الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


127. الموقف السابع والعشرون بعد المائة

قال تعالى خطاباً لعائشة وخفصة (رضي الله عنه): ﴿وَإِن تَظَاهَرَ عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾[التحريم: 66/4].

قال إمام العارفين شيخنا محيي الدين ما معناه: "لقيت بعض العارفين فقلت له: إن الله تعالى يقول: ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾[الفتح: 48/ 4 و7].

والجنود لا يحتاج إليها إلاَّ لمقابلة عدوّ عظيم، ومن هو هذا العدو العظيم الم ضاد له تعالى ـ، حتى يحتاج لمقابلته بجنود السموات والأرض؟ قال: فقال لي: ألا أدلّك على أعجب من هذا؟ ثم تلا: ﴿ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ﴾.

قال: فازددت إعجاباً، وما عرفت السرّ الذي كانت به هذه القوة لعائشة وحفصة، حتى خاطبهما الحق بهذا الخطاب المبين، لعظيم قوّتهما، فسألت الله تعالى كشفه فكشفه"  أ هـ.

وما كشف الشيخ (رضي الله عنه) هذا السر؛ ولما وقفت على كلام الشيخ هذ تعلّقت همتي بكشفه فكشفه الحق تعالى لي مناماً، فأخبرني أنَّ هذه القوة الحاصلة للمرأتين إنما كانت للمشابهة بحضرة الانفعال، وهي الحضرة الإمكانية، وزاد على ذلك بكونهما مظهرين كاملين للحقيقة الفعلية الوجوبية، لكمالهما الإنساني، فجمع بين حضرتي الفعل والانفعال. فجنس المرأة لمَّا كان محلاً للتكوين كان أقرب إلى المكوّن. وأن حضرة الانفعال لها شرف عظيم، وفضل فخيم، وقدر جسيم، من حيث أنَّ حضرة الفعل والوجوب والتأثير إنما ظهرت بها وتعيّنت بسببها، فلو كانت هذه الحضرة غير قابلة للانفعال والتأثير ما حصل تأثير أصلاً ولا كان لحضرة الفعل والوجوب ظهور، أل ترى العدم المطلق، وهو المستحيل، حيث ما كان قابلاً للانفعال والتأثر ما حصل فيه تأثير، ولا كان لحضرة الفعل والوجوب بها ظهور!؟ فهذه الحضرة الانفعالية، التي هي مظهر للحضرة الفعلية، الجامعة لجميع الأسماء والصفات على الإجمال والتفصيل، ل تقابلها إلاَّ الجامعة للأسماء والصفات على الإجمال والتفصيل وهي الاسم الجامع "الله" وحضرة التفصيل وهي جبريل وصالح المؤمنين، و الملائكة جميعهم. ولانكشاف هذا السرّ لرسول الله (صلى الله عليه وسلم): ((حبّب إليَّ من دنياكم ثلاث: النساء......)).

يعني حبّبهن الله إلي بكشف هذا السرّ الذي فيهن. وما قال أحببت؛ فيكون حبه لهن كسائر الناس من أهل الحبّ الطبيعي والميل الشهواني. وقال سيدنا محيي الدين: كنت أبغض الناس للنساء، مدة ثماني عشرة سنة. والآن أنا أشد الناس حبّاً لهنّ. وما ذلك إلاَّ لانكشاف هذا السر له (رضي الله عنه).


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!