الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«الحياء حضرة الحياء»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[49] - «الحياء حضرة الحياء»

إن الحياء لباب الله مفتاح *** وإن سرى لذاك الفتح فتاح‏

فإن فتحت ترى نورا يضي‏ء به *** وجه جميل علاه النور وضاح‏

كأنه في ظلام الليل إن نظرت *** عيناك صورته صبح ومصباح‏

[إن للحياء موطن الخاص‏]

يدعى صاحبها عبد الحي أو عبد المستحيي ورد في الخبر أن الله حيي لكن للحياء موطن خاص فإن الله قد قال في الموطن الذي لا حكم للحياء فيه إِنَّ الله لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً أي لا يترك ضرب المثل بالأدنى والأحقر عند الجاهل فإنه ما هو حقير عند الله وكيف يكون حقيرا من هو عين الدلالة على الله فيعظم الدليل بعظمة مدلوله ثم‏

إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم نطق من هذه الحضرة بقوله الحياء من الايمان والايمان نصف صبر ونصف شكر والله هو الصبور الشكور

ومن هذه الحضرة من اسمه المؤمن شكر عباده على ما أنعموا به على الأسماء الإلهية بقبولهم لآثارها فيهم وصبر على أذى من جهله من عباده فنسب إليه ما لا يليق به ونسبوا إليه عدوا بغير

علم كما أخبرنا عنهم فصبر على ذلك ولا شخص أصبر على أذى من الله لاقتداره على الأخذ فهو المؤمن الكامل في إيمانه بكمال صبره وشكره ومن أعجب شكره أنه شكر عباده على ما هو منه ثم إنه تعالى من حيائه إنه يؤتى بشيخ يوم القيامة فيسأله ويقرره على هناته وزلاته فينكرها كلها فيصدقه ويأمر به إلى الجنة فإذا قيل له سبحانه في ذلك يقول إني استحييت أن أكذب شيبته فأما تصديقه من كون الحياء من الايمان وهو المؤمن فإنه صدق من قبوله لما خلق الله فيه من المعاصي والذنوب وكل ما خلق الله فيه لو لا قبوله ما نفذ الاقتدار فيه وأما

قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وهو الحياء لا يأتي إلا بخير والله حيي فأتاه من حيائه بخير

وأي خير أعظم من أن يستر عليه ولم يفضحه وغفر له وتجاوز عنه وإن العبد إذا قامت به هذه الصفات الإلهية فمن هذه الحضرة تأتيه ومنها يقبلها فإنه لكونه على الصورة الإلهية يقبل من كل حضرة إلهية ما تعطيه لأن لها وجها إلى الحق ووجها إلى العبد وكذلك كل حضرة تضاف إلى العبد مما يقول العلماء فيها تضاف إلى العبد بطريق الاستحقاق والأصالة وإن كنا لا نقول بذلك فإن لكل حضرة منها أيضا وجهين وجها إلى الحق ووجها إلى العبد فانتظم الأمر بين الله وبين خلقه واشتبه فظهر في ذلك الحق بصفة الخلق وظهر الخلق بصفة الحق ووافق شن طبقة فضمه واعتنقه والله غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ فظهر في ذلك التعانق والتوافق لام الألف فكان ذلك العقد والرباط وأخذ العهود والعقود بين الله وبين عباده فقال تعالى وأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!