[اختلاف الأذكار باختلاف الأحوال]
اعلم أيدك اللّٰه و إيانا بروح منه أن رسول اللّٰه ﷺ كان يقول في السراء الحمد لله المنعم المفضل و كان يقول في الضراء الحمد لله على كل حال ثبت هذا في الصحاح فعلمنا أنه ذكر أدب إلهي لأنه ما قيده باسم كما قيد حمد السراء بالمنعم المفضل و من أسمائه الضار كما من أسمائه النافع و لم يتعرض في هذا الحمد إلى ذكر الاسم الضار و لم يكن ذلك عن هوى بل عن وحي إلهي يوحى «فإنه الصادق القائل إن اللّٰه أدبني فأحسن أدبي» فعلمنا إن هذا الذكر من جملة الآداب على هذه الصفة و قد أوحى اللّٰه أن نتبع ملة إبراهيم : و من آداب إبراهيم عليه السّلام مع ربه قوله ﴿وَ إِذٰا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء:80] فنسب الشفاء إلى ربه و لم ينسب إليه المرض لأنه شر في العرف بين الناس و إن كان في طيه خير في حق المؤمن فأخبر اللّٰه نبيه بحديث إبراهيم و قوله هذا تعليما له ﷺ ليتأدب بأدبه «فقال رسول اللّٰه ﷺ و الشر ليس إليك» و من كونه خلقا يحس بالألم الحسي و النفسي كما يحس باللذات المحسوسة و المعنوية و يعلم الفرقان بينهما و أن السرور يصحب الالتذاذ و أن الحزن يصحب الألم طبعا فلذلك عدل في الضراء إلى حمد اللّٰه على كل حال و الأحوال في العالم ما هي بأمر زائد على الشأن الذي ألحق فيه بل هو عين الشأن كل حال يطرأ في الوجود مما يوافق الغرض و يلائم الطبع و مما لا يوافق الغرض و لا يلائم الطبع و إن كان الأمر في ذلك من القابل لأنا رأينا ما يتضرر به زيد يلتذ به عمر و فعلمنا إن العلة في القابل و أن الأمر الآتي منه تعالى واحد العين لا انقسام فيه فينقسم فينا أمره و يتعدد و لما عم هذا الذكر جميع الأحوال فإن تحقق الذاكر اللّٰه به ما وضع له فهي دعوى فإن اللّٰه لا بد أن يبتلي الشخص الذي يذكر اللّٰه بهذا الذكر على هذا الحد فإن الدعوى تفتح باب الابتلاء في القديم و الحديث إن فهمت و إن كان الذاكر به ما خطر له أصل وضعه بخاطر بل ذكر اللّٰه به لكونه مشروعا من غير وقوف مع السبب في وجوده و تشريعه فقد يبتليه اللّٰه و قد لا يبتليه و إن قيده هذا الذاكر أعني ذلك الذكر بأنه ثناء على اللّٰه لجهة الخير لا يقصد به أصل وضعه و لا يقوله بدعوى إنه الحامد ربه على كل حال و إنما يقول ذلك مخبرا أن اللّٰه محمود على كل حال فإنه ما من حال كما قررناه إلا و له وجه في الخلق إلى الالتذاذ به و التألم به فما من حال إلا و يحمد اللّٰه عليه حمد سراء و حمد ضراء أ لا تراه في السراء كيف يقول الحمد لله المنعم المفضل فمن إنعامه و فضله إن جعل صاحب الضراء يحمد اللّٰه و لهذا يعافيه و يحول بينه و بين تلك الضراء لأن حمده شكر على هذا الإفضال و هو أن ألهمه و استعمله في حمد اللّٰه و لم يستعمله في الضجر و السخط فعافى باطنه بما ألهمه إليه من التحميد فزاده اللّٰه عافية بإزالة الضراء عنه و هذا معنى دقيق مندرج في الحمد لله على كل حال و إنه مساو لحمد السراء و هو الحمد لله المنعم المفضل و بزيادة و هذا من جوامع الكلم التي أوتيها رسول اللّٰه ﷺ و تختلف أحوال الذاكرين اللّٰه بهذا التحميد فكل حامد به ينتج له بحسب قصده و علمه و باعثه و قد فصلناه تفصيلا كما أنزله الحق عزَّ وجلَّ في قلوب الذاكرين اللّٰه به تنزيلا فهو حمد سراء و حمد ضراء
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية