﴿وَ إِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [ القلم:4] فالأصل الإلهي الذي استندت إليه هذه الطائفة هو ما ذكرناه من أن الحق سبحانه يجب لجلاله من التعظيم و الكبرياء ما تستحقه الألوهة و مع هذا فانظر موطن الدنيا ما اقتضاه في حق الحق من دعوى العبيد فيها الربوبية و منازعة الحق في كبريائه و عظمته فقال فرعون ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلىٰ﴾ [النازعات:24] و تكبر و تجبر و سبب ذلك أن الموطن اقتضى أن ينحجب الخلق عن اللّٰه إذ لو أشهدهم نفسه في الدنيا لبطل حكم القضاء و القدر الذي هو علم اللّٰه في خلقه بما يكون عنهم و فيهم فكان حجابه رحمة بهم و إبقاء عليهم فإن تجليه سبحانه يعطي بذاته القهر فلا يتمكن معه دعوى فلما كانت الألوهية تجري بحكم المواطن كان هذا الأصل الإلهي مشهود الملامية إذ كانوا حكماء علماء فقالوا نحن فروع هذا الأصل إذ كان لكل ما يكون في العالم أصل إلهي و لكن ما كل أصل إلهي يكون في حق العبد إذا اتصف به محمودا فإن الكبرياء أصل إلهي بلا شك و لكن إن اتصف به العبد و صير نفسه فرعا لهذا الأصل و استعمله باطنا فإنه مذموم بكل وجه بلا خلاف و لكن إن استعمله ظاهرا في موضع خاص قد عين له و أبيح له فيه استعماله صورة ظاهرة لا روح لها منه كان محمودا لنفس الصورة و لهذا رأت الطائفة أن خرق العوائد واجب سترها على الأولياء كما أن إظهارها واجب على الأنبياء لكونهم مشرعين لهم التحكم في النفوس و الأموال و الأهل فلا بد من دليل يدل على إن التحكم في ذلك لرب المال و النفس و الأهل فإن الرسول من الجنس فلا يسلم له دعواه ما ليس له بأصل إلا بدليل قاطع و برهان و الذي ليس له التشريع و لا التحكم في العالم بوضع الأحكام فلأي شيء يظهر خرق العوائد حين مكنه اللّٰه من ذلك ليجعلها دلالة له على قربه عنده لا لتعرف الناس ذلك منه فمتى أظهرها في العموم فلرعونة قامت به غلبت عليه نفسه فيها فهي إلى المكر و الاستدراج أقرب منها إلى الكرامة فالملامية أصحاب العلم الصحيح في ذلك فهم الطبقة العليا و سادات الطريقة المثلى و المكانة الزلفى في العدوة الدنيا و العدوة القصوى و لهم اليد البيضاء في علم المواطن و أهلها و ما تستحق أن تعامل به و لهم علم الموازين و أداء الحقوق و كان سلمان الفارسي من أجلهم قدرا و هو من أصحاب رسول اللّٰه ص في هذا المقام و هو المقام الإلهي في الدنيا و يتضمن هذا المنزل من العلوم هذا العلم و هو علم الحكمة و يتضمن علم المواقف و علم الحساب و علم الظن و علم الإهمال و الفرق بينه و بين الإمهال الذي يطلبه الاسم الحكيم و علم السابقة إلى المعاصي و المخالفات و هل يكون للإنسان المخالفة عين الموافقة و إن كانت فهل تثمر له هذه المخالفة بهذه المثابة و سرعته إلى فعلها قربة عند اللّٰه و هل تحجب المقرب و لا بد و إن سارع إليها عند مباشرة الفعل المخالف للحكم المشروع عن الحكم المشروع فيه أو لا يحجب و إما أن يكون قربة ذلك الفعل المخالف و لكن قد يكون مقربا لا قربة و هو علم كبير لا يعرفه من أهل طريقنا إلا قليل فإن غوره بعيد و ميزانه خفي دقيق ما في الموازين أخفى منه و الأكثر من أهل طريق اللّٰه ما شاهده و لا رآه و إن قيل له أنكره فما ظنك بعلماء الرسوم فما ظنك بالعامة و أما أكابر الحكماء من الفلاسفة فأنكروه جملة واحدة و سبب إنكارهم مع فضلهم و بعد غورهم إنهم لا يقولون بالاختصاص كما نقول نحن بل الأمور عندهم كلها مكتسبة بالاستعداد فمن هنا خفي عليهم هذا العلم و غيره مما يتعلق بالاختصاص و من علوم هذا المنزل علم السبب الذي أدى القائلين إلى إنكار الدار الآخرة الحسية و المعنوية فإنهم طائفتان بلا شك طائفة تنكر الحس الأخروي و طائفة تنكره معنى و حسا و من علومه علم أحوال الموت و لما ذا يرجع و ما حقيقته و ذبحه و صورته في عالم التمثيل كبشا أملح و مكان ذبحه و لمن تنتقل حياته إذا ذبح و علم التجلي الموجب لكسوف الكواكب المعنوية و الحسية و علم حضرة الجمع بين العبد و الرب و من هذه الحضرة ظهر القائلون بالاتحاد و الحلول فإنها حضرة علم تزل فيها الاقدام فإن الشبهة فيه قوية لا يقاومها دليل مركب و علم الأسفار و لنا فيه جزء سميناه الأسفار عن نتائج الأسفار يتضمن من العلم الإلهي و نسبة هذا الحكم الإلهي إليه و من العلم الكوني و نسبة هذا الحكم الإلهي معنى و حسا شيئا كثيرا و من علوم هذا المنزل الإلهي أيضا لأي اسم إلهي ترجع الناس يوم القيامة و علم السبب الذي لأجله يسأل العالم غيره عما يعمله و سبب جحد العالم ما يعلمه إذا سئل عن العلم به و علم كشف الإنسان ما في نفس الملك و هل هو من علم الستر أو الظهور أو منه ما يكون من علم الستر بوجه و من علم الظهور بوجه و علم الأدب و علم الاقتداء و علم السبب الموجب لإيثار الدنيا على الآخرة مع ما فيها من الغموم و الإنكار الحسية و المعنوية و علم الرؤية في الدار الآخرة و هل هي جائزة أو محال سواء كانت رؤية بصيرة أو بصر و هل الرؤية محلها حقيقة الرائي أو العين المعتاد المعروف و هل الرؤية حكم أو معنى وجودي و هل هي عين الرائي أو غيره كالصفة له و علم حال النفوس بعد الموت و علم الآخرة المعجلة و الدنيا المؤجلة و علم الإقبال و الإعراض و علم الوعيد و التقرير و علم الاقتدار و هذا القدر كاف في هذا المنزل ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية