الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


24. الموقف الرابع والعشرون

قال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾[محمد: 47/ 19]

المعنى أنه لا يستحق العبادة والخضوع والاتصاف بصفات الإله وجه من وجوه الحق تعالى الظاهرة بالمظاهر التي هي (أي المظاهر) أعدام عند التحقق، إلاَّ الذات المسّمى بالله. وذلك أنَّ الحقيقة المسماة بالله واحدة من كلّ وجه، ومع وحدتها، فهي ظاهرة وتظهر بما لا نهاية له من الصور، ولها في كل صورة وجه خاص بتلك الصورة، فهي واحدة كثيرة. واحدة بحقيقتها، كثيرة بتعيّناتها ومظاهرها. فحقيقة الله وإن ظهرت بكمالها في مظاهرها التي لا تتناهى فهي لا تتجزأ ولا تتبعّض، ولها في كل مظهر وجه خاص، أي ذات. ولا يستحق العبادة وجه من تلك الوجوه الظاهرة بالمظاهر إلاَّ الذات المسمّى بالله، لأنَّ غيرها وإن كان هو هي، فإنه لا يسمى الله. فإنه تعالى لما ظهر بهذه الصور، سمّاها غيرا وسوى وإنساناً وملكاً وعرشاً وفلكاً وشمساً وكوكباً ونحو ذلك. قال تعالى موبخاً لعبدة الأصنام: ﴿قُلْ سَمُّوهُمْ﴾[الرعد ـ 33]. يعني الأصنام التي عبدوها. لو سموهم ماسموهم إلاَّ حجراً أو شجراً أو نحو ذلك، وما سموا معبوداتهم الله أبداً. فكل من عبد شيئاً غير م سمّى الله فهو كافر. وإن كانت حقيقة ذلك المعبود هي الحقيقة المسماة بالله، وما أساب الحق إلاَّ من عبد الذات المسمى بالله الغيب المطلق الذي لا صورة له ولا يعرف منه إلاَّ وجوده لا غير، من حيث اتصاف الألوهية. وما سوى ذلك مما يعده المتكلمون في الذات من علماء الرسوم معرفة، فهو إلى الجهل أقرب منه إلى المعرفة. وعلى هذا التفسير يكون الاستثناء ظاهراً، فهو بمثابة قولنا: لا رجل إلا زيد، نفينا صفة الرجولة عن كلّ رجل، وإن كانت ثابتة له، وأثبتناها للذات المسماة بزيد فقط. وأما التفسير المشهور، فالاستثناء فيه مشكل. ولذا كثر فيه اللغط والاختلاف حتى قال بعض العلماء ينبغي أن يكون الاستثناء في الكلمة المشرفة قسماً برأسه، ليس من أقسام الاستثناء المعروفة، والذين عبدوا ما عبدوا من دون الله، ما قصدوا بعبادتهم إلا المظاهر التي حصروا الحق فيها، وهي الصور المشهودة لهم وما عرفوا الحق الظاهر بتلك الصور وبغيرها فضلّوا وأضلّوا.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!