الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


225. الموقف الخامس و العشرون بعد المائتين

قال تعالى: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾[البقرة: 2/ 251].

أي لولا وجود دفع الله، الاسم الجامع لأسماء الجلال والجمال والرضى والغضب، الناس الذين هم مظاهر أسماء الجلال والجمال والرضى والغضب، بعضهم، يعني مظاهر أسماء الجلال و الشرّ و الغضب، ببعض بمظاهر أسماء الجمال والخير والرضى، والاسم الجامع هو المدافع ، و المدافع في الجهتين من حيث الناس، الدين هم مظاهر الصنفين، كم قال: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ ﴾[التوبة:9/14 ].

وأن هذين الصنفين، أعني مظاهر أسماء الجلال و الجمال، المعبّر عنهم باليدين، في الآيات والأحاديث دائماً، في مدافعة ومغالبة ومشاققة، حتى في الشخص الواحد، كما ورد: «أن للملك لمّة وللشيطان لمّة».

فالمطاردة والمدافعة بين مظاهر الجلال والجمال لا تنفك دائماً، كمطاردة الليل والنهار بالنور والظلمة، ﴿ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾ انحل نظامها وزلزلت زلزالها. إذ لولا وجود دفع الله أهل الكفر بأهل الإيمان، وهم مظاهر الاسم «الله» الجامع للجلال والجمال لاستولى الكفر على أهل الأرض. وقد قضى تعالى: أنه إذا لم يبق على وجه الأرض من يقول «الله» قامت القيامة. فانفطرت السماء وطويت الأرض، وانقلب الأمر إلى الآخرة، كما أنه لولا وجود مدافعة الله الشيطان بالملك لفسدت الأرض، أرض النفوس التي هي محل البذور والإلقاء كما قال: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَ وَتَقْوَاهَا﴾[الشمس: 91/ 8].

﴿وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾[البقرة: 2/ 251].

أي ذو أفضال وامتنان بوجود مدافعة مظاهر الخير لمظاهر الشرّ كمدافعة أهل الكفر بأهل الإيمان، ومدافعة الملك للشيطان، ويكون العالمين على هذا عامّاً أريد به خاصّ.

إشارة أخرى: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ﴾ الآية..

الناس: يعم الجن و الإنس. والجنُّ يعم الملائكة وجميع الأرواح. والعالم كله ذو روح. فيكون دفع الله الناس بعضهم ببعض يعم العالم كله أعلاه وأسفله، أعني مدافعة الأسماء بعضها ببعض، التي العالم كله مظاهرها ﴿لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾ ل نحلّت و اضمحلت المرتبة الإمكانية التي هي الأرض القابلة لظهور الأسماء المتدافعة المتغالبة. بل ولا كانت ولا وجدت فإنه لا قيام ولا بقاء لهذه الأرض إلاَّ بمدافعة أسماء الجلال والجمال، التي اشتملت عليها مرتبة الألوهية المسماة بالله، بعضه ببعض، ومغالبتها ومداولتها في الغلبة، لأن العالم كلّه إنما كان من الطبيعة والعناصر، وهي مظاهر الأسماء، ومدافعة بعضها لبعض، ومغالبتها ضرورية. ولولا ذلك الميل ما حدث شيء. لأن الاعتدال لا يكون عنه شيء: ﴿وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾[البقرة: 2/ 251].

ذو أفضال على العالمين، وهو كل ما سواه تعالى ، أمتن على جميع العالم بوجود مدافعة الله الناس، الين هم مظاهر أسمائه، فتمّ إيجاد مظاهر الجمال والجلال، إذ الممكنات تطلب الإيجاد والتأثر، كما أن الأسماء تطلب الظهور والتأثير. والوجود طله خير، والشرّ هو العدم. فالعالمين على مقتضى هذه الإشارة على أصل وضعه.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!