اعلم أيدك اللّٰه أن اللّٰه يقول ﴿اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر:60] فإذا علمت هذا علمت إن اللّٰه رب كل شيء و مليكه فكل ما سوى اللّٰه تعالى مربوب لهذا الرب و ملك لهذا الملك الحق سبحانه و لا معنى لكون العالم ملك اللّٰه تعالى إلا تصرفه فيه على ما يشاء من غير تحجير و أنه محل تأثير الملك سيده جل علاه فتنوع الحالات التي هو العالم عليها هو تصرف الحق فيه على حكم ما يريده ثم إنه لما رأينا اللّٰه تعالى يقول ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام:54] فأشرك نفسه مع عبده في الوجوب عليه و إن كان هو الذي أوجب على نفسه ما أوجب فكلامه صدق و وعده حق كما يوجب الإنسان بالنذر على نفسه ابتداء ما لم يوجبه الحق عليه فأوجب اللّٰه عليه الوفاء بنذره الذي أوجبه على نفسه فأمره بالوفاء بنذره ثم رأيناه تعالى لا يستجيب إلا بعد دعاء العبد إياه كما شرع كما إن العبد لا يكون مجيبا للحق حتى يدعوه الحق إلى ما يدعوه إليه قال تعالى ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ [البقرة:186] فصار للعبد و العالم الذي هو ملك لله سبحانه تصرف إلهي في الجانب الأحمى بما تقتضيه حقيقة العالم بالطلب الذاتي و تصريف آخر بما يقتضيه وضع الشريعة
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية