الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


121. الموقف الواحد والعشرون بعد المائة

ورد في صحيح البخاري، وغيره عنه (صلى الله عليه وسلم): ((إِذَ حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وإِذا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْر)).

ففي الحديث تقديم وتأخير، إذ الحكم مؤخر عن الاجتهاد، قد اختلف الأصوليون في المراد من هذا الحديث الشريفن كما هو منقول في كتب الأصول، والذي ورد به الوارد الإلهي: أن المجتهد إذا أصاب ماهو الحكم عند الله تعالى في النازل، ووافق مافي نفس الأمر، كان له أجران، أجر الاجتهاد وأجر الإصابة؛ وإن أ خطأ ماهو الحكم عند الله تعالى، وما وافقه في نفس الأمر، كان له أجر واحد، وهو أجر الاجتهاد، فليست الإصابة إلاَّ في الباطن، وهي موافقة ما عند الله تعالى في النازلة. وأمَّا في الظاهر فالكل مصيب، لأنَّ الشارع قرّر حكم كلّ مجتهد، ولو كان خطأ المجتهد في الظاهر، ما قرّره الشارع، ولما جعله ديناً مشروعاً يتدّين به المجتهد، ومن قلّده، ولم كان له أجر، بل يكون عليه وزر. فكل مجتهد مصيب في الظاهر، حيث أنه بذل وسعه وأدّى ما كلّف به، في طلب الحكم الحقّ في النازلة. ومَّا في الباطن فالمصيب واحد ل بعينه من المختلفين. وعلى ما قررّنا يمكن الجمع بين أقوال الأصوليين، إن لم ينقل عنهم ما يدفع هذا الجمع. وقد أنكر الأستاذ أبو إسحاق القول: بأن كل مجتهد مصيب، فقال: القول بأن كل مجتهد مصيب أوّله سفسطة وآخره زندقة.

 وقوله (صلى الله عليه وسلم) إذا حكم الحاكم فاجتهد.. الخ أعم في الحاكم المجتهد في الفروع الشرعيّة، أو الأصول العقلية الاعتقادية، إذ لا فرق بينهما عند العارفين بالله تعالى ، أهل الكشف والوجود، فإن كلّ واحد من المجتهدين في الفروع والأصول، فعل ما كلّف به، وبذل وسعه، فوصل إلى ما أدّاه إليه اجتهاده:

﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾[الطلاق: 65/ 7]. ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾[البقرة: 2/ 286].

وقد أنكر عامة أهل السنة والمعتزلة، غير أهل الكشف، القول: بأنَّ كلَّ مجتهد في الأصول الاعتقادية مصيب، ونسبوه إلى الكفر، وقرّره العارفون ب الله، وهو الحق، وقالوا: المجتهد في العقليات، إذا وفّى النظر حقّه، وأخطأ، فهو معذور، يريدون المجتهد نفسه لا من قلّده. ووافق العارفين بالله تعالى أبو الحسين البصري و الجاحظ من المعتزلة.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!