الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


327. الموقف السابع والعشرون بعد الثلاثمائة

قال تعالى: ﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾[هود: 11/40].

اعلم أن كشف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام صحيح حق لا شك فيه، وكذ مرائيهم، فإن رؤيا النبي وحي، وكذا كشف كمّل الأولياء، وإنما يدخل الخلل أحياناً نادراً فيما كوشفوا به من جهة تفقههم فيه وحكمهم عليه، كما إذا حكموا على الخاص بالعموم مثلاً أو على العام بالخصوص، لكونهم إما كوشفوا بفرد من أفراد العالم مثلاً، كقصة نوح (عليه السلام) فإن الله وعده بنجاة أهله المؤمنين، فحمل ذلك هو على العموم فقال: ﴿إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ﴾[هود:11/45].

فقال تعالى: إنَّ أهلك الموعود بنجاتهم هم المؤمنون خاصة، وابنك هذ كافر فليس هو من أهلك الموعود بنجاتهم: ﴿فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾[هود: 11/46].

فإنّ كون ابنك من أهلك الموعود بنجاتهم غير مراد لنا وإنما مرادن بأهلك الخصوص، وهم المؤمنون، لا العموم.

وكذا إبراهيم الخليل (عليه السلام) أراه الله تعالى في عالم الخيال الرؤيا كبشاً متصوراً بصورة ابنه، وأنه يذبحه، ففهم المثال على ظاهره وعزم على ذبح ابنه، حتى أخبره تعالى أن ذبحك ابنك غير مراد، وإنما أريناك كبشاً في صورة ابنك، وهاهو الكبش فاذبحه تصديقاً لرؤياك. وكذلك تأويل رؤيا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الواردة في صحيح البخاري فإنه قال لأصحابه الكرام: ((أرأيت دار هجرتكم مدينة ذات نخل بين لابتين، وهما الحرتان فذهب وهلي (أي في أول الوهلة)،  على أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب)).

فكشف الأنبياء وكمّل الأولياء حق صدق لا يدخلك فيه شك ولا ريب، فالوحي إلى نوح حق، وإنَّما جاء ماجاء من فهمه العموم وليس بمراده؛ وكذا رؤيا الخليل حق وإما جاء من حمله المثال على ظاهره. وكذا رؤيا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حق وإنّما جاء ماجاء من تعيينه المدينتين المذكورتين.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!