اعلم أن اللّٰه تعالى لما خلق العالم جعل له ظاهرا و باطنا و جعل منه غيبا و شهادة لنفس العالم فما غاب من العالم عن العالم فهو الغيب و ما شاهد العالم من العالم فهو شهادة و كله لله شهادة و ظاهر فجعل القلب من عالم الغيب و جعل الوجه من عالم الشهادة و عين للوجه جهة يسجد لها سماها بيته و قبلته أي يستقبلها بوجهه إذا صلى و جعل استقبالها عبادة و جعل أفضل أفعال الصلاة السجود و أفضل أقوالها ذكر اللّٰه بالقرآن و عين للقلب نفسه سبحانه فلا يقصد غيره و أمره أن يسجد له فإن سجد عن كشف لم يرفع رأسه أبدا من سجدته دنيا و آخرة و من سجد من غير كشف رفع رأسه و رفعه المعبر عنه بالغفلة عن اللّٰه و نسيان اللّٰه في الأشياء فمن لم يرفع رأسه في سجود قلبه فهو الذي لا يزال يشهد الحق دائما في كل شيء فلا يرى شيئا إلا و يرى اللّٰه قبل ذلك الشيء و هذه حالة أبي بكر الصديق و لا تظن في العالم أنه لم يكن ساجدا ثم سجد بل لم يزل ساجدا فإن السجود له ذاتي و إنما بعض العالم كشف له عن سجوده فعلمه و بعض العالم لم يكشف له عن سجوده فجهله فتخيل أنه يرفع و يسجد و يتصرف كيف يشاء و اعلم أن السجود الظاهر لما كان نقلة من حال قيام أو ركوع أو قعود إلى تطأطؤ و وضع وجه على الأرض يسمى ذلك التطاطؤ سجودا علمنا أنه طرأ على الساجد حالة لم يكن عليها في الظاهر المرئي لأبصارنا فطلبنا من اللّٰه الوقوف على منقل هذا المنقول من حال إلى حال فمن الناس من جعل ذلك و أمثاله نسبا و هو الذي أعطاه الكشف الإلهي في العلم بالأكوان التي هي الحركة و السكون و الاجتماع و الافتراق فالحركة عبارة عن كون الجسم أو الجوهر قد شوهد في زمان في حيز أو في مكان ثم شوهد في الزمان الآخر في حيز آخر أو في مكان آخر فقيل قد تحرك و انتقل و السكون أن يشاهد الجوهر أو الجسم في حيز واحد زمانين فصاعدا فسمى إقامته في حيزه سكونا و الاجتماع عبارة عن جوهرين أو جسمين في حيزين متجاورين ليس بين الحيزين حيز ثالث و الافتراق عبارة عن جوهرين أو جسمين في حيزين غير متجاورين بينهما حيز ليس فيه أحدهما فليس الأمر سوى هذا و وافق بعض أهل الكلام أهل الكشف في هذا و بقي من المسألة من هو المحرك هل المتحرك أو أمر آخر فمن الناس من قال المحرك هي الحركة قامت بالجسم فأوجبت له التحرك و الانتقال و اختلفوا في الحركة التي أوجبت التحرك للجسم هل تعلقت بها مشيئة العبد فتسمى اختيارية أي حركة اختيار أو لم يتعلق بها مشيئة المتحرك فتسمى اضطرارية كحركة المرتعش و هذا كله إذا ثبت أن ثم حركة كما زعم بعضهم و لم يختلفوا في إن هذه الأكوان أعراض سواء كانت نسبا أو معاني قائمة بالمحال الموصوفة بها فإنا لا نشك أنه قد عرض لها حال لم تكن عليه و من المحال أن يكون واحد من تلك الأعراض ذاتيا لها و إنما الذاتي لها قبولها و اختلفوا فيمن أوجد تلك الحركة أو السكون إذا ثبت أن ذلك عين موجودة هل هو اللّٰه تعالى أو غير اللّٰه فمن قائل بهذا الوجه و من قائل بهذا الوجه و سواء في ذلك المرتعش و غير المرتعش و من قائل إن الأكوان لا وجود لها و إنما هي نسب فلمن تستند و نحن نقول في النسبة الاختيارية إن اللّٰه خلق للعبد مشيئة شاء بها حكم هذه النسبة و تلك المشيئة الحادثة عن مشيئة اللّٰه يقول اللّٰه عز و جل ﴿وَ مٰا تَشٰاؤُنَ إِلاّٰ أَنْ يَشٰاءَ اللّٰهُ﴾ [الانسان:30]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية