الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


10. الموقف العاشر

قال تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ﴾[يس: 36/ 80].

هذا توقيف على كمال قدرته وبديع حكمته، وأنه تعالى يخرج الأشياء من أضدادها، ويخفي الأمور في أندادها، حتى لا يعرج معرج إلاَّ عليه، ولا يتوجه متوجه إلاَّ إليه، فإنه أخرج النار الحارة اليابسة، من الخضرة الباردة الرطبة، ولذا قيل في معنى اسمه اللطيف: أنه الذي يخفي الأشياء في أضدادها، ولمَّا أخفى ليوسف الملك في الرق قال:

﴿إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾[يوسف: 13/ 100].

نبّه بهذا عباده حتى لا يقفوا مع ظواهر الأشياء وما تعطيه طبائعه وصورها، وحتى لا يقفوا مع علم ولا علم ولا حال. فإن هذه كلها كسائر الأكوان، يجب عدم الوثوق بها، والاعتماد عليها، فإن الحق تعالى قد يخرج منها ضّد ما تعطيه صورها عادة، وحتى يعرفوا انفراده تعالى بالخلق والتدبير، وأن فعله تعالى لا يتوقف على الأسباب العادية ولا العقلية، وإنما يفعل مع الأسباب إذا أراد لحكمته ويفعل مع فقدها إذا أراد لقدرته. فهو الفعّال لما يريد، يخرج الخير ممّا صورته شّر ويخرج الشر ممّا صورته خير، كما هو مشاهد لكم، فكم أخرج منّة من محنة، ومحنة من منّة، لا إله إلا هو الواسع الحكيم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!