعتص عليه شي‏ء من الممكنات وتحققه أن يكون الحق لسانه ليس غير ذلك فلا يريد شيئا إلا كان فهو واجد لكل شي‏ء وكل من هذه حالته ووقع له توقف فيما يريد تكوينه ووجوده فقد اعتاص عليه فحاله فيه الحال الذي قال الله فيمن سبق في علمه أنه لا يؤمن بالله أن يؤمن بالله فهو وإن نطق بالله فهو مثل نطق الحق بالعبد

كقوله إن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده‏

وقوله إن الله عند لسان كل قائل‏

في بعض محتملاته فإذا قال الله على لسان من شاء من عباده وأمر فقد يقع المأمور به من المأمور وقد لا يقع وإذا قال للمأمور به كن فإنه يقع ولا بد

إذا قلت قال الله فالقول صادق *** وإن قلت قال الناس فالقول للناس‏

فلا تدعى في القول إنك قائل *** وكن حاضرا بالله في صورة الناس‏

فإنك لا تدري بمن أنت قائل *** وليس على من قال بالله من بأس‏

فظهر القصور بالنيابة وهي الشركة كذلك القائل بالحق إلا آمر به قد يقع المأمور به وقد لا يقع والحضرة واحدة فإذا قال العبد المطاع بغير الحق فذلك يقع ولا بد لأنه مخلص للتوحيد وإنه لا يقول إذا قال أو يأمر إذا أمر من غير أن يقول بحق أو يأمر بحق إلا من حقيقته الذي هو عليها من كونه كان أصلا في كون العالم به عالما فإذا أثر بذاته في العالم العلم ويكون العالم به يتنوع في التعلق به لتنوعه لنفسه فإنه لا يعتاص عليه شي‏ء فلو كان من أحواله وقوع ذلك المأمور به لوقع كما وقع النطق به فإنه لا ينطق من حيث ذاته إلا بما هو عليه وصورة هذه المسألة وتحقيقها كقول الحق على لسان العبد افعل فيقع أو لا يقع وذلك أن العبد من المحال أن ينطق من حيث نفسه نطق لسان ظاهر أو باطن وإنما ينطق بالله كل ناطق فإن الله هو المنطق كما قالت الجلود أَنْطَقَنَا الله الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ ناطق فيعطي الممكن بما هو عليه العلم لله والتكوين في غير الله لا يكون إلا لله لا لغيره والنطق من العبد والهم تكوين من الله فيه فلم ينطق ولم يهم إلا بالله فلا يتوحد به الممكن وإذا أمر الله بتكوين على لسان عبده فقد يقع وقد لا يقع فلا ينطق العبد إلا بالاشتراك فلهذا قد يقع وقد لا يقع ما يأمر به أو يريده وكونه لو نطق به العبد بغير اشتراك لوقع إنما هو كقوله لو شاء الله وما شاء الله فجاء بحرف لو وكذلك لو نطق العبد بنفسه وهو لا ينطق بنفسه وإنما ينطق بربه فالنطق للرب وإذا كان النطق للرب على لسان العبد فقد يكون الأثر والتكوين عن ذلك القول وقد لا يكون فتدبر هذا الكلام فإنه يتداخل ويتفلت من الذهن إن لم تتصور الأصل تصورا محكما لا يزال بين عينيك واختصاره إن العبد لا ينطق أبدا إلا بالله‏

[إن الله ينطق باللسان العبد]

وإن الله إذا نطق على لسان العبد بالأمر فإنه لا يلزم وقوع ذلك المطلوب ولا بد وإذا انفرد الحق دون العبد بالتكوين فإنه يقع ولا بد والعبد لا ينفرد أبدا إلا بالتقدير وهو أن يقول فيه لو كما يقول في مشيئته الحق لو شاء وما شاء

[أن كل طالب إنما يطلب ما ليس عنده‏]

واعلم أن كل طالب إنما يطلب ما ليس عنده فإن الحاصل لا يبتغى والحق لا يطلب من الممكن إلا تكوينه وتكوينه ليس عنده فإن الممكن في حال عدمه ليس بمكون فالتكوين ليس بكائن في العين الثابتة الذي هو الشي‏ء فإذا أراده الحق قال له كن فيكون فأراد الحق حصول التكوين في ذلك الشي‏ء لأنه ليس الكون عند ذلك الشي‏ء فما أراد الكون لنفسه وإنما أراده للشي‏ء الذي ليس عنده فإنه تعالى موجود لنفسه فهو يريد الأشياء للأشياء لا لنفسه فإنها عنده فإنه ما من شي‏ء إلا عنده خزائنه ولا تكون خزائن إلا بما يختزن فيها فالأشياء عنده مختزنة في حال ثبوتها فإذا أراد تكوينها لها أنزلها من تلك الخزائن وأمرها أن تكون فتكتسي حلة الوجود فيظهر عينها لعينها ولم تزل ظاهرة لله في علمه أو لعلمه بها فمن هنا يتحقق إن الله يطلب ما ليس عند الطالب وهو تكوين ما ليس بكائن في الحال فهذا تحقيق الواجد بالجيم قال الراجز

أنشد والباغي بحب الوجدان‏

والوجود المطلوب بالذكر عند الطائفة الذي يكون عن الوجد من هذا الباب وهو ما يجده أهل الوجد في نفوسهم في حال وجدهم من العلم بالله‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!