الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«حضرة الفتح وهي للاسم الفتاح»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[19] - «حضرة الفتح وهي للاسم الفتاح»

حضرة الفتاح للفتح وما *** يعلم الشخص بما يفتح له‏

أن رب الخلق في الخير وفي *** كل شر واقع قد أجمله‏

ربما يعرفه الشخص وما *** يعرف الأمر الذي قد أنزله‏

ثم قد يعلمه الشخص وما *** يعلم الشي‏ء الذي كون له‏

[لهذه الحضرة عبد الفتاح صورة ومعنى وبرزخ‏]

يدعى صاحب هذه الحضرة عبد الفتاح ولها صورة ومعنى وبرزخ وما حازها على الكمال إلا آدم عليه السلام بعلم الأسماء ومحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بجوامع الكلم وما عدا هذين الشخصين فما ذكر لنا ومن هذه الحضرة نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ الله والْفَتْحُ وإِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ولقد كنت بمدينة فاس سنة إحدى وتسعين وخمسمائة وعساكر الموحدين قد عبرت إلى الأندلس لقتال العدو حين استفحل أمره على الإسلام فلقيت رجلا من رجال الله ولا أزكي على الله أحدا وكان من أخص أودائى فسألني ما نقول في هذا الجيش هل يفتح له وينصر في هذه السنة أم لا فقلت له ما عندك في ذلك فقال إن الله قد ذكر ووعد نبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بهذا الفتح في هذه السنة وبشر نبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بذلك في كتابه الذي أنزله عليه وهو قوله تعالى إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً فموضع البشرى فتحا مبينا من غير تكرار الألف فإنها لإطلاق الوقوف في تمام الآية فانظر أعدادها بحساب الجمل فنظرت فوجدت الفتح يكون في سنة إحدى وتسعين وخمسمائة ثم جزت إلى الأندلس إلا أن نصر الله جيش المسلمين وفتح الله به قلعة رباح والأركو وكركوى وما انضاف إلى هذه القلاع من الولايات هذا عاينته من الفتح ممن هذه صفته فأخذنا للفاء ثمانين وللتاء أربعمائة وللحاء المهملة ثمانية وللالف واحدا وللميم أربعين وللباء اثنين وللياء عشرة وللنون خمسين والألف قد أخذنا عددها فكان المجموع إحدى وتسعين وخمسمائة كلها سنون من الهجرة إلى هذه السنة فهذا من الفتوح الإلهي لهذا الشخص وكذلك ما ذكرناه من فتح البيت المقدس فيما اجتمع بالضرب في الم غُلِبَتِ الرُّومُ مع البضع من السنين المذكور فيه بالحسابين الجمل الصغير والكبير فظهر من ذلك فتح البيت المقدس وقد ذكرناه فيما تقدم من هذا الكتاب في باب الحروف منه وهو أن البضع جعلناه ثمانية لكون فتح مكة كان سنة ثمان ثم أخذنا بالجمل الصغير الم ثمانية فأسقطنا الواحد لكون الأس يطلب طرحه لصحة العدد في أصل الضرب في الحساب الرومي والفتح إنما كان في الروم الذين كانوا بالبيت المقدس فأضفنا ثمانية البضع إلى ما اجتمع من حروف الم بعد طرح الواحد للاس فكان خمسة عشر ثم رجعنا إلى الجمل الكبير فضربنا واحدا وسبعين في ثمانية والكل سنون لأنه قال في بِضْعِ سِنِينَ فكان المجموع ثمانية وستين وخمسمائة فجمعناها إلى الخمسة عشر التي في الجمل الصغير فكان المجموع ثلاثا وثمانين وخمسمائة وفيها كان فتح البيت المقدس وهذا العلم من هذه الحضرة ولكن عبد السلام أبو الحكم بن برجان ما أخذه من هذا فوقع له غلط وما شعر به الناس وقد بيناه لبعض أصحابنا حين جاءنا بكتابه فتبين له أنه غلط في ذلك ولكن قارب الأمر وسبب ذلك إنه أدخل عليه علما آخر فأفسده وهذا كله من صورة الفتح لا من معناه ولا من وسطه الذي هو الجامع للطرفين فكان لآدم إحصاء جميع اللغة الواقعة من أصحابها المتكلمين بها إلى يوم القيامة وكان لمحمد ص‏

الرسالة لي الناس كافة باللسان العربي فعم جميع كل لسان فنقل شرعه بالترجمة فعم اللغات وأما الفتح الوسط فهو فتح الأذواق وهو العلم الذي يحصل للعالم به بالتعمل في تحصيله كعلم الفرقان للمتقي فإنه حصله بتقوى الله مع ما انضاف إليه من تكفير السيئات وغفر الذنوب وهذا علم مخصوص بأهل الطريق وهم أهل الله وخاصته وهو علم الأحوال وإن كانت مواهب فإنها لا توهب إلا لمن هو على صفة خاصة وإن كانت تلك الصفة لا تنتجها في الدنيا لكل أحد ولكن لا بد أن تنتج في الآخرة فلما لم يكن من شرطها الإنتاج في الدنيا قيل في علم الأحوال أنها مواهب وهو حصولها عن الذوق ومعنى عن الذوق أول التجلي فإن التوكل مثلا الذي هو الاعتماد على الله فيما يجريه أو وعد به فالذوق فيه الزائد على العلم بذلك عدم الاضطراب عند الفقد لما تركن النفس إليه فيكون ركونها في ذلك إلى الله لا إلى السبب المعين فيجد في نفسه من الثقة بالله في ذلك أعظم مما يجده من عنده السبب الموصل إلى ذلك كالجائع ليس له سبب يصل به إلى نيل ما يزيل جوعه من الغذاء وجائع آخر عنده ما يصل به إلى نيل ما يزيل ما عنده فيكون صاحب السبب قويا لوجود المزيل عنده وهذا الآخر الذي ما عنده إلا الله يساويه في السكون وعدم الاضطراب لعلمه بأن رزقه إن كان بقي له رزق فلا بد من وصوله إليه فسمى عدم هذا الاضطراب ممن هذه صفته من فقد الأسباب ذوقا وكل عاقد يجد الفرق بين هذين الشخصين فإن العالم الذي ليس له هذا الذوق يضطرب عند فقد المزيل مع علمه بأن رزقه إن كان بقي له رزق لا بد أن يصل إليه ومع هذا العلم لا يجد سكونا نفسيا مع الله وصاحب الذوق هو الذي يجد السكون كما يجده صاحب السبب المزيل لا فرق بل ربما هو أوثق وهو قول بعض العلماء إن الإنسان لا ينال هذه الدرجة حتى يكون بربه أوثق منه بما في يده لأن الوعد الإلهي صادق لا تتطرق إليه الآفات والذي بيده من الأسباب يمكن أن يتطرق إليه الآفات فيحال بينه وبين من هو عنده بأي وجه كان فلذلك قلنا إن المتوكل ذوقا أتم في السكون من صاحب السبب الحاصل المزيل لهذا الألم فاعلم ذلك فهذا هو الوسط من علم الفتح وصاحبه يلتذ في باطنه غاية الالتذاذ وأما المعنى من هذه الحضرة فهو ما يطالع به العبد من العلم بالله إذا كان الحق أعني هوية الحق صفات هذا العبد فما يحصل له من العلم إذا كان بهذه الصفة هو المعنى الحاصل من هذه الحضرة وما كل أحد ينال هذا المقام من هذه الحضرة وإن كان فيها فإن الناس يتفاضلون في ذلك ومن هذه الحضرة

قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حين ضرب بين كتفيه علمت علم الأولين والآخرين بذلك الوضع‏

وتلك الضربة أعطاه الله فيها ما ذكره من العلم ويعني بذلك العلم بالله فإن العلم بغير الله تضييع الوقت فإن الله ما خلق العالم إلا له ولا سيما هذا المسمى بالإنس والجن فإنه نص عليه إنه خلقه لعبادته وذكر عن كل شي‏ء أنه يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ فمن علم الله بمثل هذا العلم علم إن كل نطق في العالم كان ذلك النطق ما كان مما يحمد أو يذم أنه تسبيح بوجه لله بحمده أي فيه ثناء على الله لا شك في ذلك ومثل هذا العلم بحمد الله حصل لنا من هذه الحضرة ولكن ما يعرف صورة تنزيله علما بحمد الله والثناء عليه إلا من اختصه الله بوهب هذه الحضرة على الكمال فيسب إنسان إنسانا وهو عند هذا السامع صاحب هذا المقام تسبيح بحمد الله فيؤجر السامع ويأثم القائل والقول عينه وهذا من العلم اللطيف الذي يخفى على أكثر الناس وهو في العلوم بمنزلة أسماء الأشياء كلها إنها أسماء الله في قوله يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى الله خبرا صدقا مع علمنا بما نفتقر إليه من الأشياء فهذا وذلك سواء لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ فسمع بالله وهُوَ شَهِيدٌ فأبصر بالله وهذا القدر من الإيماء كاف في هذه الحضرة والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!