﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الشورى:12] لا إله إلا هو العليم الحكيم و في معرفة الذات و الصفات علم ما أشار إليه هذا القطب فلو تحرك غير المستدير لما عمر الخلأ بحركته و كانت أحياز كثيرة تبقي في الخلأ فكان لا يتكون عن تلك الحركة تمام أمر و كان ينقص منه قدر ما نقص من عمارة تلك الأحياز بالحركة و ذلك بمشيئة اللّٰه تعالى و حكمته الجارية في وضع الأسباب و أخبر هذا القطب أن العالم موجود ما بين المحيط و النقطة على مراتبهم و صغر أفلاكهم و عظمها و أن الأقرب إلى المحيط أوسع من الذي في جوفه فيومه أكبر و مكانه أفسح و لسانه أفصح و هو إلى التحقق بالقوة و الصفاء أقرب و ما انحط إلى العناصر نزل عن هذه الدرجة حتى إلى كرة الأرض و كل جزء في كل محيط يقابل ما فوقه و ما تحته بذاته لا يزيد واحد على الآخر شيء و إن اتسع الواحد و ضاق الآخر و هذا من إيراد الكبير على الصغير و الواسع على الضيق من غير أن يوسع الضيق أو يضيق الواسع و الكل ينظر إلى النقطة بذواتهم و النقطة مع صغرها تنظر إلى كل جزء من المحيط بها بذاتها فالمختصر المحيط و المختصر منه النقطة و بالعكس فانظر و لما انحط الأمر إلى العناصر حتى انتهى إلى الأرض كثر عكره مثل الماء في الحب و الزيت و كل مائع في الدن ينزل إلى أسفله عكره و يصفو أعلاه و المعنى في ذلك ما يجده عالم الطبيعة من الحجب المانعة عن إدراك الأنوار من العلوم و التجليات بكدورات الشهوات و الشبهات الشرعية و عدم الورع في اللسان و النظر و السماع و المطعم و المشرب و الملبس و المركب و المنكح و كدورات الشهوات بالانكباب عليها و الاستفراغ فيها و إن كانت حلالا و إنما لم يمنع نيل الشهوات في الآخرة و هي أعظم من شهوات الدنيا من التجلي لأن التجلي هناك على الأبصار و ليست الأبصار بمحل للشهوات و التجلي هنا في الدنيا إنما هو على البصائر و البواطن دون الظاهر و البواطن محل الشهوات و لا يجتمع التجلي و الشهوة في محل واحد فلهذا جنح العارفون و الزهاد في هذه الدنيا إلى التقليل من نيل شهواتها و الشغل بكسب حطامها
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية