[أن اللّٰه تعالى حد حدود العبادة معللة و غير معللة]
و ذلك أن اللّٰه تعالى حد حدود العبادة عقلية و شرعية معللة و غير معللة فما عقلت علته منها سميناها عقلية و ما لم تعقل علته سميناها تعبد أو عبادة شرعية فهو مع عباده المكلفين يحفظ عليهم أنفاسهم في حدوده و هو مع من ليس بمكلف ينظر ما يفعل معه المكلفون بأن لا يتعدوا حدوده فهو مع كل شيء بهذه المثابة في الدنيا و أما في الآخرة فما هو معهم إلا لحفظ أنفاسهم و لما يوجده فيهم فإنهم محل الانفعال لما يريد إيجاده فلا يزال يوجد له تعالى و لهم فله من حيث ما يسبحه الموجود بحمده في شيئية وجوده فإنها النعمة الكبرى فتسبيحه الحمد لله المنعم المفضل و أما كونه يوجد لهم فلما يحصل لهم من المنفعة بسبب ذلك الموجود و ما يليق به فيعود نفعه عليهم و يعود تسبيحه عليه تعالى هكذا دائما ثم إن العالم لا يزال مسافرا أبدا فالله صاحبه أبدا فهو بعينه يسافر من حال إلى حال و من مقام إلى مقام و الحق معه صاحبه و للحق الشئون كما قال تعالى ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن:29] فالحق أيضا له من شأن إلى شأن فشئون الحق هي أحوال المسافرين يجدد خلقها لهم في كل يوم زمان فرد فلا يتمكن للعالم استقرار على حال واحدة و شأن واحد لأنها أعراض و الأعراض لا تبقي زمانين مطلقا فلا وجود لها إلا زمان وجودها خاصة ثم يعقبها في الزمان الذي يلي زمان وجودها الأمثال أو الأضداد فأعيان الجواهر على هذا لا تخلو عن أحوال و لا خالق لها إلا اللّٰه فالحق في شئون أبدا فإنه لكل عين حال فللحق شئون و لنا أحوال فالصحبة دائمة غير منقطعة و شئون حاكمة إلى غير نهاية و لا بلوغ غاية و ذلك من المرتبة التي صح لنا فيها أولية الظهور ثم استمر السير و تمادى السفر و الانتقال من بلد إلى بلد و من مكان إلى مكان و من مكانة إلى مكانة لكل موجود من العالم فلنعين من ذلك ما يختص بهذا النوع الإنساني فأوجده بكله ظاهر صورته و باطنها أجزاء العالم فظهر بعينه في كونه بعد أن كان يدور في أطوار العالم من عالم الأفلاك و الأركان و لكن مختلف الأحوال مفترق الأجزاء غير معين بهذا الشيء الخاص فالتأمت أجزاؤه و الحق صاحبه في كل حال من أحوال تنقلاته و كيف لا يصحبه و هو خالق تلك الأحوال التي ينقله فيها و الأطوار فأظهر عينه مجموعا لم يبق منه شيئا في غير ذاته ثم جعل ما جعل فيه يستحيل من صورة إلى صورة و هو أيضا سفر و يمده بمثل ما زال عنه و سافر أو بضده لتبقى عين جمعيته فصار الإنسان منزلا من منازل الوجود يسافر منه و يسافر إليه و ليس لكل مسافر إليه إذا وصل و نزل به سوى جائزته ليلة واحدة و هي الزمن الفرد و يرحل و لا يرد عليه حال من الأحوال إلا و الحق صاحب لذلك الوارد فيتعين على هذا المحل الذي هو الإنسان في كل نفس عند ورود كل حال كرامتان كرامة و ضيافة لذلك الوارد بحسب مكانته من ربه و ما تعطيه حقيقته و الإنسان قادر على إجازته و القيام بحرمته و كرامته و ضيافته و لسرعة ارتحاله تكون المسارعة إلى أداء جائزته و الكرامة الأخرى المتعينة عليه كرامة صاحبه الواصل معه و هو اللّٰه الصاحب في السفر فينظر بأي اسم إلهي وصل فذلك الاسم الإلهي هو صاحبه فينظر ما يستحقه ذلك الاسم الإلهي من الجلال و التعظيم و التمجيد و التحميد فيكرمه و يضيفه بها فتلك كرامته و يبادر إلى ذلك في الزمان الواحد لأن الإنسان مجموع و الرحلة سريعة فيعين لكل واحد أعني للحال الوارد و للصاحب معه و هو الاسم الإلهي الذي يحفظه من نفسه ما يستحق أن يقوم بما يتعين للحق عليه من الكرامة و يعين من نفسه أيضا حقيقة أخرى مناسبة للوارد تقوم بخدمته إلى أن يرحل عنه فالإنسان منزل و مناخ للمسافرين من الأحوال و هو في نفسه مسافر أيضا فله مع اللّٰه صحبة دائمة لسفره و له تلقى كل وارد عليه من اللّٰه مع صاحبه من الأسماء الإلهية فيتعين عليه في كل نفس خمسة حقوق يطالب بالقيام بها حق الوارد عليه و حق صاحبه و حق المسافر عنه في تسفيره و حق صاحبه و الحق الخامس حق اللّٰه تعالى و هو صاحبه الملازم له في سفره فإنه الصاحب في السفر كما هو الخليفة في الأهل فما خلق اللّٰه أتعب خاطر و لا قلب من أهل الكشف و الحضور العارفين بالله من أهل اللّٰه أهل الشهود لهذه الأمور فيتخيل من لا معرفة له بالأمور أن العارف في راحة لا و اللّٰه بل هو أشد عذابا من كل أحد فإنه لا يزال في كل نفس يطلب نفسه مطلوبا من أجل ما أشهده اللّٰه ما أشهده بأداء هذه الخمسة الحقوق و لو لا أن اللّٰه ﴿يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾ برحمته التي ﴿وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية