الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

(الصبور حضرة الصبر)

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[100] - (الصبور حضرة الصبر)

عبد الصبور هو الذي لا يصبر *** إلا به فهو الذي لا يضجر

يشكى إليه ويشتكي بالحال في *** صمت فتبصره به يتضرر

حبست نفسي لربي *** وإنني لصبور

وإن ربي بحالي *** كما علمت خبير

فإن أقل *** فيه قولا

فالقول *** صدق وزور

وإنني لصدوق *** فيما أقول بصير

ما لي إليه دليل *** ما لي عليه نصير

[إن الشكوى إلى الله تعالى لا تقدح في نسبة الصبر إلينا]

عبد الصبور قال الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله فوصف نفسه بأنه يؤذي ولم يؤاخذ على أذاه في الوقت من أذاه فوصف نفسه بالصبور لكنه ذكر لنا من يؤذيه وبما ذا يؤذيه لنرفع عنه ذلك مع بقاء اسم الصبور عليه ليعلمنا أنا إذا شكونا إليه ما نزل بنا من البلاء من اسم ما من الأسماء إن تلك الشكوى إليه لا تقدح في نسبة الصبر إلينا فنحن مع هذه الشكوى إليه في رفع البلاء عنا صابرون كما هو صابر مع تعريفنا وإعلامه إيانا بمن يؤذيه وبما يؤذيه لننتصر له وندفع عنه ذلك وهو الصبور ومع هذا التعريف فنحن الصابرون مع الشكوى إليه فلا أرفع ممن يدفع عن الله أذى إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ فمن كان عدوا لله فهو عدو للمؤمن وقد ورد في الخبر ليس من أحد أصبر على أذى من الله لكونه قادرا على الأخذ وما يأخذ ويمهل‏

باسمه الحليم وعلى الحقيقة فما صبر على أحد وإنما صبر على نفسه أعني على حكم اسم من أسمائه لأن الأذى إنما وقع بالنطق وما أنطق من نطق بما يقع به الأذى إلا الذي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ وهو الله تعالى قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا الله الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ والجلود عدل فإن الله قبل شهادتهم على من أقامها عليهم وقال المنطقون اتَّخَذَ الله وَلَداً وأمثال ذلك وكذبوا الله وشتموه وسبوه مختارين ذلك مع علمنا بأنهم مجبورون في اختيارهم منطقون بما أراده لا بما رضيه إلا أن الدقيقة الخفية إن الله نطقهم أي أعطاهم قوة النطق التي بها نطقوا وبقي عين ما نطقوا به‏

وما قالت الجلود إلا أنها منطقة ما تعرضت بالاعتراف إلى ما نطقت به فإن ذلك إذا وقع بالاختيار دون الاضطرار والكرة نسب إلى من وقع منه نسبة صحيحة إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ أي بينا له وخلقنا له الإرادة في محله والتعلق نسبة لا تتصف بالوجود فتكون مخلوقة لأحد فتعلقت بأمر ما متعين مما فيه أذى لله ورسوله ومما يسمى به شاكرا أو كفورا فهو تعلق خاص مع كون الناطق غافلا عن استحضار هذه النسب كلها وردها إلى الله بحكم الأصل فإنه لو استحضرها ما نطق بها إذ لا ينطق بها إلا جاهل أو غافل ثم إنه من الحجة البالغة لله في هذا إنه ما وقع في الوجود من ممكن من الممكنات إلا ما سبق بوقوعه العلم الإلهي فلا بد من وقوعه وما علم الله معلوما من المعلومات إلا بما هو عليه ذلك المعلوم في نفسه فإن العلم يتبع المعلوم ما يتبع الوجود الحادث يعني حدوث الوجود يتبع العلم والعلم يتبع المعلوم وهذا المعلوم الممكن في حال عدمه وشيئية ثبوته على هذا الحكم الذي ظهر به في وجوده فما أعطى العلم لله إلا المعلوم فيقول له الحق هذا منك لا مني لو لم يكن في عينك الثبوتية على ما علمتك به ما علمتك فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لكنه لم يشأ ولا تحدث له عز وجل مشيئة لأنه ليس بمحل للحوادث مع أن المشيئة تابعة للعلم فهي تابع التابع فلهذا الأمر الذي قررناه يقول الله إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله ورَسُولَهُ وقال في الصحيح شتمني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك وكذبني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك‏

وذكر الحديث فقوله ولم يكن ينبغي له ذلك لما له عليه تعالى من فضل إخراجه من الشر الذي هو العدم إلى الخير الذي بيده تعالى وهو الوجود والله يقول في مكارم الأخلاق هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ فأحكام الأسماء الحسنى لذاتها وتعيين تلك الأحكام بكذا دون كذا مع جواز كذا لما أعطاه الممكن المعلوم من نفسه فمن هنا نسب الأذى إلى المخلوق واتصف الحق بالصبر على أذى العبد وعرف أهل الاعتناء من المؤمنين بذلك صورة الشاكي بهم ليدفعوا عنه ذلك الأذى فيكون لهم من الله أعظم الجزاء كما قررناه قبل فهذه حضرة عجيبة فقد ذكرنا مائة حضرة كما اشترطنا على إن الحضرات الإلهية تكاد لا تنحصر لأنها نسب وقد ذكر منها أن لله ثلاثمائة خلق هذه التي ذكرنا من تلك الثلاث مائة وكل اسم إلهي فهو حضرة ومن أسمائه ما نعلم ومنها ما لا نعلم ومنها ما نحوز إطلاق ما نعلم عليه ومنها ما لا نجوزه لما يقتضي في العرف من سوء الأدب فسكتنا عنه أدبا مع الله لكن جاء في القرآن من ذلك شي‏ء بطريق التضمن وأسماء الأفعال التي ما بنى منها أسماء كثيرة وجاء أسماء أشياء نسب إليها حكم ما هو لله ولم يتسم الله بها ونسب ذلك الحكم إليها مثل قوله سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ والواقي إنما هو الله والسربال هنا نائب علق به الذكر في الحكم ونسب الوقاية إليه وليس الواقي إلا الله ولكن ما يطلق على الله اسم السربال بل كل ما يفتقر إليه هو اسم من أسمائه تعالى لأنه قال يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى الله والله هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ولما كان الله يحب الوتر لأنه وتر وجئنا بمائة حضرة فجئنا بالشفعية أوترناها بحضرة الحضرات لتكون مائة وواحدة فإن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن ونحن أهل القرآن فإنه علينا أنزل والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!