Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


23. الموقف الثالث والعشرون

قال تعالى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد: 57/ 3].

اعلم أنَّ الحق تعالى هو الظاهر بهذه الصور المشكلة المحدودة التي هي خيالات لا وجود ولا حقيقة لها إلاَّ في المشاعر الإنسانية، كما إذا أخذت عوداً في طرفه نار، وأدرته بسرعة فإنك ترى دائرة نار لا تشك فيها، وكذا إن حركته مستقيماً فإنك ترى خطاً من نار لا تشك فيه بحسّك وتخيّلك، وتحكم بعقلك وعلمك: إنه ليس ثمة إلاَّ الجمرة التي على رأس العود. فهكذا جميع ما ترى في الأرض والسماء ليس إلاَّ أمر الله الذي هو مجموع صفات الله، الظاهر بكلّ صورة. ﴿وَمَا أَمْرُنَ إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾[القمر: 54/ 50]. وهذه الصور المشكلة المحدودة في الأرض والسماء هي أحكام الاستعدادات الممكنة الثابتة في العلم التي ما شمّت رائحة الوجود ولا تشمُّ أبداً، المسّماة بالأعيان الثابتة وبالحقائق عند الصوفية، وبالماهيات عند المتكلمين. والحق الذي هو الأمر الظاهر بها، على م عليه من الإطلاق وعدم التقييد بهذه المظاهر، والوجود الحق المسمى بالأمر، لا يظهر إلاَّ بما يقتضيه استعداد كل عين ثابتة وماهي طالبة له من الأحوال ومتأهلة من الأزل والقدم، من إيمان وكفر وطاعة ومعصية وعلم وجهل وصلاح وفساد وحسن وقبيح... وغير ذلك من الأقوال والأفعال والاعتقادات والصفات، فصاحب هذا الشهود إذا بدا له قول أو فعل يسوءه من صورة، لا يقول هذا حق: وأنا مستحق لهذا الأمر الصادر من هذه الصورة وإنما يرجع إلى نفسه ويفتّشها: ﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾[القيامة: 75/ 14].

لأنَّ الفاعل والمتكلم وإن كان هو الحق حقيقة من خلف أستار الصور، فهو لا يفعل ولا يقول إلاَّ ماهو مقتضى العين الثابتة التي تلك الصورة حكاية عنها، كحكاية الصور الظاهرة في المرايا مما قابلها من الأشخاص. فأمر الله الذي هو الوجود المفاض على المكونات هو الظاهر وهو الشهادة، وهو المحيط بكل شيء، والمخلوقات هي الباطنة وهي الغيب، ولكن الحكم دائماً للباطن في الظاهر، وللغيب في الشهادة. فحكمت أحكام الأعيان على الوجود الحق الظاهر بما تقتضيه حقائقها، فلا يظهر إلاَّ بأحكامها، كائنة ما كانت، من نقص أو كمال. وهي أعدام لأنها نسب وأغراض. وهو تعالى في هذ الظهور على ماهو عليه من الكمال، لا حلول ولا اتحاد ولا امتزاج. ومن هنا كانت الحجة البالغة للحق تعالى على الخلق.

﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾[الكهف: 18 /49].

لأنهم بطلب استعداداتهم طالبون منه تعالى أن يظهر بأحكام كلّ عين وما تقتضيه. وهذا الاستعداد الكلّي غير مجعول. فماهو مخلوق ولا هو من فعله فتكون الحجة للخلق. وهنا ظلمات مدلهمات تقصر دونها الخطا وتضل فيها القطا.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!