الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«السخي حضرة السخاء»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[50] - «السخي حضرة السخاء»

إن السخي هو الذي يعطي على *** قدر الذي يحتاجه المخلوق‏

لا زائد فيه ولا نقص لذا *** قد عينت فيه عليه حقوق‏

ليس السخي الذي يعطي مجازفة *** إن السخي الذي يعطي على قدر

وليس نعت الذي كان الوجود به *** لكنه من نعوت الخلق والبشر

وإنما سقته لله حين أتت *** به النصوص التي جاءتك في الخبر

فكن به عالما فمن حقيقته *** أن لا يقوم به شي‏ء من الغير

فإن صورته في طي صورتنا *** وإن سورته تربى على السور

[السخاء العطاء بقدر ما يحتاج إليه المعطي إياه‏]

يدعى صاحبها عبد السخي وهي من حضرات العطاء والسخاء العطاء بقدر ما يحتاج إليه المعطي إياه فلا يكون إلا عن سؤال إما بلسان حال أو بلسان مقال وإذا كان بلسان المقال فلا بد من لسان الحال وإلا فليس بمحتاج وحضرات العطاء كثيرة منها الوهب والجود والكرم والسخاء والإيثار وهو عطاء الفتوة وقد بيناه في هذا الكتاب في باب الفتوة وفي كتاب مواقع النجوم في عضو اليد الذي ألفناه بالمرية من بلاد الأندلس سنة خمس وتسعين وخمسمائة عن أمر إلهي وهو كتاب شريف يعني عن الشيخ في تربية المريد ثم ترجع فنقول الوهب في العطاء هو لمجرد الإنعام وهو الذي لا يقترن به طلب معارضة إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً ولا شُكُوراً فهو موصل أمانة كانت بيده والكرم عطاء بعد سؤال والجود عطاء قبل السؤال والسخاء عطاء بقدر الحاجة والإيثار عطاؤك ما أنت محتاج إليه في الحال وهو الأفضل وفي الاستقبال وهو دون المعطي في الحال ولكل عطاء اسم إلهي إلا الإيثار فالله تعالى وهاب كريم جواد سخي ولا يقال فيه عز وجل مؤثر وقد قررنا أنه عالم بكل شي‏ء فكيف يكون السخاء عطاء عن سؤال بلسان الحال وهو القائل عز وجل أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ فما ترك لمخلوق ما يحتاج إليه من حيث ما هو مخلوق تام‏

[كل إنسان محتاج إلى كمال‏]

فاعلم إن ثم تماما وكمالا فالتمام إعطاء كل شي‏ء خلقه وهذا لا سؤال فيه ولا يلزم إعطاء الكمال ويتصور السؤال والطلب في حصول الكمال فإنها مرتبة والمرتبة إذا أوجدها الحق في العبد أعطاها خلقها وما هي من تمام المعطي إياه ولكنها من كماله وكل إنسان وطالب محتاج إلى كمال أي إلى مرتبة ولكن لا يتعين فإنه مؤهل بالذات لمراتب مختلفة ولا بد أن يكون على مرتبة ما من المراتب فيقوم في نفسه أن يسأل الله في أن يعطيه غير المرتبة لما هو عليه من الأهلية لها فيتصور السؤال‏

في الكمال وهو مما يحتاج إليه السائل في نيل غرضه فإنه من تمام خلق الغرض أن يوجد له متعلقة الذي يكون به كماله فإن تمامه تعلقه بمتعلق ما وقد وجد فإن أعطاه الله ما سأله بالغرض فقد أعطاه ما يحتاج إليه الغرض وذلك هو السخاء فإن السخاء عطاء على قدر الحاجة وقد يعطيه الله ابتداء من غير سؤال نطق لكن وجود الأهلية في المعطي إياه سؤال بالحال كما تقول إن كل إنسان مستعد لقبول استعداد ما يكون به نبيا ورسولا وخليفة ووليا ومؤمنا لكنه سوقة وعدو وكافر وهذه كلها مراتب يكون فيها كمال العبد ونقصه‏

قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم كمل من الرجال كثيرون ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون‏

وكل شخص ما عدا هؤلاء مستعد بإنسانيته لقبول ما يكون له به هذا الكمال فبالأهلية هو محتاج إليه وللحرمان وجد السؤال بالحال فحضرة السخاء فيها روائح من حضرة الحكمة فإن الله عز وجل ما منع إلا لحكمة ولا أعطى إلا لحكمة وهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ في المنع والعطاء والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!