Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

البحث في كتاب الفتوحات المكية

عرض الصفحة 211 - من الجزء 1 - [الوارد الطبيعي والروحاني والإلهي‏]

  االصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  
 

الصفحة 211 - من الجزء 1 - [الوارد الطبيعي والروحاني والإلهي‏]


يتخبطك الشَّيْطانُ من الْمَسِّ كما قال الله تعالى وحجبك عن عين الفهم السماع الطبيعي فما حصل لك في سماعك إلا الجهل بك فمن لا يفرق بين فهمه وحركته كيف يرجى فلاحه‏

[الوارد الطبيعي والروحاني والإلهي‏]

فالسماع من عين الفهم هو السماع الإلهي وإذا ورد على صاحبه وكان قويا لما يرد به من الإجمال فغاية فعله في الجسم أن يضجعه لا غير ويغيبه عن إحساسه ولا يصدر منه حركة أصلا بوجه من الوجوه سواء كان من الرجال الأكابر أو الصغار هذا حكم الوارد الإلهي القوي وهو الفارق بينه وبين حكم الوارد الطبيعي فإن الوارد الطبيعي كما قلنا يحركه الحركة الدورية والهيمان والتخبط فعل المجنون وإنما يضجعه الوارد الإلهي لسبب أذكره لك وذلك أن نشأة الإنسان مخلوقة من تراب قال تعالى مِنْها خَلَقْناكُمْ وفِيها نُعِيدُكُمْ ومِنْها نُخْرِجُكُمْ وإن كان فيه من جميع العناصر ولكن العنصر الأعظم التراب قال عز وجل فيه أيضا إِنَّ مَثَلَ عِيسى‏ عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ من تُرابٍ والإنسان في قعوده وقيامه بعد عن أصله الأعظم الذي منه نشأ من أكثر جهاته فإن قعوده وقيامه وركوعه فروع فإذا جاءه الوارد الإلهي وللوارد الإلهي صفة القيومية وهي في الإنسان من حيث جسميته بحكم العرض وروحه المدبر هو الذي كان يقيمه ويقعده فإذا اشتغل الروح الإنساني المدبر عن تدبيره بما يتلقاه من الوارد الإلهي من العلوم الإلهية لم يبق للجسم من يحفظ عليه قيامه ولا قعوده فرجع إلى أصله وهو لصوقه بالأرض المعبر عنه بالاضطجاع ولو كان على سرير فإن السرير هو المانع له من وصوله إلى التراب فإذا فرغ روحه من ذلك التلقي وصدر الوارد إلى ربه رجع الروح إلى تدبير جسده فأقامه من ضجعته هذا سبب اضطجاع الأنبياء على ظهورهم عند نزول الوحي عليهم وما سمع قط عن نبي أنه تخبط عند نزول الوحي هذا مع وجود الواسطة في الوحي وهو الملك فكيف إذا كان الوارد برفع الوسائط لا يصح أن يكون منه قط غيبة عن إحساسه ولا يتغير عن حاله الذي هو عليه فإن الوارد الإلهي برفع الوسائط الروحانية يسرى في كلية الإنسان ويأخذ كل عضو بل كل جوهر فرد فيه حظه من ذلك الوارد الإلهي من لطيف وكثيف ولا يشعر بذلك جليسه ولا يتغير عليه من حاله الذي هو عليه من جليسه شي‏ء إن كان يأكل بقي على أكله في حاله أو شربه أو حديثه الذي هو في حديثه فإن ذلك الوارد يعم وهو قوله تعالى وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ فمن كانت أينيته في ذلك الوقت حالة الأكل أو الشرب أو الحديث أو اللعب أو ما كان بقي على حاله‏

[محاسبة النفس ومراعاة الأنفاس‏]

فلما رأت هذه الطائفة الجليلة هذا الفرق بين الواردات الطبيعية والروحانية والإلهية ورأت أن الالتباس قد ظرأ على من يزعم أنه في نفسه من رجال الله تعالى أنفوا أن يتصفوا بالجهل والتخليط فإنه محل الوجود الطبيعي فارتقت همتهم إلى الاشتغال بالنيات إذ كان الله قد قال لهم وما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ والإخلاص النية ولهذا قيدها بقوله له ولم يقل مخلصين وهو من الاستخلاص فإن الإنسان قد يخلص نيته للشيطان ويسمى مخلصا فلا يكون في عمله لله شي‏ء وقد يخلص للشركة وقد يخلص لله فلهذا قال تعالى مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لا لغيره ولا لحكم الشركة فشغلوا نفوسهم بالأصل في قبول الأعمال ونيل السعادات وموافقة الطلب الإلهي منهم فيما كلفهم به من الأعمال الخالصة له وهو المعبر عنه بالنية فنسبوا إليها لغلبة شغلهم بها وتحققوا إن الأعمال ليست مطلوبة لأنفسها وإنما هي من حيث ما قصد بها وهو النية في العمل كالمعنى في الكلمة فإن الكلمة ما هي مطلوبة لنفسها وإنما هي لما تضمنته فانظر يا أخي ما أدق نظر هؤلاء الرجال وهذا هو المعبر عنه في الطريق بمحاسبة النفس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا

ولقيت من هؤلاء الرجال اثنين أبو عبد الله بن المجاهد وأبو عبد الله بن قسوم بإشبيلية كان هذا مقامهم وكانوا من أقطاب الرجال النياتيين ولما شرعنا في هذا المقام تأسيا بهما وبأصحابهما وامتثالا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الواجب امتثاله في أمره حاسبوا أنفسكم وكان أشياخنا يحاسبون أنفسهم على ما يتكلمون به وما يفعلونه ويقيدونه في دفتر فإذا كان بعد صلاة العشاء وخلوا في بيوتهم حاسبوا أنفسهم وأحضروا دفترهم ونظروا فيما صدر منهم في يومهم من قول وعمل وقابلوا كل عمل بما يستحقه إن استحق استغفارا استغفروا وإن استحق توبة تابوا وإن استحق شكرا شكروا إلى أن يفرغ ما كان منهم في ذلك اليوم وبعد ذلك ينامون فزدنا عليهم في هذا الباب بتقييد الخواطر فكنا نقيد ما تحدثنا به نفوسنا وما تهم به زائدا على كلامنا وأفعالنا وكنت أحاسب نفسي مثلهم في ذلك الوقت وأحضر الدفتر وأطالبها بجميع ما خطر لها وما حدثت به‏



- الفتوحات المكية - الصفحة 211 - من الجزء 1


 
  االصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  
  الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين.

 
عرض الأبواب الفصل الأول فى المعارف الفصل الثانى فى المعاملات الفصل الرابع فى المنازل
مقدمات الكتاب الفصل الخامس فى المنازلات الفصل الثالث فى الأحوال الفصل السادس فى المقامات (هجيرات الأقطاب)
الباب الأول الجزء الثاني الجزء الثالث الجزء الرابع


Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!