الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
||
الباب: | فى معرفة عدد ما يحصل من الأسرار للمشاهد عند المقابلة والانحراف وعلى كم ينحرف من المقابلة |
الصفحة 63 - من الجزء الثاني (عرض الصورة)هواء الذي أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة للحق تعالى حين قيل له أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق فقال صلى الله عليه وسلم كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء فنزه أن يكون تصريفه للأشياء على الأهواء فإنه لما كنى عن ذلك الوجود بما هو اسم للسحاب محل تصريف الأهواء نفى أن يكون فوق ذلك العماء هواء أو تحته هواء فله الثبوت الدائم لا على هواء ولا في هواء فإن السؤال وقع بالاسم الرب ومعناه الثابت يقال رب بالمكان إذا أقام فيه وثبت فطابق الجواب [العماء كالوجود: قديم في القديم حادث في المحدث]ولم يصف الحق نفسه في مخلوقاته إلا بقوله يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ وقال كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ فتخيل من لا فهم له تغير الأحوال عليه وهو يتعالى ويتقدس عن التغيير بل الحالات هي متغيرة ما هو يتغير بها فإنه الحاكم ولا حكم عليه فجاء الشارع بصفة الثبوت الذي لا تقبل التغيير فلا تصرف آياته يد الأهواء لأن عماءه لا يقبل الأهواء وذلك العماء هو الأمر الذي ذكرنا أنه يكون في القديم قديما وفي المحدث محدثا وهو مثل قولك أو عين قولك في الوجود إذا نسبته إلى الحق قلت قديم وإذا نسبته إلى الخلق قلت محدث فالعماء من حيث هو وصف للحق هو وصف إلهي ومن حيث هو وصف للعالم هو وصف كياني فتختلف عليه الأوصاف لاختلاف أعيان الموصوفين [الكلام القديم والذكر المحدث]قال تعالى في كلامه القديم الأزلي ما يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ من رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ فنعته بالحدوث لأنه نزل على محدث لأنه حدث عنده ما لم يكن يعلمه فهو محدث عنده بلا شك ولا ريب وهذا الحادث هل هو محدث في نفسه أو ليس بمحدث فإذا قلنا فيه إنه صفة الحق التي يستحقها جلاله قلنا بقدمها بلا شك فإنه يتعالى أن تقوم الصفات الحادثات به فكلام الحق قديم في نفسه قديم بالنسبة إليه محدث أيضا كما قال عند من أنزل عليه كما أنه أيضا من وجوه قدمه نسبته إلى الحدوث بالنظر إلى من أنزل عليه فهو الذي أيضا أوجب له صفة القدم إذ لو ارتفع الحدوث من المخلوق لم يصح نسبة القدم ولم تعقل فلا تعقل النسب التي لها أضداد إلا بأضدادها فقصة الخلق في الظلمة التهيؤ والقبول في الأعيان لظهور الحق في صور الوجود لهذه الأعيان (السؤال الثاني والثلاثون) وكيف صفة المقادير الجواب المقادير هي الصفات الذاتية للأشياء فلا صفة لها فهي الحدود المانعة من هو متصف بها أن تكون صفة لغيره وعندي في حد الحد نظر [مراتب الحدود الثلاث الذاتية الرسمية اللفظية]فإن أراد بقوله صفة المقادير المنع ويجعله صفة من حيث إنك تعبر عنها بأمر هو عينها بعد علمك بهذا فقل إن هذا صفة المقدار وإن أردت الحقيقة فلا صفة للمقادير لأن الشيء لا يكون صفة لنفسه فإن قلت فالصفات النفسية ما هي بأمر زائد على الذات قلنا صدقت قال فإذا قد وصفت الشيء بنفسه قلت إن كان غير مركب فالوصف فيه عين إطلاق لفظ يكون شرحا للفظ آخر عند السامع يقع به الإفهام عنده وإن كان الشيء مركبا فذلك الوصف للمجموع وحكم الشيء من كونه مجموعا غير حكمه من كونه غير مجموع فأنت إنما ذكرت آحاد ذلك المجموع المعقول من هذه الجمعية أمرا ما هو عين كل مفرد من هذا المجموع فهذا الشيء الموصوف بصفاته النفسية إنما تلك أسماء آحاده أ لا ترى الذات لا توصف رأسا فإنها لذاتها هي ذات ولذاتها لا تقبل الوصف ثم لما قلت الله من حيث المرتبة استحق أن يوصف من حيث هذا الاسم بما يطلبه هذا الاسم من الحقائق التي تعينها المحدثات المعبر عنها بالأسماء فما ثم شيء يوصف بنفسه إلا من حيث شرح لفظ بلفظ آخر ولذا قسمنا الحدود إلى ثلاث مراتب ذاتية ورسمية ولفظية فالمقادير جمع مقدار والأقدار جمع قدر فلا يلتبس عليك المقادير بالأقدار فبعض المقادير محل تأثير الأقدار فاعلم فحدود الأمور الذاتية عين مقاديرها فالوزن القدر والموازين المقادير وبها توزن الأشياء فالأمور لا تعلم إلا بحدودها ومن لا حد له فذلك حده فقد علم (السؤال الثالث والثلاثون) فما سبب علم القدر الذي طوى عن الرسل فمن دونهم الجواب في السؤال حذف وهو أن يقول ما سبب طي علم القدر الذي طوى عن الرسل فمن دونهم [علم القدر لا يعلم وقد يعلم سره وتحكمه في الخلائق]فإن كان هذا الرجل يقول بفضل أفضل البشر على أفضل الملائكة فكأنه قال الذي طوى عن كل ما سوى الله وإن كان يرى أن أفضل الملائكة أفضل من أفضل البشر فقوله فمن دونهم لا يلزم أن من هو أفضل من الرسل طوى عنه علم القدر فقد يمكن عنده أن يكون من هو أعلى يعلم ذلك فبقي الجواب عما يقتضيه الأمر في نفسه هل ثم من يعلم علم القدر أم لا قلنا لا ولكن قد يعلم سره وتحكمه في الخلائق وقد أعلمنا به فعلمناه بحمد الله وأن مظاهر الحق في أعيان الممكنات المعبر عنها بالعالم هي |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |