الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


76. الموقف السادس والسبعون

ورد وارد غيبي بالمسجد الحرام بسؤال، ونصه: الإيمان بالجنة والجحيم والعذاب الحسيّ والنعيم من ضروريات الدين، المعروفة عند جميع المسلمين، فمن جحد ذلك فهو كافر بإجماع. ومن المعلوم البيّن، الواضح المتعين، أنَّ البنية الإنسانية والنشأة الآدمية مركبة من: صورة هي عظم ولحم وحواس ظاهرة وباطنة وأعضاء: يدان، ورجلان، وعينان، وأذنان، ولسان، ونحو ذلك.

وروح حيوانية شهوانية سفلية، هي محل الشهوات والصفات البهيمية.

وروح قدسية علوية هي العالمة من هذه الصورة، وهي المدركة للخطاب المقصود به وبالجواب.

فهل تقولون: المعذَّب هو الأعضاء والحواس؟! كيف والحق تعالى يقول:

﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور: 24/ 24].

ويقول: ﴿شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ﴾ [فصلت: 41/ 20].

والشاهد الصادق يكرم ولا يهان، فكيف يعذب بالنيران.

أم تقولون: المعذّب هو الروح البهيمي الحيواني الشهواني. كيف؟!.. وهو غير مدرك، ولا عالم بالأوامر الشرعية، ولا مقصود بالخطاب؟! ولو كان مقصوداً بالتكليف لكانت الحيوانات العجم داخلة تحت هذه التكاليف التي نحن مكلفون بها، ول قائل به من علماء المذاهب، إذ الروح الحيواني غاية مبلغه طلب الملائم للطبع، ول خبر له بما وراء ذلك.

أم تقولون: المعذب هو الروح القدسي العلوي المخاطب المجاوب؟!.. كيف والحقّ تعالى يقول: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ﴾[الحجر: 15/ 29 ص 38 / 72]. ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾[الإسراء: 17 / 85].

فكيف يعذب روح الله، وأمر الله، مع هذه الإضافة المؤذنة بأعظم تشريف، وأكبر تكريم؟! أجيبوا مأجورين وأزيلوا حيرة المتحّيرين.

فكان الجواب: إن جواب هذا السؤال لا يجري به قلم، وإنما يكون من قلب إلى قلب، ومن فم إلى فم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!