الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


107. الموقف السابع بعد المائة

قال تعالى: ﴿مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾[الإسراء: 17/ 15].

اعلم: أن من حصلت له الهداية واهتدى ووصل إلى مقصوده فإنما اهتدى ووصل إلى نفسه لا إلى غيره، ومن ضلَّ بأن لم يصل إلى مقصوده ولا اهتدى إليه فإِنما يضل على نفسه، أي عن نفسه، "فعلى" بمعنى "عن" وذلك لأن نفس الإنسان وروحه هي كل شيء يصحّ أن يعلم، وتقصد معرفته، من حقّ وخلق، وجوهر وعرض، وحادث وقديم. فإذا طلب الإنسان الهداية إلى شيء ليعرفه، ووصل إليه وعرفه، فذلك الشيء نفسه وروحه، فه ي التي تصوّرت له بصورة ذلك الشيء المطلوب المهتدَى إليه، إذ الإنسان متى صفت روحه ونفسه، وتزكّت باتباع الكتاب والسنة ظاهراً وباطناً، واستعملت الرياضة و المجاهدة وأراد أن يعلم شيئاً من الأشياء تصوّرت له روحه بصورة ذلك الشيء المطلوب على حسب ماهو، وعلى حسب ما يريد الله تعالى من تعريفه. فروح الإنسان خالية من كل شيء، لا نقش فيها، لأنها أمر الله تعالى الواحد الذي هو كلمح البصر، و المعلومات في العقل بالقوة، فإذا امتزج العقل بالروح امتزاجاً معنوياً ظهرت العلوم في النفس وتصوّرت بها، حتى الحق تعالى ، وما يستحقه من نعوت الكمال، فكل ذلك إنما هو للنفس والروح، فهي التي تصورت بمسمى الحق تعالى واجب الوجود حتى علم وعرف بجميع ما يجب له من الكمالات. وطالب الحق تعالى ، إذ اهتدى ووصل يجد الطالب عين المطلوب. وإليه يشير خبر:

«من عرف نفسه عرف ربّه».

فالفتح الذي يذكره القوم (رضوان الله عليهم) هو أن يكشف تعالى للعبد أنه هو من غير حلول ولا اتحاد، وأنَّ الرب ربّ و العبد عبد، لا يصير الرب عبداً ولا العبد ربّاً، فإن قلب الحقائق محال. وجميع الأوامر والنواهي الشرعية إنما هي موضوعة لرفع الحجاب عن العبيد، حتى يصلوا إلى ربّهم وصول علم، برفع النسب والاعتبارات الحسّية.

والعقلية، إذ هي كلها عند التحقق نسب لا عين لها في الوجود ا لحق، ولكن الآفة الطارئة على الأبصار صيرته يرى الواحد اثنين، فسبحان مقلب الأبصار والبصائر.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!